منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وانحسار المد الشيوعي وتبني الصين سياسة الانفتاح الاقتصادي، تتخذ علاقات الصين مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مساراً متسارعاً باطراد على طريق التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية. ويعود ذلك في جانب مهم منه إلى حاجاتها من الطاقة اللازمة لتزويد عجلة اقتصادها المزدهر. فالصين اليوم ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم، وتبلغ حصتها 12 في المئة من إجمالي الاستهلاك العالمي من النفط، وتستورد ثلث حاجتها من النفط من الخارج. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن تعادل حصة الصين أكثر من 20 في المئة من حجم النمو الذي سيشهده الطلب العالمي على الطاقة، وذلك خلال الأعوام ال25 المقبلة. وتستورد الصين حالياً 32 في المئة من نفطها، وهي كمية يُرجَّح أن تتضاعف خلال الأعوام الخمسة المقبلة. ويُرجَّح أن ترتفع وارداتها من الغاز في عام 2010 إلى ما بين 20 و 25 مليون متر مكعب، بينما كانت قادرة على سد حاجاتها من الغاز من الموارد المحلية في عام 2000. وإذا كانت الطاقة هي التي تدفع الصين إلى التطلع نحو الخليج، فإن النفط هو الذي يجمع بدوره الخليج مع الصين. ومثال على ذلك أن حصتي إيران والمملكة العربية السعودية تبلغان مجتمعتين نحو ثلثي الواردات الصينية الحالية من نفط الشرق الأوسط. وتلتقي هذه المعطيات مع التطلع الخليجي نحو آسيا كسوق مفضلة ووجهة استثمارية واعدة. وقد تعزز الجانب التجاري في هذا التوجه كنتيجة غير مباشرة لأحداث ال11 من سبتمبر 2001، مع اكتشاف المنتجين الخليجيين أن الشكوك وعمليات التدقيق التي فُرضت على العرب في الغرب ليست موجودة بالدرجة ذاتها في آسيا. غير أن الشراكة بين الصين وأقطار مجلس التعاون الخليجي تتضمن مصلحة مشتركة لأسباب أخرى أيضاً. وأول هذه الأسباب أن الجانبين متفقان على تعزيز نهج الانفتاح، وحريصان على الاستفادة من المناخ التجاري والاستثماري العالمي. ويتمثل السبب الثاني في أن الصين دخلت بتوسع إلى قطاع الخدمات النفطية في المنطقة، من خلال توقيع ثلاثة آلاف عقد في أقطار مجلس التعاون الخليجي، قيمتها 2.7 بليون دولار، وتتصل بخدمات العمالة، وذلك منذ عام 2001. وتضمنت الروابط الاقتصادية الصينية المتنامية مع أقطار مجلس التعاون الخليجي في عام 2004 اتفاقاً حول التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والتقني، والتفاوض حول إقامة منطقة تجارة حرة بين الصين وأقطار المجلس. يُضاف إلى ذلك أخيراً أن الصين تبحث عن مجالات الحصول على مواد خام غير ذات صلة بالطاقة، من أجل تزويد صناعاتها، وهو ما يوسع نطاق محفظتها الاستثمارية في المنطقة. وضمن هذا السياق، تكتسب زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود إلى الصين بين ال22 وال24 من يناير 2006 أهميتها الواضحة. فهذه هي أول زيارة حتى الآن يقوم بها عاهل سعودي إلى الصين، وذلك منذ إقامة علاقات ديبلوماسية بين الدولتين في عام 1990. ويزيد من أهمية هذا الحدث أن هذه هي أول زيارة رسمية إلى دولة أخرى يقوم بها الملك عبدالله منذ اعتلائه عرش المملكة في آب أغسطس 2005، علماً أنه سبق له أن قام بزيارة الصين عندما كان ولياً للعهد في أكتوبر 1998. تُعتبَر المملكة أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط، وهي مؤهلة للاحتفاظ بهذه المكانة. وتأمل الصين في زيادة حجم التجارة البينية مع المملكة العربية السعودية من نحو خمسة بلايين دولار أميركي في عام 2002 ثم نحو 15 بليوناً دولار في عام 2005 إلى 20 بليون دولار على الأقل في عام 2010. وقد شحنت المملكة إلى الصين في عام 2004 ما قيمته أربعة بلايين دولار أميركي من النفط الخام. ومن المؤكد أن تنمو حصة السعودية من واردات النفط الصينية، خصوصاً أن بكين تهدف إلى