أعلنت "جماعة الاخوان المسلمين" في سورية تمسكها بالحوار و"آليات العمل السياسي الديموقراطي ووسائله" و"نبذ العنف" والعمل على "حماية حقوق الانسان والمواطن الفرد". جاء ذلك في "مشروع ميثاق شرف وطني للعمل السياسي" وزعته الجماعة بمثابة "أفكار أولية" مطروحة للحوار. وشددت هذه الافكار على ثوابت تتعلق بالهوية والمرجعية وبناء الدولة الحديثة والتصدي للمشروع الصهيوني وتحقيق الوحدة العربية. وفي ما يأتي نص المشروع: "تمثل هذه الأوراق أفكاراً أولية، تطرحها جماعة الاخوان المسلمين في سورية، حول قواعد العمل السياسي وضوابطه الثوابت - الأهداف - الأسس والالتزامات. وهي أوراق مطروحة للحوار، لإنجاز ميثاق شرف وطني، ينظم مسيرة العمل السياسي، في مرحلة من أدق المراحل، في التحولات السياسية الدولية والاقليمية والداخلية. فقد ولى الزمن الذي يدعي فيه حزب انه الوطن، وقصارى أمر أي فريق سياسي، ان يأخذ مكانه على الخريطة الوطنية، بالحجم الذي تمنحه إياه مرتسماته الواقعية، عبر صناديق اقتراع حرٍ ونزيه. ان مبادرتنا بالتقدم بهذه الأوراق الوطنية، لا تنتقص من حقوق الآخرين، في ان تكون لهم رؤيتهم الكلية أو الجزئية في تطوير هذا المشروع، أو تعديله، بما يتيح له قبولاً أوسع، عند دوائر اكثر، من أبناء شعبنا الحر الأبي... من خلال معطيات الحوار الايجابي البناء. ومن هنا تأتي دعوتنا الى المشاركة في الحوار حول مشروع هذا الميثاق، مفتوحة لجميع القوى السياسية، والشخصيات العامة الفكرية والثقافية، فتحت خيمة الحوار الوطني، ليس لأحد أن يكون أولى بالوجود من أحد، وليس لأحد ان يفرض الوصاية على أحد، وربما وضح الحوار مبهماً، أو ردم هوة، أو ضيق فرجة، وكل هذا مما يوحد الموقف، ويدفع المسيرة، ويُعلي البنيان. ان المطلب السياسي الأول، الذي ينبغي ان تجاهد جميع القوى السياسية من أجله، هو تثبيت حقها في وجود رسمي قانوني، تحمل عبئها الوطني من خلاله، وربما من المفيد ان نؤكد ان هذه القوى على اختلاف توجهاتها، انما تستمد شرعيتها من وجودها الواقعي المتمثل في جماهيرها، لا من قانون يوقع عليه قلم رسمي، ولا من وثيقة يتلون حبرها مع تلون الزمان. أولا: في الثوابت: ان الايمان بالحوار والدعوة اليه، لا يمكن ان تكون في المطلق، ولا أن تنشأ في الفراغ، فلسنا نحن السوريين نجماً فقد موقعه، أو كوكباً أضاع مداره، بل ان لنا وجوداً ثابتاً وراسخاً على خريطتي الزمان والمكان. وبالتال فإن دعوتنا الى الحوار، ترتكز تلقائياً على مجموعة من الثوابت يفقد الأمة تجاوزها، وجودها وقوتها وتميزها بين العالمين. وأول هذه الثوابت ان الاسلام بمقاصده السامية، وقيمه العليا، وشريعته السمحاء، يشكل مرجعية حضارية، وهوية ذاتية، لأبناء هذه الأمة، يحفظ عليها وجودها، ويبرز ملامح خصوصيتها، ويشكل مضمون خطابها للناس أجمعين. والإسلام بالنسبة لأبناء قطرنا العربي السوري، إما مرجعية دينية، أو انتماء حضاري، فهو بالتالي كلي جامع لأبناء الوطن، موحد بينهم، حافظ لوجودهم. وثاني هذه الثوابت، انتماء قطرنا العربي السوري الى منظومته العربية، هذا الانتماء الذي ينبغي ان يعتبر اساساً في بناء أي استراتيجية سياسية مستقبلية، وانه لمن الضروري ان يعبر هذا الانتماء عن