نجح مؤتمر الحوار الوطني اللبناني في التأسيس لمرحلة سياسية جديدة يمكن ان تتبلور معالمها في ضوء ردود الفعل العربية والدولية الرسمية على نتائجه التي كانت موضع ترحيب السفراء العرب والأجانب الذين نقلوا فور انتهاء الجولة الثانية من المؤتمر الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري تحيات بلادهم على جهوده لتوفير الشروط المؤدية الى إنجاحه. فالمؤتمر حقق نجاحاً ملحوظاً على صعيد قطع الطريق على العودة الى فرز الشارع السياسي بين ساحتي 8 آذار وپ14 آذار لمصلحة انخراط القوى الفاعلة في حوار تحت قبة البرلمان على قاعدة ان كل القضايا يجب ان تطرح على بساط البحث وأن لا محرمات لدى البحث في مستقبل المقاومة. وقال عضو في مؤتمر الحوار لپ"الحياة"ان نجاحه يكمن في الاستعداد الذي أظهره الجميع لتقديم تنازلات للخروج من البرلمان بنتائج تتجاوز تفاهم الحد الأدنى الى إبداء نيات طيبة للتوصل الى اتفاق على مستقبل سلاح المقاومة ورئاسة الجمهورية بعدما اعتبر المؤتمرون ان هناك أزمة حكم باتت في حاجة الى حل في إشارة مباشرة الى رئيس الجمهورية اميل لحود. ولفت العضو نفسه الى دور بري في تقريب وجهات النظر والجهود التي قام بها رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري الذي نجح، وتحديداً لدى رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية لپ"القوات اللبنانية"سمير جعجع في خفض سقف مطالبهما السياسية وبالأخص بالنسبة الى تسليمهما بلبنانية مزارع شبعا المحتلة شرط تثبيتها من خلال الاتصالات التي سيجريها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مع الأممالمتحدةودمشق. ونوه بالتناغم بين بري والحريري لا سيما في الجولة الثانية، اذ ان الأخير نجح في تهدئة موقفي جنبلاط وجعجع اللذين سلما بدوره لإنجاح الحوار وقال ان رئيس المجلس أحسن التدخل في الوقت المناسب خصوصاً في الفترات التي كان يحتدم فيها النقاش وسارع بطريقته الخاصة الى استيعاب التأزم ومحاصرته لإعادة الحوار الى مجراه الطبيعي. ولم يفت العضو في المؤتمر التنويه بدور المملكة العربية السعودية ومصر، مؤكداً ان السفير السعودي في بيروت عبد العزيز خوجة نجح في تسجيل حضور مميز بين المؤتمرين من خلال مواكبته مجريات الحوار ومتابعته باهتمام المواقف من النقاط التي كانت موضع اختلاف. واعتبر أن الحضور العربي في المؤتمر والمواكبة الدولية أشعرتا المؤتمرين بمدى اهتمام المجتمع الدولي بالحوار وضرورة التوصل الى قواسم مشتركة تتيح للدول العربية وبخاصة المملكة العربية السعودية ومصر إطلاق مبادرة باتجاه سورية ولبنان تعجّل في إنهاء أزمة الحكم لمصلحة انتخاب رئيس جديد. ولاحظ العضو ان من شروط إنجاح المؤتمر إصرار بري والأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر الله على عدم أشعار المؤتمرين وكأنهما وكيلان لسورية في لبنان من دون تخليهما عن تحالفهما معها. وتجنب بري ونصر الله الدفاع في المطلق بالموقف السوري، وأيدا أقوال عدد من المؤتمرين بحصول تجاوزات وأخطاء سورية في لبنان لكنهما لم يغفلا إيجابيات الدور السوري. واعتبر العضو نفسه ان دمشق لم تكن مرتاحة بالكامل لموقف بري ونصر الله"حتى لا نقول انها منزعجة منهما"، مشيراً في الوقت نفسه الى أنهما