توفير مخزون استراتيجي يصل إلى 100 مليون برميل من النفط تكفيها للاستهلاك لمدة شهر. من ناحية أخرى، تتصدر السيارات والمنسوجات والأغذية المعالجة والمعلبة والمعدات الصناعية الثقيلة والمنتجات الكهربائية الصادرات الصينية إلى المملكة العربية السعودية. حصدت الصين خلال تسعينيات القرن ال20 ثمار علاقتها مع المملكة العربية السعودية، وتوجت ذلك في عام 1999 بتوقيع اتفاق التعاون النفطي الاستراتيجي. وبدأت الشركات السعودية تشارك في أنشطة التكرير الصينية، في مقابل فتح السوق الداخلية السعودية للاستثمارات الصينية، والسماح للصين بالعمل في أنشطة حقول النفط في المملكة. وتأمل الصين من خلال هذه الفرصة في زيادة كفاءة مصافي النفط لديها باستثمارات سعودية. ويُذكَر أن الهيئة العامة للاستثمار تعزز استثمارات القطاع الخاص السعودي في الخارج بما يقارب خمسة بلايين دولار أميركي سنوياً. وعقدت مؤسسة النفط والكيماويات الصينية سينوبيك، محادثات مع شركة أرامكو السعودية لتحصل على حصة في مصفاة "غينغدو" الصينية البالغة كلفتها 1.2 بليون دولار أميركي. وشاركت "أرامكو" أيضاً مؤسسة "سينوبيك" في مشروع بقيمة 3.5 بليون دولار أميركي، وتشارك فيه كذلك شركة "إكسون موبيل" في مقاطعة فوجيان الصينية. وتخطط المملكة العربية السعودية في الوقت ذاته لتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى الصين. وتم توقيع عقد لاستكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي في منطقة الربع الخالي في السعودية، وذلك كجزء من عملية فتح المجال أمام عمليات الاستكشافات الصينية الخاصة في الموارد الطبيعية للمملكة. ويرغب المسؤولون السعوديون في تنويع صادرات المملكة لتتعدى النفط، بحيث تشمل الغاز والفوسفات والبوكسيت. وبينما يؤكد البعض أن صفقات الطاقة ما هي إلا نتيجة لمصالح اقتصادية مشتركة، فإن آخرين يعتبرون أنها تنبع من استراتيجيات جديدة في كل من الرياضوبكين. وفي الحقيقة، فإن الدوافع السعودية تجمع ما بين الأغراض الاقتصادية والسياسية. ويُذكَر أن نحو نصف أعمال شركة أرامكو السعودية تتم في الوقت الحاضر في آسيا، كما أن لدى الشركة مكاتب في تلك القارة أكثر مما لديها في أي مكان آخر من العالم. وتسعى الرياض في جانب من هذه الخطة إلى توسيع حصتها في الصين. وعلى رغم أن المملكة العربية السعودية توفر في الوقت الحاضر ما نسبته 17 في المئة من الورادت النفطية الصينية، فإن هذه الكمية تُعتبَر أقل نسبياً مما تصدّره المملكة إلى الأسواق الآسيوية الأخرى. مناطق الصراعات لا يعني ذلك أنه يمكن استبعاد احتمال نشوب مشكلات يمكن أن تكون لها تأثيرات سلبية بالنسبة لهذه العلاقة، وذلك بسبب عدم الاتفاق على كيفية التعامل مع قضية الأقلية المسلمة في زينغ يانغ، وهي المقاطعة الصينية الغنية بالموارد الطبيعية، والتي يعيش فيها 7.2 مليون إيغوري من المسلمين، وعدم وجود اتفاق على كيفية حل الخلافات التي تطرأ بين الحين والآخر. واستدعى هذا النمط من عدم الاستقرار تحسين العلاقات الصينية مع الدول الإسلامية، مثل المملكة أرض الحرمين الشريفين. وإذا ما ازدادت القلاقل أو تدهورت أوضاع المسلمين الذين يصل عددهم بحسب بعض التقديرات إلى 30 مليون نسمة بشكل كبير، فسيكون من الصعب على المملكة العربية السعودية أن تغض الطرف أمام ما يجري. وبالتالي، فإن بإمكان المملكة أن تسهم في تقريب وجهات النظر بين المسلمين والدولة الصينية. الأبعاد السياسية والأمنية أدت الروابط الاقتصادية أيضاً إلى توطيد العلاقات بين الجانبين في المجالات السياسية والأمنية، ولا سيما أن الانتقاد الصيني لحملات الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل الديموقراطية ومكافحة الإرهاب ينسجم مع مواقف حكومات أقطار مجلس التعاون الخليجي الرافضة للتدخل في الشأن الداخلي، باعتبار أن الإصلاح يأتي متدرجاً وينبع من