دخلت قضية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في العراق، التي اجمعت على ضرورتها جميع القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية الهادفة الى الانتهاء من الاوضاع الانتقالية، حالة إستعصاء مؤسفة. وأحد أسباب هذا الاستعصاء هو إصرار الدكتور ابراهيم الجعفري، رئيس وزراء الحكومة الانتقالية المنتهية ولايتها، على التمسك بترشيح قائمة الائتلاف العراقي الموحد له لمنصب رئيس الوزراء بفارق صوت واحد ضد منافسه على هذا المنصب من القائمة نفسها الدكتور عادل عبد المهدي. هذا الترشيح الذي شابت التصويت الذي ادى اليه ملابسات لسنا بصددها، تاركين للأيام ولذوي الشأن الكشف عنها مستقبلاً. وعلى رغم ان من حق الائتلاف العراقي الموحد ان يرشح من يريد من بين اعضائه، إلا ان هذا الترشيح لا يمكن ان يكون ناجحاً اذا ما تجاهل آراء الكتل السياسية التي تشكّل غالبية اعضاء المجلس النيابي المنتخب. ولذا فلم يكن غريباً ان يُقابل هذا الترشيح بمعارضة هذه الغالبية ممثلة بقياداتها التي اعلنت رفض هذا الترشيح، وطالبت الائتلاف العراقي الموحد بسحبه وتقديم مرشح آخر لا يثير من الاعتراضات ما يثيره ترشيح الدكتور الجعفري. ولم تكن الاعتراضات التي اُثيرت ضد الجعفري ناجمة عن فراغ، او موقف شخصي منه بالذات، بمقدار ما كانت نابعة مما تركه الاداء السيء لحكومته الانتقالية في كل المجالات تقريباً، إبتداءً بتردّي الاوضاع الامنية والخدمات العامة وتجاهل شركائه في الحكومة، التي تعني الوزارة ورئاسة الجمهورية ورئاسة الجمعية الوطنية الانتقالية، كما ينص على ذلك قانون أدارة الدولة في المرحلة الانتقالية، الذي كان ساري المفعول ولا يزال واتخاذ قرارات إنفرادية، وإهمال الجمعية الوطنية الانتقالية وغيرها من المؤاخذات الجدية، التي اجمعت عليها القوى التي عارضت ترشيحه. وها قد مرّت اسابيع عدّة وعقدة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لم تُحل لأن قائمة الائتلاف العراقي الموحد لم تستجب، رسمياً، لطلبات القوائم الاخرى، التي تشكّل اكثر من نصف اعضاء البرلمان المنتخب، بل لم تجر الاجابة على الطلب سلباً او إيجاباً! والوضع يزداد توتراً، والمخاطر تتعاظم، ونُذر الفتنة الطائفية تؤرق الغالبية الساحقة من ابناء الشعب. وكل يوم نسمع ان الازمة في طريق الحل خلال هذا الاسبوع أو بعد يوم أو يومين عندما ينقضي الاسبوع، لكن من دون نتيجة. وعندما أعلن الدكتور عدنان الباجه جي، في الاسبوع الماضي، عن عقد جلسة البرلمان يوم الاربعاء 12 نيسان ابريل الجاري، بصفته رئيس البرلمان وباعتباره اكبر الاعضاء سنّاً، اعترض الائتلاف العراقي الموحد على هذا الموعد لأنه لم يكمل استعداداته لحضور الجلسة. ولم يحسم ما بين اطرافه من خلافات بشأن ترشيح الجعفري، هذه الاختلاافات التي لم تعد سراً على أحد. والملاحظ هذه الأيام كثرة ترديد الجعفري لموضوعة الديموقراطية، زاعماً انه يحظى بثقة"شعبه"، وانه لن يتخلى عن رئاسة الوزارة استناداً الى هذه"الثقة"، في حين ان ابسط حساب لا يتيح للجعفري هذا الادعاء. فالائتلاف الذي رشحه بفارق صوت واحد يمثل اقل من نصف اعضاء البرلمان، ولم يحظ الجعفري إلا بنصف اصوات من هم اقل من نصف. والديموقراطية التي ظلّت مرفوضة من جانب الجعفري وحزبه الى ما قبل سنوات قليلة، صار يجري ترديدها من جانبه ومن جانب حزبه لاغراض دعائية، وليس عن قناعة. إذ لا يُمكن ان يُصدق متابع جدي لسلوك ان أصرّ على حذف صيغة"النظام الديموقراطي الاتحادي"من القَسَم، عندما تولّى رئاسة الوزارة في الحكومة الانتقالية المنتهية ولايتها، كان سهواً غير متعمّد، أو ان تمسّكه بالترشيح لرئاسة الوزراء الآن بذريعة تمتعه ب"ثقة"الشعب، بعدما وصلت معارضة هذا الترشيح الى العلن حتى داخل الائتلاف العراقي الموحد لا يمُكن النظر اليه إلا على انه مكابرة غير مأمونة العواقب ليس على الجعفري فحسب، بل على الاوضاع في العراق ككل. فقد ملّ الشعب هذه الاطالة غير المبررة، بل الخطرة، لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية المنشودة. * كاتب عراقي.