نعيش في مجتمع يغلب الخوف عليه، ويرفض ضعف الاستقرار والأمن. والامارات على الامرين كثيرة ومتواترة: التنديد بدمج شركة السويس وغاز فرنسا، حركة الاحتجاج العريضة على عقد العمل الاول، وادانة مذكرة بولكشتاني التوجيهية في صدد الخدمات. وموضوع الخوف ينقلب الى رمز. والرموز لا تقبل المساومة ولا المفاوضة، فإما القبول وإما اللفظ. والديموقراطية، على خلاف هذا، سعي في المساومة والحلول الوسط والجزئية. ولا مفاوضة الا على المصالح، بعد تجريدها من الاهواء. والاطار الوطني هو ملاذ اليقين المهدد. فهو أليف ومعروف. فلا عجب اذا عمدت الجماعات الخائفة والمهددة اليه كلما تهددها أمر طارئ وعسير. ولعل يقظة الوطنية الاقتصادية المقلقة مردها الى الاحتماء بإلفة الاطار هذا أو يقينه. وينبغي قصر الوطنية على الحرية واللغة والتعبد، حين تهديدها. وليست عملية استيلاء"ميتال"على أسهم"ارسيلور"أو"اينيل"على"السويس"، من هذا القبيل. وينبغي ألا يحكم فيها غير موافقتها لمصلحة الصناعة واحتسابها. وفي الحال الاولى، الدمج غير مجدٍ، والوطنية الاقتصادية لا تزيد شيئاً على الحجة الحسابية. وفي الثانية، تخالف الذريعة الوطنية احتساب المصلحة. وفي الاحوال كلها، لا بأس بشيء من الوطنية الاقتصادية الاوروبية في سبيل مقارعة شراسة الوطنيات الاقتصادية الاميركية والهندية والصينية واليابانية. ولكن هذا يفترض روحاً اوروبية قوية، على خلاف ضعفها الظاهر. والسعي في معالجة هشاشة العمل، ومشكلتها المعاصرة، في اطار وطني على ما يريد خصوم عقد العمل الاول الفرنسيون، يحول دون التصدي لها حيث التصدي ناجح، أي على الصعيد العالمي، من طريق الطاقات العظيمة التي تختزنها أوروبا. فهشاشة العمل أي الاضطرار الى التنقل بين اعمال كثيرة غير ثابتة انما هي ثمرة التغير العميق الذي طرأ على الرأسمالية منذ ثلاثة عقود. وتظاهرات التغير البارزة هي تدخل اصحاب الاسهم المتكتلين في صناديق الاستثمار، وطلب عوائد على الاسهم لا طاقة للسوق بها، وتلزيم الاعمال الصناعية الى وكالات فرعية تتولى استغلال اليد العاملة من غير قيد، واستخراج دوائر ربح جديدة وانتزاعها من الخدمات والمصالح المشتركة ومن الرعاية الاجتماعية. وهذه الرأسمالية قد تصح تسميتها رأسمالية الاسهم أو رأسمالية سهمية. وهي تقصر حقوق العمل على أقل القليل، وتحيل العمل سلعة يجب تخفيض سعرها، والعاملين تجعلهم أشياء تستبدل ولا يقر لهم، تالياً، بعمل آمن. وهذا خناق يشد على المجتمعات، وينبغي فكه. وأوروبا وحدها تملك، الى الاقتناع الفكري، القوة الاقتصادية والمالية الثمينة بفك خناق الرأسمالية السهمية. ولكن أوروبا تحتاج الى مساندة الرأي العام، وتثميره في قراراتها، واستمداده قوة تُنفخ في القرارات هذه. ويرد هذا الى الدستور الاوروبي، والى عزم أممنا ودولنا على اعمال استراتيجية اوروبية فاعلة. واذا لم نخط صوب هذه الغاية، فلا مناص من توقع هشاشة متفاقمة في سوق العمل وموازيننا المالية. ولن يعدم الخلل المالي الذي ينطوي عليه ميزان المدفوعات والدين الخارجي الاميركيان اثراً سلبياً في اقتصاداتنا اذا نحن أمعنا في سياسة انكفاء حمائية ووطنية. فانقاذ اوروبا واعمالنا ووظائفنا واحد. وتسليمنا لمجتمع الخوف خطوة أولى على طريق وأد آمالنا التي رعيناها طوال نصف قرن مضى. عن ميشال روكار رئيس وزراء فرنسا في 1988 - 1991، "لوموند" الفرنسية. 30/3/2006