في ضوء المداولات التي جرت بين المؤتمرين لم يكونا على علم بما تريده سورية من مؤتمر الحوار أو ما تعتبره من المحظورات وعليه ينتظر أقطاب الحوار رد الفعل السوري على القرارات المعلنة للحوار. وشدد العضو على أهمية التحالف الاستراتيجي بين بري ونصر الله وقال انه اتاح الفرصة للبحث في كل النقاط الحمر التي كان يمنع في السابق على القوى السياسية الاقتراب منها. وأضاف ان هذا التحالف أعطى القدرة لبري على ان يمون على نصر الله في إطلاق الحوار حول سلاح المقاومة خصوصاً ان الأخير جمع بين الجدية والهدوء في مخاطبته المؤتمرين مؤكداً ان تحالفهما وفر الطمأنينة لكل منهما وعدم الشعور بأن احدهما يريد ان"يبيع"الآخر أو أن يتخلى عنه باتجاه عقد صفقة مع قوى 14 آذار. ولم يسقط العضو في المؤتمر من تقويمه الموقف الذي عبر عنه الحريري في جلسة الاثنين الماضي في دفاعه عن سلاح المقاومة ورفضه التفريط فيه او الدخول في مجازفة سياسية على حساب هذا السلاح الذي يجب ان يوظف لتوفير الضمانات للبنان ضد الأطماع والتهديدات الإسرائيلية. وإذ توقف امام التواصل الذي شهدته جلسات المؤتمر بين بري وجنبلاط اللذين يعرفان بعضهما بعضاً جيداً، قال في المقابل إنه لا يمكن التنكر لتصرف الأخير بهدوء لافت وتجنب الدخول في مناكفة مع أحد انسجاماً وقراره تكليف حليفه الحريري التفاوض مع قيادتي"أمل"وپ"حزب الله". ورأى ان جعجع تصرف في اليومين الأخيرين على خطى جنبلاط وقال انهما استجابا لرغبة الحريري في عدم الربط بين بنود جدول الأعمال وتأجيل الإعلان عن نقاط الاتفاق ما لم تكن مرتبطة بحسم ملف رئاسة الجمهورية. وكشف ان نصر الله لم يدافع بالجملة عن لحود رافضاً الخوض في الأمور التفصيلية الداخلية، لكنه حرص على الإشادة بموقفه عندما رفض إرسال الجيش الى الجنوب على رغم القرار الصادر عن مجلس الوزراء في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في عهد الرئيس الياس الهراوي. واعتبر نصر الله ان للحود فضلاً على الحزب في هذا الخصوص، من دون ان يبدي اعتراضاً على الانتقادات التي تعرض لها الأخير من قادة قوى 14 آذار، مع ان أحد المؤتمرين اكد ان إرسال الجيش لم يكن بقرار صادر عن مجلس الوزراء، بمقدار ما حظي بدعم سوري مباشر. وهنا تدخل نصر الله ليقول أن القرار كان يحظى آنذاك بتأييد نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام ورئيس هيئة الأركان العامة العماد حكمت الشهابي واللواء غازي كنعان، فقيل له:"هل تعتقد ان قراراً بهذا الحجم يتخذ بمعزل عن الرئيس السوري حافظ الأسد؟". إلا ان السجال في إدخال الجيش الى الجنوب لم يشكل نقطة اختلاف. وأوضح العضو في المؤتمر ان اداء نصر الله كان عالي المستوى وأن قوى 14 آذار أبدت تفهماً لهواجسه ومخاوفه في مقابل استعداده للبحث في مستقبل المقاومة وهذا ما ساعد على التخفيف من وطأة مخاوف الآخرين ازاء استخدام سلاحها للاستقواء على الداخل في موازاة الإجماع على لبنانية المزارع شرط تثبيتها. كما ان جعجع نجح في ان يستعيد حضوره السياسي بعد التراكمات التي تركها غيابه في السجن، بينما أتيح لرئيس تكتل"التغيير والإصلاح"العماد ميشال عون التعرف أكثر الى القوى السياسية علماً ان تدخله في الحوار اقتصر على الموقف من رئاسة الجمهورية.