لم تعكس خسارة يوفنتوس الايطالي في ملعب "هايبري" 0-2 امام ارسنال الانكليزي ضمن الدور ربع النهائي من كأس دوري ابطال اوروبا الثلثاء الماضي، سوى انه افتقد بكل بساطة الى"العقل والعضلات"، ففي حين يمثل التشيخي بافل نيدفد عضلات الفريق في وسط الملعب، فإن مهارات اليساندرو دل بييرو تجعل منه"العقل"المدبر في خط هجوم"السيدة العجوز"التي افتقدتهما مساء الثلثاء. قبل مطلع الموسم الحالي كانت قلة تراهن على ان دل بييرو، ما زال يملك الموهبة التي أذهلت العالم في السنوات العشر الماضية، ففي العامين او الثلاثة الاخيرة بدا عقيماً ومترهلاً وثقيلاً في حركته وفاقداً شهية الابداع والتألق والموهبة التي تميز بها في مطلع مسيرته والتي أكسبته لقب"الفتى الذهبي". فالإصابات المتلاحقة انهكته والثقل الزائد على جسمه بدأ يشل حركته وسرعة بديهته، وبدأت الدقائق الاخيرة من عمره الاحترافي تدق. لكن بمرور ستة اشهر من الموسم الجديد، وباعتبار ان صلاحية"الفتى الذهبي"انتهت، عاد بقوة الى البروز ولمع بشكل لافت، وقدم افضل عروضه منذ سنوات طويلة، وفي كانون الثاني يناير الماضي، وبعد ثلاثية في مرمى فيورنتينا في كأس ايطاليا، حطم الرقم القياسي في تسجيل الاهداف ليوفنتوس الذي حمله جامبييرو بونيبيرتي 182 هدفاً، ويصبح اليوم على بعد خمسة اهداف من الوصول الى الرقم 200 هدف، سجلها مع الفريق خلال 13 عاماً مع الفريق. وبسبب شخصيته الهادئة والمنزوية وابتعاده من الاضواء وكاميرات الاعلام وندرة تصريحاته الصحافية، فإن الاقاويل والاشاعات نسجت من حوله القصص والحكايات عن اسباب تذبذب مستواه، والجدل مستمر في شأن احقيته في العودة الى صفوف المنتخب واللعب اساسياً في اليوفي في ظل تذبذب مستوى السويدي زلاتان ابراهيموفيتش، وهو تعود على هذا الجدل الذي يعتبره ثمناً يدفعه لشهرته المبكرة جداً وبروزه اللافت قبل بلوغه سن العشرين. فهو عندما بلغ عامه ال21 كان اساسياً في صفوف المنتخب وبطلاً مع اليوفي لدوري ابطال اوروبا، لكن الحفاظ على هذا التألق بدا صعباً ومستحيلاً في ظل اصابات متلاحقة وتغييرات واضحة في بنيته الجسدية التي بدأت تميل الى القوة والبدانة وهو ما يفضله يوفنتوس في لاعبيه، لكنها اثرت في ادائه وسرعة حركته فانهار مستواه. في احدى المناسبات قال عنه المدرب المخضرم جوفاني تراباتوني:"الجميع توقع الكثير من دل بييرو وهي توقعات كانت مبالغاً فيها كثيراً. المواسم الاولى في مسيرته كانت رائعة ومميزة وربما لن تتكرر، وفي حين سبب كبر حجم جسده ووزنه الزائد الى تذبذب ادائه فإنه ساعده ايضاً على تحمل الكثير من الاصابات وأسهم نضجه في استعادة بعض من مهاراته القديمة". لكن الفضل الاكبر في عودة"الفتى الذهبي"الى مستواه المعهود يعود الى الثقة الكبيرة التي منحها مدرب يوفي السابق ومنتخب ايطاليا الحالي مارتشيلو ليبي فيه، الذي لم يشكك ابداً في قدراته، فيما منحه مدرب اليوفي الحالي فابيو كابيلو القدر نفسه من هذه الثقة، على رغم استخدامه احتياطياً في كثير من الاحيان في ظل وجود الثنائي ابراهيموفيتش والفرنسي ديفيد تريزيغيه، لكنه ظل مؤثراً في هذه الدور وسجل 13 هدفاً في 34 مباراة، 17 منها احتياطياً، في دور سماه كابيلو"دور التأثير الفوري"، والذي بالتأكيد افتقده في ليلة الثلثاء في ملعب"هايبري". ويلخص المدير العام لنادي يوفنتوس لوتشيانو موجي قيمة دل بييرو بالنسبة لناديه بقوله:"في الوقت الحالي يفتقر النادي إلى مثل اعلى او رمز او ايقونة يتطلع اليها محبي اللعبة حول العالم، ودل بييرو بمثابة الباندييري الايقونة الاخيرة لليوفي". وكان دل بييرو انتقل من بادوفا الى اليوفي في العام 1993 وظل الوفاء متبادلاً بين الطرفين، علماً انه لاعب اليوفي الوحيد الباقي من الفريق الفائز بآخر كأس دوري ابطال اوروبا احرزها النادي في العام 1996، إذ كان الفلتة الصاعد ضمن فريق النجوم الذي ضم روبرتو باجيو وجانلوكا فيالي وفابريتسيو رافانيلي. واكتشف دل بييرو ان النجومية والشهرة المصاحبة للتألق والاضواء ليست كما حلم بها في صغره، ويقول:"منذ كنت في الثامنة عشرة او التاسعة عشرة من عمري بدأت في الفوز بكل شيء، كنت رائعاً وموهوباً ونجماً بمعنى الكلمة، ثم فجأة حدث العكس، اذ تعرضت لاصابات متلاحقة وانتكاسات وخسارات متكررة مع فريقي يوفنتوس والمنتخب في المباريات النهائية، وهذه كانت اوقاتاً عصيبة لي، وربما اصعبها كانت الخسارة امام فرنسا في المباراة النهائية ليورو 2000 امام فرنسا لأنني اضعت فيها فرصاً سهلة فأنا لم اكن ملاكاً". علماً ان يوفنتوس خسر ثلاث مباريات نهائية في دوري ابطال اوروبا منذ لقبه الاخير في 1996. والغريب ان دل بييرو كانت له طموحات بعيدة جداً كرة القدم، ويقول:"ترعرعت في قرية صغيرة تسمى سان فينديميانو في مقاطعة فينيتو، وكان حلمي الوحيد هو زيارة العالم والترحال ولكن لم نكن ميسوري الحال فوالدي كهربائي ووالدتي ربة منزل فكان طموحي الوحيد في فترة طفولتي ان اصبح سائق شاحنة كي يتسنى لي زيارة اماكن ومدن عدة". وفي حين يتيقن العديد من انصار السيدة العجوز انه كان بإمكان دل بييرو تخفيف حدة الخسارة امام ارسنال، فيبقى السؤال هل يكون فتى ذهبياً في مباراة العودة الاسبوع المقبل ويصنع المستحيل؟