«سدايا» تعزز مشاركة السعوديات في مستقبل الذكاء الاصطناعي    الجامعات السعودية تتصدر قائمة أفضل 100 جامعة في العالم    بعد 13 عاماً.. سوريا تعود لمنظمة التعاون الإسلامي    12 جريحاً في إطلاق نار بتورونتو الكندية    الاتفاق يعبر العروبة بثنائية    1340 حالة ضبط ممنوعات في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    ضبط أكثر من 20.7 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    نادي الأخدود الرياضي يحتفي بيوم المرأة بشراكة مجتمعية    عبر أنشطة وفعاليات ثقافية.. برامج رمضان في جدة التاريخية تعزز التراث والأصالة    أسعار الذهب تتراجع بشكل طفيف مع تحقق مكاسب أسبوعية    المرأة السعودية.. شريك أساسي في بناء المستقبل بفضل رؤية القيادة الرشيدة    زيلينسكي يدعو إلى تشديد العقوبات على روسيا    أمين منطقة القصيم يفتتح مقر حملة جود القصيم    «الزعيم» يختلف عن «السداسي»    كنو يمدد عقده مع الهلال    النجم الأزرق .. المصيف .. القارة والعلمين تصعد لدوري الدرجة الثالثة    الرياض يفوز على الأخدود في دوري روشن    14 لاعباً يمثلون أخضر الشاطئية في تايلاند    الملك وولي العهد يتبرعان ب70 مليون ريال ل«حملة العمل الخيري»    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية تحصل على شهادة الريادة الذهبية في تصميم الطاقة والبيئة النظيفة LEED    الدوادمي الأعلى في الأمطار    سارة بنت خالد ترعى حفل السحور السنوي ل"إنسان"    370 كشافاً يقدمون خدمات إنسانية لزوار المسجد النبوي    المملكة تدين جرائم المجموعات الخارجة عن القانون في سورية.. وترحب باستضافة اللقاء الأميركي - الأوكراني    ثلاثة شهداء في قصف إسرائيلي شرقي رفح.. ومنع إدخال المساعدات لغزة مستمر    40 مبدعًا يمثلون المملكة في آيسف 2025    "مشروع الأمير محمد بن سلمان" يجدد مسجد الدويد بالحدود الشمالية    «رواشين» التوسعة.. لمسة تراث وتخليد تاريخ    تقنيات عالية لأنظمة الصوت بالحرم المكي    أجواء روحانية ومزيج من العادات الرمضانية يعيشها المقيمون في المملكة    حملة "صم بصحة" تسجل ملياري خطوة    الصيام الإلكتروني    الجامعة العربية تدين تصاعد العنف في الساحل السوري    2027 عام الحسم أم استمرار الجمود في مضيق تايوان؟    العلم شامخ والدعوة مفتوحة    فلسفة الطير: حكمة العلوّ ورؤية ما لا يُرى    حين تربي طفلك فأنت تصنع مجتمعا    أمير نجران يقلد الشمري رتبته    وزارة الداخلية.. منظومة متكاملة لأمن وطمأنينة قاصدي الحرم النبوي    المرأة ومأزق المربع الأول    الدولة بين واجبات السياسة وفنون الإدارة 2/2    "حارة الأحمدي" تقيم أطول مائدة رمضانية في جازان من صنيع الأمهات    نائب أمير حائل يستقبل العياد    %59 من السعوديين لا يمارسون الأنشطة الثقافية.. وجازان تتصدر    براءة اختراع لكشف سوسة النخيل    الذكاء الاصطناعي يقتحم المطبخ    تقنية متطورة لاستئصال أورام الدماغ    كفاءة الإنفاق بالتعليم تلغي اللجان المركزية    موقف لودي من مواجهة الهلال وباختاكور    الفتح يعاود تدريباته و "دجانيني" يواصل برنامجه العلاجي    Pressreader: السعودية الخيار الجذاب للدبلوماسية العالمية    في يومها العالمي.. المرأة السعودية تتقدم وتشارك بفعالية في بناء الوطن    أمير القصيم يشارك أبنائه الأيتام وذوي الإعاقة مأدبة الإفطار    صناعة المدير الجنرال    الجامعة العربية تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع الأمنية في سوريا    تدريب لهيئة الهلال الأحمر السعودي في مول الباحة ضمن مشروع "معاذ" للسلامة الإسعافية    أمير منطقة جازان يشارك رجال الأمن في الميدان إفطارهم الرمضاني    رئيس محكمة استئناف جازان وقائد حرس الحدود بالمنطقة يزوران أسرة الخرد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراثنا المخطوط والإشكاليات الغائبة : تقاليد الصنعة وخوارج النص
نشر في الحياة يوم 08 - 04 - 2009

يغفل كثير... حتى من المتخصصين عن ان قيمة المخطوط ليست في فحواه العلمي، وان له وجهاً آخر لا يقل عن الفحوى. هذا الوجه يتمثل في أمرين: كونه الوعاء الذي احتوى المعرفة، وان ثمة اشياء يمكن ان ننعتها بأنها"هامشية"ليس في قيمتها، ولكن في كونها تحيط بالنص العلمي، ولا صلة لها به. ونحن دائماً معنيون ومشغولون بالنص المادة العلمية ومتجاهلون ومشغولون عن الوعاء وهوامش النص، المسالة ذات شجون، ولها تفصيل يطول، ومن هنا تأتي قيمة تلك الكتب التي تعنى بالوعاء والهوامش، ذلك انها تبحث في منطقة منسية، على خطرها.
