امتناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن استخدام "حقه" الدستوري - حتى الآن - في إقالة حكومة "حماس" ، لا يعني انه لن يلجأ الى هذه الخطوة الجراحية، في حال لم تذعن الحكومة الى لغة "الحوار مع إسرائيل" . والأكيد، بصرف النظر عن مدى تسرّع "أبو مازن" ، أنه يلوّح ل "حماس" بعصا إخراجها من بيت الحكم"إذا لم تواجه الواقع". والواقع، بمفهوم الرئاسة الفلسطينية هو ركوب قطار التسوية، أي ان تغيّر الحركة جِلدها، وتنعى ذاتها كمقاومة. لعل عباس يدرك قبل سواه ماذا بقي من ذلك القطار، ويعرف ايضاً ان إطلاق الصواريخ على إسرائيل إنما يكمل حصار"حماس"لخنقها بين فكي كماشة. لكن الرئيس المعروف بعقلانيته، هو الذي كان في مقدم الذين حذّروا من أضرار عسكرة الانتفاضة، مطالباً بعدم الاستسلام الى إغراءات المواجهة مع الحكومة، ولو ظن أو اقتنع بأنها تتمرد على سلطته. ولا مبالغة في استنتاج تسرّعه في إطلاق إنذاره بالإقالة من أنقرة، إذ يتزامن مع تشديد إسرائيل حصارها على قطاع غزة وقصفه بالدبابات، وإحياء نهج الاغتيالات، وإغلاق نوافذ تمويل الخزينة الفلسطينية، لإرغام حكومة"حماس"على لعب دور وحيد: إدارة مرحلة الإفلاس والانهيار الشامل للسلطة. ويواكب إنذار عباس"حماس"بورقة نعيها، متى اعتبر ان سياستها تلحق ضرراً بمصالح الفلسطينيين، بعض التهدئة بين سلطة الحكومة و"سلطة"حركة"فتح"التي ترفع السلاح في الشارع بين حين وآخر، أو في كل حين تراه"فتح"وصقورها مناسباً للثأر... من نتيجة الانتخابات! يوم الإنذار يواكبه ايضاً تنفيذ خطة إسرائيلية لعزل شمال الضفة الغربية، ضمن مسار"كانتونات"يحرسها الاحتلال او يسيّجها سجوناً ضخمة للفلسطينيين، كي يرسم ما سُمي الخريطة النهائية للدولة العبرية، وتكتمل فضيحة"خريطة الطريق"الأميركية - الإسرائيلية. ولعل"أبو مازن"ما زال يذكر أنه كان بين الذين دافعوا عن منح"حماس"فرصة التكيّف، بين ضفتي المقاومة والسلطة، واستيعاب متطلبات تسهيل مشروع الدولة الفلسطينية، بتحويل هدنة السنة الى هدنة دائمة، تدريجاً، بافتراض قدرة الحركة على تغيير"ميثاقها"، أي إلغائه لقبول ميثاق منظمة التحرير، وسلام أوسلو. يأتي الإنذار بعد خطاب مشعل، ليزرع مزيداً من الألغام على طريق بناء الثقة بين الرئاسة والحكومة، وليبرر بمنظور"حماس"تشديد الحصار العربي عليها، بعد ايام على قصة ضبط الأسلحة في الأردن. وإذا كان المنطق يفرض الحفاظ على مسافة من مفهوم"الرواية"الذي تبنته الحركة في استهجانها ما صدر عن عمان، فالمنطق ايضاً يفترض قبول تبرير الرئيس المصري حسني مبارك عدم استعجال التدخل لترتيب قمة بين عباس وأولمرت، لأن الأولوية لترتيب أوتار الصوت الفلسطيني، فلا يبقي اثنين: أحدهما لعباس والثاني ل"حماس". ولكن، لا الرئيس قادر على التعايش مع حكومة مقاومة، ولا الحركة قابلة للطلاق مع"عقيدتها"، فيما إسرائيل تعطيها كل يوم عشرات الأمثلة على رغبتها في سحق كل شيء فلسطيني وكل من هو فلسطيني، إلا من يقبلون بدور حراس الكانتونات على تخوم خريطة أولمرت. ومرة أخرى، لا يخفي"أبو مازن"تفاؤله بحل"سلمي"اذا"عُزل الإرهاب". ومرة اخرى تلتقط إسرائيل هذا التفاؤل، انما لإدانة كل الفصائل الفلسطينية ب"الإرهاب"، وفي هذه الحال من يحاور أولمرت - اذا قبِل الحوار - باستثناء عباس؟ بافتراض ان الأول لن يمانع! قبل الحوار، شوط طويل ومرير، عنوانه مصير حكومة"حماس"، وفي الخطط الإسرائيلية ايضاً مصير حكم"أبو مازن". ومع كل الفوارق الهائلة بين مأزقي العراقوفلسطين، على الفلسطينيين ان يتعظوا بعِبر الدروس العراقية، وبمآسي الحرب الأهلية هناك التي تنذر باستنساخ حروب على تخوم الفيديراليات. فلسطين ما زالت تستحق التضحية، وعلى عباس و "حماس" - بالتكافل - تحديد الثمن"الواقعي". فأكبر جريمة، تناسي كل الأثمان التي دُفِعت، والانسياق وراء فلتان الشارع والغرائز، فيما أميركا تمعن في خداع العالم: روح أوسلو في مواجهة"إرهابيين"... يستحقّون الحصار!