نفسه، في تجسيد واقعي فعال، يوثق الروابط، ويؤكد العلائق، ويسير بالأمة في طريق التوحد، ضمن سياسات منضبطة ومدروسة، ولا يجوز ان يبقى متمثلاً في رؤى ذهنية، أو في مشاعر أو احلام عاطفية. ثم ان المواجهة بين العروبة والاسلام، كانت عنوان مرحلة تاريخية تصرّمت، ولقد نشأت تلك المواجهة عن عوامل من الانفعال وسوء الفهم، وحتى الايديولوجيا التي سادت المناخ العام في فترات ما بعد الاستقلال. وكما كان انتماء قطرنا الى اسلامه هوية ومرجعية، غير مضر بوحدته الوطنية، فإن انتماءه الى عروبته، لا يحمل أي بعد عنصري أو استعلائي، حيث يجد ابناء الوطن أجمع، سر مواطنتهم في روح العدل والتآخي والمساواة، والمشاركة التاريخية في سراء الوطن وضرائه على حد سواء. وثالث هذه الثوابت: ان تأكيداتنا السابقة على المرجعية والهوية والانتماء، لا تحول أبداً بيننا وبين الاستفادة من تجارب الامم، وخبرات الشعوب، ومعطيات العصر الذي نعيش. بل اننا مدعوون حسب مرتكزاتنا الحضارية، الى ان نخوض غمار التنافس الى أقصى مداه، ليكون لنا فيه فضل السبق، وأولوية التمكين... وتبقى الحكمة بكل أبعادها، ضالتنا لنا، آنى وجدناها، فنحن أحق بها وأهلها. ثانياً: في الاهداف العامة يسعى الموقعون على هذا الميثاق، من خلال جهدهم السياسي النظري والعملي، الى تحقيق الاهداف العام ةالتالية: الهدف الأول: بناء الدولة الحديثة وللدولة الحديثة تجسداتها الملموسة في الحياة الواقعية التي تشمل الفرد والمجتمع... فالدولة الحديثة، دولة تعاقدية، ينبثق العقد فيها عن ارادة واعية حرة بين الحاكم والمحكوم، والصيغة التعاقدية للدولة هي احدى عطاءات الشريعة الاسلامية للحضارة الانسانية. والدولة الحديثة دولة مؤسسية، تقوم على المؤسسة من قاعدة الهرم الى قمته. كما تقوم على الفصل بين السلطات، وتأكيد استقلاليتها. فلا مجال في الدولة الحديثة لهيمنة فرد أو سلطة أو حزب، على مرافق الدولة، أو ابتلاعها. وفي الدولة الحديثة، تعلو سيادة القانون، ويتقدم أمن المجتمع على أمن السلطة، ولا تحل فيها حال الطوارئ مكان الأصل الطبيعي من سيادة القانون. والدولةالحديثة، دولة تداولية، ومن هنا جاء الاشتقاق اللغوي لكلمة الدولة، وتكون صناديق الاقتراع الحر والنزيه، أساساً لتداول السلطة بين أبناء الوطن أجمعين. والدولة الحديثة، دولة تعددية، تتباين فيها الرؤى، وتتعدد الاجتهادات، وتختلف المواقف، وتقوم فيها قوى المعارضة السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، بدور المراقب والمسدد، حتى لا تنجرف الدولة الى دائرة الاستبداد أو مستنقع الفساد. ودور الجيش في الدولة الحديثة يتركز في الدفاع عن الوطن وفي حمايته من أي عدوان خارجي. ويكون شرف الانتماء لهذه المؤسسة الوطنية، حقاً عاماً لجميع المواطنين، على أسس من المساواة والعدل. الهدف الثاني: مواجهة تحدي البناء العام. بناء الانسان الفرد تربية ووعياً وسلوكاً والتزاماً، في عصر تعصف فيه رياح العولمة الهوجاء، بروح الانسان وخصوصيته وانتمائه. وبناء المجتمع... المتكافل المتضامن، الذي تسوده المحبة والإخاء، وروح العدالة الاجتماعية في صورتيها: الأصيلة وما فيها من تلاحم وتعاون، والمعاصرة وما فيها من تنظيم ومؤسساتية. وبناء