-1-
في الغرب اليوم علم متقدم، هو نتاج لأمرين: خبرة طويلة تمتد زمناً قد يبلغ قروناً، من التعامل والبذل في خدمة التراث الاغريقي واللاتيني، ثم التقدم العلمي التقني الذي تم توظيفه، فاختلط النظري بالعلمي، والتاريخي بالحاضر، لتكون الثمرة علماً جديداً هو"علم المخطوطات"او بحسب اصطلاحهم"الكوديكولوجيا"، وكما هي طبيعة الاشياء فإن العلم بدأ معنياً بالانا القريب المخطوطات الاغريقية واللاتينية ثم امتد الى الآخر البعيد المخطوطات الاخرى، وبخاصة العربية، وفي دائرة اوسع: المخطوطات المكتوبة بالحرف العربي".
في المقابل فإن هذا العلم علم المخطوطات عندنا غير موجود على الخريطة المعرفية التراثية، المخطوط عندنا هو النص اولاً واخيراً. وليس مهماً بعد، لا الوعاء، ولا ما يتصل بالنص، او يشترك معه في التدوين على المخطوط، او بعبارة اخرى يشاركه السكن في الوعاء. ربما يكون لنا بعض العذر، اذا ما وضعنا القضية كلها في الاطار العام، اطار النكوص الحضاري الذي نعيشه، وقد يضاف الى ذلك الانشغال الطبيعي بالمادة العلمية في المخطوط، او عليه، بوصفه العنصر الاكثر وضوحاً، والأوثق اتصالاً بالمعرفة الانسانية المباشرة، والى الامرين السابقين قد نجد امراً ثالثاً، وهو الانقطاع المعرفي عن تراثنا في تفصيلاته، وعدم انكشافه لنا، فمما لا شك فيه ان المادة يوفرها هذا التراث في ذاته، اضافة الى اسهامات قليلة، لكنها طيبة، اذا ما وضعت في سياقها وما كان عليه حال المعرفة في تلك المرحلة الزمنية.
ان مسألة الوعاء وعاء المعرفة: المخطوط وهوامشه او خوارجه، اصبحت شديدة الاهمية، بعد القفزة الواسعة التي خطتها الانسانية على درب التقدم في جميع الميادين، وبخاصة ميدان المعرفة: تدوينها، وادواتها، وطرق عرضها، وصياغتها، امور اخرى كثيرة، تتصل بذلك. اصبحت المسألة المذكورة الوعاء والخوارج ذات ابعاد عدة، فهي غربية عنا، شديدة الغرابة من ناحية، وهي - ايضاً - ضرورية في الدرجة نفسها لتحقيق التواصل مع الماضي واكتشافه والافادة منه. ان بالامكان القول - من دون ان تكون هناك مبالغة - ان التراث او الماضي عموماً سيتحول الى لغز كبير امامنا اذا لم نستعن على الدخول اليه ببوابة الوعاء المعرفي الذي صب فيه، ونعرف كيف نلتقط تلك الاشارات التي يرسلها الينا عالم ذلك الوعاء، سواء في صناعته، او نسقه، او خوارجه، وهي اشارات تجعلنا نفهم الكثير عن عالم الماضي، ونرسم صورة واضحة لما كان عليه، ونستبطن من وراء ذلك كله التجربة الحضارية الغنية التي عشناها عرباً ومسلمين في زمن التوهج الذي امتد قروناً طويلة.
-2-
ثمة مشترك يجمع بين التراث العربي الاسلامي من ناحية، والتراث الاسلامي الصرف من ناحية، هو: الحرف العربي، ذلك ان كثيراً من الشعوب والأمم التي دخلت دين الاسلام، دخلت - اذا ما صح التعبير - العربية!، ولكنها في احيان كثيرة ظلت تفكر بلغتها، وما بعدت - على رغم ذلك - عن العربية، فاستخدمت حرفها العربي في الكتابة. ومع الحرف كانت البيئة الثقافية والحضارية الاسلامية عامة: مواد الكتابة وأدواتها وأنساق التأليف وتقاليده وطرائقه. ومن هنا ساغ للمستشرقين من المعنيين بعلم المخطوطات او الكوديكولوجيا ان يجمعوا في دراساتهم بين صنوف التراث الاسلامي، المكتوب منه بالعربية، والمكتوب منه بالحرف العربي.
