سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" تعرض سيناريوات غير مكتملة لإعادة انتشار القوات يوازيها تقسيم فيديرالي . بوش ما زال مصراً على بقاء جيشه في مستنقع العراق ... وربما ينقل مأزقه الى ايران 1 من 3
الحرب في العراق في عامها الرابع من دون مؤشر الى قرب نهايتها، فيما تتنافس الادارة الجمهورية وخصومها الديموقراطيون على طرح"استراتيجيات خروج"من المستنقع العراقي، وكأن أميركا سلمت بضرورة الخروج بأقل الخسائر الممكنة، من دون الإعلان عن هزيمة مشروعها الأصلي، والذي يرتكز الى إقامة حكومة عراقية ديموقراطية موالية لواشنطن، تشكل الحليف الأول لها في مواجهة التهديدات لمصالحها الإقليمية الحيوية وعلى رأسها النفط. ولم يبق احد لم يدل بدلوه في كيفية الخلاص من المأزق الحالي، ما ينبئ بخسارة الحرب السياسية في واشنطن بمعزل عن خسارتها او كسبها عسكرياً في العراق. ويطرح السناتور جون كيري، المرشح الرئاسي المهزوم امام جورج بوش في العام 2004، مخرجاً يستند الى استحالة كسب الحرب عسكرياً، داعياً الادارة الى إعطاء القيادات العراقية مهلة محددة لتشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على ضبط الأوضاع الامنية على الأرض، او مواجهة انسحاب عسكري أميركي شامل. وفي حال اتفاق الخصوم العراقيين في ما بينهم، يجري تنفيذ انسحاب عسكري أميركي من المدن والمناطق السكانية الى قواعد داخل العراق بعيداً من الاحتكاك بالمواطنين العراقيين، فيما يتواصل تدريب القوات العراقية للقيام بمسؤولياتها. ويرى كيري في طرحه هذا ان العملية تتطلب اتفاقاً شبيهاً باتفاق"ديتونا"الذي نظمه المبعوث ريتشارد هولبروك لإنهاء الحرب في البوسنة. وانضم زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ جوزيف بايدن الى كيري بدعوته الى حل يستند الى تقسيم موقت للعراق الى ثلاثة أجزاء على أسس اثنيه، على غرار التسوية التي تمت في البوسنة، معتبراً ان التقسيم الموقت هو الطريق الوحيدة لإبقاء العراق موحداً مع الاحتفاظ بحكومة مركزية في بغداد! وتنص مبادرة بايدن على إبقاء أعداد محدودة من القوات الاميركية لاستهداف تنظيم"القاعدة"إذا تطلب الأمر، وخروج الجزء الأكبر من القوات الاميركية بحلول عام 2008. من جانبه، طرح خبير الشؤون الدفاعية انثوني كوردزمان في مقالة نشرتها"نيويورك تايمز"ان تقسيم العراق على أسس اثنيه طائفية سيجلب المزيد من الكوارث، مشيراً الى ان التقسيم الطائفي سيعني تقسيم الجيش، مما يعزز من قوة الميليشيات التابعة للجماعات المختلفة ويهدد بالمزيد من العنف. كما يشير الى ان التقسيم سيفتح تنافساً عنيفاً على موارد النفط، مع احتمال تدخل دول مجاورة في شكل اكبر لدعم الجماعات المتحالفة معها. ويخلص كوردزمان الى ان تقسيم العراق سيبعث رسالة بأن أميركا هزمت وتخلت عن العراق وشعبه. ويرى ان أميركا"مسؤولة عما وصل إليه العراق، وعليها العمل على إصلاح الأوضاع وعدم ترك فراغ في السلطة في وضع غاية في الخطورة". غير ان الرئيس الأميركي يواصل تمسكه بخطته الأصلية التي أعاد التأكيد عليها في استراتيجية الأمن القومي للأعوام الثلاثة المتبقية من رئاسته، والتي تستند الى مواصلة تدريب القوات العراقية، في شكل مواز لسياسة الاحتواء السياسي، ليتم تسليم القوات العراقية المدربة مناطق تنسحب