في شهر شباط فبراير الماضي، ظهر المخرج والممثل السوري غسان مسعود على شاشة قناة"الحرة"في حوار ثقافي. وسأله المذيع:"لماذا تريد إخراج النص المسرحي"طقوس الإشارات والتحولات"للكاتب الراحل سعدالله ونوس، رغم إخراجه من قبل السيدة نضال الأشقر"؟ فاجأني جواب الاستاذ مسعود بقوله:"حتى أقول أن سعد الله كان يحب دمشق". وهذه الإجابة تحمل في طياتها الكثير مما دار ويدار حول هذا الموضوع! وانتابني في الوقت ذاته شعور عميق بالارتياح، لأننا سنشاهد هذا العمل ضمن رؤية جديدة تتناغم مع تطلعات ونوس الإبداعية. بداية أقول أن سعد الله ونوس نجم في السماء. فهو عالٍ بما فيه الكفاية، وتناول الأشياء الصغيرة هو من طبيعة العقول الصغيرة. أما الإبداع فلا تتناوله إلا العقول النيرة، ونجمنا إبداعي بامتياز. عشق ونوس التغيير والتجدد والإبداع وتطوير المجتمع، ودفع ثمناً لذلك الحب ألماً وفناء جسد... حتى اعتصره في النهاية السرطان. وهذا كان أهون الأشياء، لأن عذاب الروح والتألم لما حاصل في المجتمع كان أقسى بكثير من هذا المرض. ولا يعجز هذا النورس البحري عن عشق بردى وحب قاسيون. فعندما كان يذهب لنزهات قصيرة في محيط مدينة دمشق، كان يقول لصديقه المخلص حسن: لماذا حبس الرسامون أنفسهم ضمن الحارات العتيقة ولم يخرجوا منها ليرسموا هذا الإبداع الإلهي؟ هذا لا يعني أن ونوس كان يكره الحارات العتيقة، بل كان يحب الإبداع والتجدد المستمر لإعطاء رؤية جديدة، وعدم التشبث بالمعتاد والمألوف، وعدم الخروج منه، فيصبح شرنقة تلتف على ذاتها لتختنق، ولا تتحول شيئاً آخر. إرادي وقسري ضمن ظروف بيئية معينة، واندفاع لا واع يأتي من عمق الشخصية المتحولة. وأهم ما يتناول سعد الله ونوس في هذا العمل ازدواجية الفعل الأخلاقي - الاجتماعي - السياسي - الاقتصادي لدى المجتمع البطريركي، والذي ينعكس في شكل أو آخر على بقية المجتمع. إن هذا العمل الإبداعي الخطير والمميز جداً، يشرح المجتمع في أدق تفاصيله، ويبين القناعات الاخلاقية المعلنة من ناحية، والأفعال المستورة المتناقضة مع الأولى من ناحية أخرى. وهذا المرض الخطير الذي يعاني منه المجتمع هو سبب تخلفنا الأول. فعندما نكثف الواقع يتحول الى لا واقع. ف"طقوس الإشارات والتحولات"إبداع لما تمتلكه من مخزون معرفي وتحليل نفسي وبناء درامي. وذلك كله تم توظيفه من أجل بناء مجتمع جديد رسم ملامحه باقتدار. فهل بعد كل ذلك نقول عن سعد أنه لا يحب... فلتحيا يا أستاذ سعد الله ما بقيت الحياة... وشكراً لك يا استاذ غسان. علي دياب - بريد الكتروني