بات الاهتمام بالجراحة التجميلية ظاهرة عالمية، خصوصاً في زمن نجوم التلفزة والسينما والفيديو الكليب والعارضات الپ"توب موديل". ففي بيروت مثلاً، اصبحت عملية تجميل الأنف من الأمور المألوفة بالنسبة الى الفتيات. وفي إيران التي تُصنّف في خانة البلدان المحافظة والمتشددة، نقرأ ان هناك حمّى في عمليات التجميل، اذ تعمد فتياتها الى إجراء عمليات تجميل للأنف ليصبحن على شبه بالممثلة الأسترالية نيكول كيدمان. وفي سياق مشابه، يميل كثير من شباب ذلك البلد الى تقليد الممثل الاميركي توم كروز، على رغم الخطاب السياسي المُتشدد ايرانياً حيال"الشيطان الأكبر": الولاياتالمتحدة. وفي بلدان مثل مصر وسورية، تنحو الشابات الى تقليد الموضة عبر اتخاذ هيفا وهبي واليسا ونانسي عجرم أمثلة للجمال العصري. في ظلال حمى التجميل الأرجح ان حمّى التجميل في إيران والبلدان العربية دليل على الهوس الذي أصاب أجزاء كثيرة من العالم في البحث عن تحسين المظهر، وعلى اثر"الثقافة البصرية"وپ"الهوائية"في ضخ اطر جديدة للجمال في مخيلات الشعوب. وإزاء هذا الخيال الهائل، أعدت الدكتورة ديان غيربر والصحافية ماري سزنكو كويشيل، كتاباً عنوانه"100 سؤال وجواب حول الجراحة التجميلية"صدر مترجماً في 240 صفحة من القطع العادي، عن"الدار العربية للعلوم". ونُسقت الأسئلة باستعمال كلمات واضحة ومستنبطة من إجابات غيربر لمريضاتها عبر سنوات خبرتها في عمليات التجميل. وتولت كويشيل الجانب التحريري والصحافي من هذا المؤلف. يجيب كتاب" 100 سؤال وجواب"عن تساؤلات رئيسية في موضوع الجراحات التجميلية. اذ تقدم المؤلفتان حقائق مباشرة بلغة مبسطة، وجداول مفصلة ورسوم واضحة، تشمل كل نواحي الجراحات التجميلية، بما فيها لماذا يفكر الناس بإجراء جراحات تجميل؟ وما هي جراحات التجميل؟ وكيف بدأت؟ وكيف تطورت؟ وكيف نجد طبيب الجراحة التجميلية ونقوّمه ونتواصل معه؟ وما النتائج الجسدية والنفسية التي يجب توقعها؟ تقدم الكاتبتان الأجوبة مع المراجع المناسبة لتثبيت شرعية المعلومات، وهذا ما تفتقر إليه كثير من المواقع المتخصصة بهذا الموضوع على شبكة الانترنت، بحسب رأيهما. وتردان تفسير هذا الأمر جزئياً الى ميل سائد للتركيز على"نصف القصة"عند قراءة ما يتعلق بالجراحة التجميلية. وتوردان ان"الجمعية الاميركية لجراحي التجميل"أصدرت في عام 2003 تقريراً عن نحو 8.8 مليون جراحة تجميل او تحسين مظهر اجراها أطباء معتمدون من تلك الجمعية عينها، إضافة الى عرض لنحو 6.2 مليون عملية إعادة ترميم أجرتها المجموعة نفسها من الأطباء لدواع طبية. ويبيّن الكتاب ان الإعلام غالباً ما يتحدث عن"نصف الحقيقة"بالنسبة الى الجراحة التجميلية، مثل النتائج الإيجابية لعمليات إزالة علامات الشيخوخة او تحسين الصفات العامة للجسم، التي ترسمها الوراثة وانماط المعيشة. وبمعنى ما، ثمة ميل للتركيز على المنحى الجمالي، من دون التنبه الى البعد العلمي الذي تتضمنه الجراحات التجميلية، التي يفوق عدد من يخضع لها عالمياً الپ14 مليون شخص. ولذا، ينبّه كتاب"100 سؤال وجواب"الى الجوانب العلمية لتلك العمليات، مبيّناً، على سبيل المثال، أن الجراحة التجميلية تعيد تشغيل الوظائف على نحو عجائبي، في حالات مثل: العاهة الخلقية، ضحايا الحروق، مرضى السرطان حيث يتوجب أحياناً استئصال اقسام من الجسم، الأصابع التي تتعطل حركتها عند بعض العمّال بسبب ضغط الحراك المستمر للعضلات على الأعصاب وغيرها. تعتبر المؤلفتان ان من المهم معرفة اكبر كمية ممكنة من المعلومات حول مؤهلات جرّاح التجميل وشهاداته، إضافة الى المستشفى الذي يستضيف تلك العملية. وفي رأيهما، يشبه مريض هذه الصناعة"المشتري الحذر"، اذ لا يمكن للمرء بعد الجراحة التجميلة ردّ ما اشتراه مثلما يتم استرجاع الثوب او الحذاء. ولذا، يُرشد الكتاب المهتمين بالجراحة التجميلية الى أهمية الاستعلام عن الاطباء والتقنيات والجراحين، إضافة الى جمع المعلومات عن العملية المزمع تنفيذها، إذ قد يميل بعض الجراحين للترويج لإجراء عمليات شد الوجه غير الواسعة، لأنها تنفذ خلال فترة قصيرة. ويُنبّه الى ان الكثير من العمليات التجميلية تُروّج باعتبار ان نتائجها مماثلة للعمليات التقليدية لكنها تنفذ خلال وقت اقل وخطر اقل. ويلفت الى ان تلك التدخلات قد توفر بعض التحسن، إلا ان هنالك خطراً يرافق الجراحة العامة، اضافة الى المخاطر المتضمنة في فترة الانعاش. وبعض تلك التحسينات يمكن الحصول عليها بوسائل طبية اقل خطراً، مثل المراهم أو حقن الأدوية. وتبيُن المؤلفتان ان مستقبل الجراحة التجميلية مثل أي مجال طبي، يحمل تقدماً في العناية والسلامة والنتائج. ولكنه مثل أي صناعة استهلاكية، فان مستقبلها يميل لملاقاة متطلبات المستهلك التي تركز على النتائج الطبيعية، والطويلة الأمد، وخلال أقصر وقت ممكن. بالاختصار، يشكّل كتاب"100 سؤال وجواب"مرجعاً شعبياً للذين يهتمون بتحسين مظهرهم، ويعطيهم صورة واضحة عن ذلك قبل التورط في عملية قد لا تكون نتائجها مرضية، وقد تجعل المكان المشوه اكثر تشوهاً، إذ ربما ينتقل الشخص من مريض أو مريضة يسعى الى تحسين المظهر، إلى ضحية لخطأ طبي! وعربياً، ثمة مثال واضح من تلك الخشية، يتمثّل في الممثلة سعاد نصر، التي دخلت الى المستشفى لإجراء عملية شفط دهون، فتحولت الى أسيرة لغيبوبة يرتسم فيها أفق الموت!