منها القوات الاميركية تدريجاً. ويصر المقربون من بوش على ان الرجل لا يمكن ان يوافق على انسحاب يمكن ان يوصف بأنه هزيمة لأميركا في منطقة هي الأكثر أهمية في العالم من ناحية استراتيجية. بل يذهب بعض المحللين الى حد توقعهم ان يصعد بوش من الأزمة باستهدافه ايران، التي يعتبرها عقبة كبيرة في طريق صوغه لمستقبل العراق الجديد. ولعل الانتخابات النصفية المقبلة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، تشكل مفصلاً مهماً في تحديد ما إذا كان بوش سيخسر الغالبية التي تؤيده في الكونغرس، ما يعني تعطيل مشاريعه المستقبلية سواء على صعيد مشروعه في العراق او خطته لاحتواء الخطر الإيراني. في المقابل، يستبعد المراقبون ان يوافق الديموقراطيون، وأبرزهم المرشحان الرئاسيان المتوقعان في العام 2008 - السناتور جون ماكين وزميلته هيلاري كلينتون على انسحاب أميركي مذل قبل تحقيق حد أدنى من الاستقرار في العراق. فالديموقراطيون يريدون هزيمة بوش لكنهم ليسوا مع هزيمة أميركا في العراق حتى ولو تطلب الأمر تجنيد الاحتياط ومضاعفة القوات الاميركية لتحقيق المهمة، وهو ما رفض بوش ان يفعله حتى الآن بإصرار من وزير دفاعه دونالد رامسفيلد، الذي ما زال واثقاً من تحقيق الأهداف المرسومة في العراق بالقوات المنتشرة حالياً، فضلاً عن تأكيد نيته بدء انسحابات تدريجية مع أواسط العام الحالي. من الواضح ان الادارة الاميركية، ومعها المعارضون الديموقراطيون، تسعى الى مخرج مشرف مما قد يكون أسوأ تدخل عسكري خارجي منذ حرب فييتنام، إلا ان ذلك يبدو اكثر صعوبة يوماً بعد يوم. ولعل بايدن محق بقوله إن الادارة لا تملك استراتيجية خروج قابلة للتطبيق، معتبراً ان الرئيس بوش قرر الاستمرار في الخطة الحالية الى حين انتقال الأزمة للإدارة الجديدة في 2008، ويلفت مراقبون الى ان الفشل السياسي الأميركي خلال السنوات الثلاث الماضية ربما افقد أميركا القدرة على إقناع الأفرقاء العراقيين بتبني استراتيجية تناسب واشنطن في ما يخص الترتيبات العراقية، ما يعني ان التركيز الآن بات على الحد من الخسائر الاميركية بدلاً من تحقيق النجاح. وإلى جانب توسع النفوذ الإيراني وبروز شبح الحرب الأهلية، حصل الجهاديون والإرهابيون في العراق على فرصة للتجنيد وللتدريب الميداني مع إمكان تصدير العنف الى دول مجاورة في المستقبل. ويبدو هنا ان في مقابل خطة بوش لإقامة الديموقراطية في العراق بغية تصديرها الى دول الجوار، تبرز خطة الزرقاوي لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، على أنقاض العراق، تمهيداً لتصدير نموذجها الى دول المنطقة. غير ان الأرجح هو ان يتجه العراق الى منطقة وسطى ما بين ما يتمناه الأميركيون وما يسعى إليه البعثيون السابقون الذين فقدوا السلطة، وحلفاؤهم في"القاعدة"، من دون ان يتمكن أي طرف من تحقيق أهدافه المرسومة. وفي هذه الأثناء، يستمر حال التجاذب على النفوذ في العراق بين أميركا وإيران والقوى المتحالفة معهما، في انتظار ان يحسم الوضع على الأرض وفق ما تجتمع عليه غالبية العراقيين، على افتراض ان الإجماع ما زال أمراً ممكناً في ضوء الوضع القائم. "الحياة"أعدت ملفاً حول ما أثير ويثار عن احتمالات الانسحاب الأميركي من العراق، عرضت فيه لوجهات نظر سياسيين وعسكريين معنيين. وهنا الحلقة الأولى.