وفي هذا الطاار جاء ذلك العمل المهم الذي قام به عالم المخطوطات الفرنسي المعروف فرانسوا ديروش وفريق من المتخصصين من المكتبة الوطنية الفرنسية والمكتبة البريطانية، وصدر بالفرنسية، ثم نقله الى العربية د. ايمن فؤاد سيد في عنوان"المدخل الى علم الكتاب المخطوط بالحرف العربي"، وصدر عن مؤسسة الفرقان للتراث الاسلامي في لندن. ويستفاد من مقدمة د. ايمن ان طبعة انكليزية تصدر متزامنة تقريباً مع الطبعة العربية، ولا شك ان هذا الاحتفال بالكتاب دالٌّ دلالة واضحة على اهميته.
ويجب ان نشير الى روح الفريق التي تجلت في الكتاب، فهو حصاد جهد مشترك اولاً، ولاساتذة من بلدين فرنسا، انكلترا ثانياً، وكان الاشتراك داخلاً في نسيج العمل ثالثاً، بمعنى ان الاشتراك لم يكن في جمع بحوث الاساتذة فحسب بين دفتين، ولكن في اشتراكهم في كتابة فقرات داخل البحث الواحد. وأكثر من ذلك فإن بعض البحوث كتبها احدهم باسهام من آخر، دون ان يتم تحديد هذا الاسهام، هذه الروح هي التي يفقدها باحثونا، وهو ما تحتاجه البحوث، وبخاصة في المجالات الوعرة، مثل مجال علم المخطوطات.
-3-
بدأ الكتاب بمدخل عام هدف الى ان يحدد مجال علم المخطوطات بالكتاب الذي يأخذ شكل كوديكس، ليخرج بذلك اللفائف والبرديات، وان يبين مكانة هذا العلم ومناهجه والمجالات التي يطرقها.
ثم جاءت الموضوعات لتبدأ بالمادة الاساسية التي يتكون منها الكتاب المخطوط ويطلق عليها حوامل المعرفة وهي البردي، والرق، والورق. ويلي ذلك جمع هذه المادة لتكون في كراديس. بعد ذلك كان الحديث عن ادوات الكتابة: الأمدَّه بأنواعها، والمواد الملونة، ثم اخراج الصفحة. ثم جاء دور صنّاع المخطوطات: النساخ والمصورين والمزينين والمجلدين، وأعقب ذلك كلام في الخطوط وتطورها والتزويق والتصاوير، والتجليد ومواده وأنماطه وتقنياته وزخارفه. وكل هذه موضوعات تدخل في الصناعة، صناعة الوعاء. اما الهوامش او الخوارج فتتركز في الاغلب الاعم على الظهريات أي صفحات العنوان والغواشي أي الصفحات الاخيرة. وفيهما او عليهما معلومات في غاية الاهمية على رغم كونها ليست جزءاً من المادة العلمية. واما ما يتصل بالتاريخ، تاريخ مجموعات المخطوطات، او محتويات المكتبات، والفهارس المعرفة بها، فكانا الموضوعين الاخيرين في الكتاب. ولم يكن بد من كشافات للمفاهيم والمصطلحات، والمخطوطات المستشهد بها، وشروح الصور، وبعض التعريفات، والمعجمات المتعددة اللغات والخاصة بالمصطلحات النوعية.
يبدو من خلال العرض السابق البناء المحكم الذي اقيم للكتاب، والذي ساير صناعة المخطوط بدءاً من الورق، وانتهاء بحركته عبر الزمن، والفهارس التي تعرف به، بعد ان اصبح كائناً له حياته وتاريخه الخاص، وألفت في هذا السياق الى ان غير المتخصص عندما يطالع العناوين الرئيسة يتبادر الى ذهنه موضوعات تقنية تفصيلية بحتة، وسيغفل حتماً عما يمكن ان يؤدي اليه هذا اللون من الدرس من وعي، ليس بالتاريخ على اطلاقه، ولكن بتاريخ الفكر، او على حد تعبير آني برتييه التي كتبت الفصل الخاص بتاريخ المجموعات"تاريخ الافكار وتداولها، واتصال الحضارات". والى ذلك - على اهميته - ثمة فوائد عظيمة للمتخصصين في اللغة والفيلولوجيا ومؤرخي الفن والقانونيين.
* منسق برامج المخطوطات العربية في القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.