مؤسسات المجتمع المدني بوحداتها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية والثقافية والمهنية لتأخذ دورها في حماية المجتمع وترشيده. وبناء روح الانجاز وقبول التحدي، ومقاومة كل أشكال الاسترخاء والتواكل والانماط الاستهلاكية المدمرة والكسلى. وبناء النظم والآليات التي تعين على استغلال ثروات الوطن، وتوظيفها في تطويره ونمائه، والحفاظ على كرامة ابنائه. وبناء الضوابط والقواعد التي تحول دون انتشار الفساد بأشكاله وألوانه، وحياطة المال العام، وصون ثروات الوطن. وبناء خطط التنمية العامة، لاخراج القطر من رهق المديونية، وأسر صندوق النقد الدولي واشتراطات النظام العالمي الجديد. الهدف الثالث: التصدي للمشروع الصهيوني يشكل المشروع الصهيوني بأبعاده العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، الخطر الأكبر الذي يهدد أمتنا وقطرنا، ويستدعي جمع القوى، وحشد الطاقات للتصدي له... وهو مشروع يسعى للسيطرة على الانسان والأرض والثروة. يؤكد الموقعون على هذا الميثاق، عروبة الأرض الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في العودة الكريمة الى أرضه ودياره، وتقرير مصيره، وبناء دولته المستقلة. يتمسك الموقعون على هذا الميثاق، بالأرض السورية المحتلة، ويتعاونون ويتعاضدون لاستعادتها كاملة السيادة. يضع الموقعون على هذا البيان، الخطط والبرامج والآليات المناسبة، لمقاومة المشروع الصهيوني بأبعاده كافة، ولتعزيز سياسات المقاطعة، ووقف عمليات التطبيع والحديث الملحون عن سلام يمكّن للعدو في الأرض، أو في الثروة، أو في إرادة الانسان. الهدف الرابع: السعي الى تحقيق الوحدة العربية ان السعي لتحقيق الوحدة العربية على أسس متينة من الروابط الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية... واجب شرعي، وضرورة قومية، والى ان تتوافر الشروط الموضوعية لهذه الوحدة، لا بد من العمل على اعادة التضامن العربي، وتجاوز كل الخلافات البينية، وفتح الحدود بين جميع الدول العربية، واقامة سوق عربية مشتركة، للارتقاء بالعلاقات العربية - العربية الى مستوى التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تواجه الأمة. ثالثاً: أسس والتزامات يؤكد الموقّعون على هذا الميثاق: 1- ان المواطن الحر الموفور الكرامة، هو اساس بناء الدولة الحديثة، وان اي اصلاح سياسي، او اقتصادي، او اجتماعي... لا يمكن تحقيقه الا من خلال احترام الانسان وتكريمه ورعاية حقوقه الانسانية، والمدنية، والسياسية... ومن ذلك حقه في المشاركة الايجابية في صنع حاضر الوطن ومستقبله. 2- وان المواطنة حقوق وواجبات، وان المشاركة الايجابية في القرار الوطني، وفي حماية الوطن وفي بنائه والارتقاء به، واجب وطني، ليس لاحد حق الاستقلال به، او الحجر عليه. 3- وان الاختلاف بين الناس في الرؤية والاجتهاد والموقف، سنّة من سنن الخلق وحقيقة من حقائق الوجود الانساني العام. وان هذا الاختلاف مشروع ومعتبر، ما دام في اطار الثوابت الوطنية وفي توجهات الخير والنفع العام ولكل وجهة هو موليها، فاستبقوا الخيرات.... 