من الطبيعي أن تحتل أخبار النساء اللواتي يضربن أزواجهن عادة موقع الصدارة في الصحف، خصوصاً أن جلادات اليوم هن ضحايا الأمس، ما يجعل الأمر يدخل في باب"الغرابة". فخبر يصوّر تحوّل الزوجة إلى"قوة ضاربة"في المنزل يحمل شيئاً من المفاجأة التي تبحث عنها العناوين عادة. الا أن خبر المرأة المعنّفة صار أمراً اعتادت عليه الناس والصحف. والمفاجأة أنّه في دراسة نشرها أخيراً المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان تبيّن أنّ 91.1 في المئة من طلبة الجامعات الأردنية يرون أنّ للزوج الحق في ضرب زوجته. هذا الرقم المهول دفع كثيرين إلى التشكيك في صحته. إلا أنّ إطلالة سريعة على أرقام رسمية صادرة عن إدارة حماية الأسرة في مديرية الأمن العام تجعل تصديق الرقم ممكناً، فقد تعاملت الإدارة مع 1796 قضية اعتداء، من بينها 439 قضية اعتداء على الإناث في العام الماضي، مقارنة بپ1423 قضية، كان من بينها 396 قضية اعتداء على الإناث في العام الذي سبقه. ليست المشكلة في وجود مشاركات من الجنس الناعم في الدراسة المشار إليها فقط باعتبار أنّ عدد الإناث الملتحقات بالدراسة الجامعية في المملكة أعلى من الذكور، بل تكمن القضية في أن الدراسة شملت فئة"متعلمة"تحمل قيماً وعادات جديدة على الأقل تجاه المرأة، يفترض أنها أكثر إيجابية، كونها تخص جيلاً جديداً متحرراً من أغلال الماضي. وبدت نتائج الدراسة سلبية أكثر من المتوقع، إذ رأى 7.85 في المئة فقط أن للنساء حقوق الرجال نفسها. فيما علّب 93.2 في المئة منهم المرأة في إطار المنزل ورأوا أن"ليس لديها أي دور غير رعاية البيت والأولاد"، و 88.8 في المئة اعتقدوا بأنّ"التعليم أكثر أهمية للذكور من الإناث". النتيجة"الإيجابية"الوحيدة في الدراسة كانت أن 52.5 في المئة من العينة اعتبرت أن"للنساء قدرات الرجال نفسها في مجال العمل". وتبدو النظرة السلبية التي يحملها"الجيل الجديد"إلى المرأة مرعبة للغاية فهي لا تشمل فقط نظرة الذكر إلى الأنثى، إنما نظرة الأنثى إلى نفسها أيضاً. فأرقام الدراسة تشير بوضوح إلى وجود خلل في فهم الآخر واستيعاب"إنسانيته". كما أنها تشير إلى أن المسألة لا تقاس فقط في كونها تتعامل مع ظاهرة عالمية انطلاقاً من أن ضرب الزوج للزوجة تصرف سلبي موجود في كل دول العالم. نظرة الشاب إلى المرأة في المملكة لن تتغير بإجراء دراسة جديدة يثبت فيها العكس. فليس الشباب وحده المشكلة في هذه الظاهرة... بل إن قوانين عدة منحازة إلى جانب الرجل على حساب المرأة كما هو الأمر مع قانون الجنسية، إذ لا يحق للأردنية المتزوجة من غير أردني أن تعطي الجنسية لأبنائها. هذا يجعل من صورة المرأة التي كانت قديماً، تتكرر في القرن الواحد والعشرين، مع شباب جامعيين متعلمين: كانت المرأة في السابق صالحة للضرب، فظلت كذلك. وكانت لا تستحق التعليم كما الذكور، فظلت كذلك، على رغم كل ما مر أمام جيل شاب كامل من مواد إعلامية سواء مخصصة لنقل هموم المرأة وقضاياها أم عامة تتحدث عن"نصف المجتمع"في شكل إيجابي وأحاديث متواصلة عن أن المرأة ليست زوجة فقط، وإنما أم وأخت وبنت. في كل حال، لا يمكن تعليق الآمال على نظرة أقل من 9 في المئة من الشباب الأردني الذي لا يرى أن للزوج حقاً في ضرب زوجته!