4- وان تعبير الناس سواسية كأسنان المشط تجسيد حسي لواقع المساواة بين الناس، التي كان لشريعتنا وحضارتنا شرف التقدم بها الى العالمين، وان المساواة وتكافؤ الفرص يثمران الوحدة الوطنية، التي هي القاعدة الامكن للبناء الوطني المنشود. 5- وان الاعتراف بالآخر الوطني العقائدي والسياسي والفكري والثقافي... ركيزة اساسية من ركائز التفكير والحركة. ولقد اثبتت الايام فشل سياسات الاستئصال او التشويه او تجفيف المنابع، فليس في وسع احد ان يمحو الآخر او ينفيه. 6- وان الحوار البنّاء، والجدال بالتي هي احسن هما الوسيلة الاقرب والارقى للتعامل مع الآخر، وفهمه وبناء جسور التعارف والتقارب والتواصل معه، وان من شأن الحوار الايجابي ان يؤكد على المشترك وان يحدد ويضيق مساحات الاختلاف. 7- وان اي اختلاف في الرؤى العامة والسياسات العليا والقرارات المصيرية، تحكمه صناديق الاقتراع الحرّ والنزية، او مؤسسات الدولة المنبثقة عن صناديق الاقتراع الحر والنزيه، او القضاء العادل المستقل... 8- كما يؤكد الموقعون على هذا الميثاق، على التمييز المطلق بين مصطلح الدولة ارض شعب سلطات قانون وبين مصطلح الحكومة السلطة التنفيذية ويحذرون من تغوّل السلطة التنفيذية او الامنية على مقدرات الدولة انسانها ومرافقها. يلتزم الموقعون على هذا الميثاق... 1- بمواجهة التحديات الخارجية المفروضة على الوطن، مهما كان مصدرها وصبغتها بروح البنيان المرصوص، مُعلين من شأن التضحية في سبيل حماية الوطن وأمنه وعزّته... 2- بتقديم مصلحة الوطن العليا على المصالح الذاتية والخاصة، في كل الموازنات السياسية، مهما كان في التنازل عن المصلحة الذاتية من ألم او تضحية او شعور بالغبن. 3- بممارسة دورهم في الحياة العامة، بشفافية مطلقة، وتحت الشمس، بعيداً عن جميع اشكال التعتيم او السرية، ويقاومون كل الاسباب والمدخلات التي تؤدي الى احراج العمل الوطني، او دفعه للتستر والاختباء، ويشمل هذا الوضوح والنقاء: المبادئ والبرامج والسياسات والانشطة والعلاقات... 4- بآليات العمل السياسي الديموقراطي ووسائله، مؤكدين الحق المتكافئ للجميع، في الاستفادة من امكانات الدولة في توضيح مواقفهم والانتصار لرؤاهم وطرح برامجهم... 5- بنبذ "العنف" من وسائلهم ويرون في الحلول الامنية لمشكلات الدولة والمجتمع وفي عنف السلطة التنفيذية مدخلاً من مداخل الفساد. ويميز الموقعون على هذا الميثاق، بين الارهاب الدولي كوسيلة من وسائل بث الذعر، والابتزاز السياسي، وبين اشكال المقاومات الوطنية، التي تلجأ اليها الشعوب في الدفاع عن حقوقها والانتصار لقضاياها. 6- بالتعاضد على حماية حقوق الانسان، والمواطن الفرد، والانتصار للمظلوم والمستضعف، وصون المرأة والدفاع عن حقوقها، والتأكيد على مساواتها مع شقيقها الرجل في اعتبارات الاهلية الانسانية والمدنية... 7- كما يبدي الموقعون على هذا الميثاق تفهمهم للتدرج في تحقيق الاهداف العامة لهذا الميثاق، في ظلال الشعور بالمسؤولية الوطنية، وتقديرهم لظروف الواقع ومتطلباته، مؤكدين في الوقت نفسه على ضرورة معالجة الملف الانساني بكل ابعاده معالجة سريعة وشاملة. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تُردّون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون. لندن في العاشر من صفر 1422 الموافق للثالث من ايار مايو 2001".