الداخل. على صعيد التعاون في مجالات الدفاع والأمن، سبق للصين أن باعت صواريخ "سي. اس. اس 2" بعيدة المدى للمملكة العربية السعودية. كما أن من المرجح أن تزيد الصين من مشاركتها في الترتيبات الأمنية الإقليمية، وذلك لحماية الطرق التي تتزود عبرها بحاجاتها من الطاقة. كما أن من مصلحة جميع الأطراف المعنية أن تعزز جهودها في مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، لأن زعزعة أمن واستقرار منطقة الخليج سينعكس سلباً على المصالح الصينية. ويُتوقَّع بحلول عام 2025 أن تأتي 75 في المئة من الواردات الصينية من الطاقة من المحيط الهندي ومضيق ملقا Malacca، وهذا هو ما يفسر تخطيط بكين لتوفير أكثر من بليون دولار أميركي في شكل مساعدات وضمانات وقروض لبناء ميناء غودار الباكستاني. فبكين حريصة على استخدام "غودار" كمعبر ترانزيت لوارداتها من النفط الإيراني والإفريقي الخام، وهو ما يجعل المجال مفتوحاً أمام دور محتمل للقوات البحرية الصينية. العاملان الإيرانيوالعراقي تمثل العلاقة بين الصينوإيران جانباً آخر من دواعي القلق، إذ انها تتميز بالمتانة بصورة أكبر من أن تكون مصدراً للراحة لدى أقطار مجلس التعاون الخليجي، وذلك في ظل مناخ التوتر بين أقطار المجلس وبين إيران بسبب برنامجها النووي. وهي حالة تنطبق في الوقت ذاته على موقف الولاياتالمتحدة الأميركية، وهي القوة الرئيسية في المنطقة. وقد تملكت مؤسسة "سينوبيك" الصينية حصة بنسبة 50 في المئة في حقل "ياداكاران" النفطي الإيراني، وأبرمت في عام 2004 صفقة تراوحت قيمتها بين 70 و100 بليون دولار أميركي لشراء النفط الخام والغاز الطبيعي من إيران على مدى 30 عاماً. وباستثناء التعاون بين الدولتين في المجال النفطي، فإن العلاقات التجارية الثنائية الصينيةالإيرانية تشمل محطات للطاقة ومصانع للإسمنت وخطوطاً للشحن، إضافة إلى الجانب الأكثر خطراً، وهو مبيعات السلاح. وفي شهر تشرين الثاني نوفمبر 2003، تم الإعلان عن أن الصين وروسيا وكوريا الشمالية كانت المصدر الرئيسي لمساعدة إيران في برنامج الصواريخ البالستية، وذلك بعد عام من نجاح طهران في اختبار إطلاق صاروخ من طراز "شهاب 3" القادر على حمل رأس متفجر يبلغ وزنه ألف كيلوغرام لمدى يصل إلى 1300 كيلومتر. ومن شأن صادرات الأسلحة الصينية إلى إيران أن تجعل منها الخطر الأكبر على الاستقرار والأمن الإقليميين. وفي ظل العلاقة المتوترة بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران، فإن الدعم الصيني للبرنامج النووي الإيراني يمكن أن يخلق حالة من الخصام والتنافر في مصالح الأطراف الثلاثة، إضافة إلى أقطار مجلس التعاون الخليجي. ويمكن أن تتولى الصين مهمة إقناع إيران وممارسة الضغط عليها، لحملها على وقف برنامجها النووي الذي يشكل مصدر تهديد لأمن واستقرار المنطقة. ولحقت الصين بعد الحرب على العراق بركب الإعمار. وتعهدت بكين بتقديم 25 مليون دولار إلى العراق، وأبرمت اتفاقاً لشطب جانب كبير من ديونها عليه والبالغة بضعة بلايين من الدولارات، فأصبحت الصين بذلك من المتبرعين المهمين لمصلحة هذه الدولة. واعترفت بكين بأنها فعلت ذلك بهدف كسب مداخل إلى العطاءات الخاصة بالمشاريع الرئيسية في قطاعات النفط والبنية الأساسية. وانسجاماً مع هذا التوجه، فقد أعيد افتتاح السفارة الصينية في بغداد بعد أقل من أسبوعين من نقل السلطة إلى الحكومة الانتقالية الموقتة العراقية في شهر حزيران يونيو 2004. وعرضت الصين تقديم دعم مالي للانتخابات البرلمانية العراقية في شهر كانون الثاني يناير 2005، كما أنها تساعد من خلال تدريب عدد قليل من الفنيين والكوادر الإدارية والديبلوماسية العراقية. وتبقى الميزة الرئيسية في أي حال للدور الصيني في المنطقة في خلوه من المحتوى السياسي. ويمكن تتبع الأجندة الصينية من خلال مصالح بكين الاقتصادية وخلافاتها مع الولاياتالمتحدة. ويمكن تأكيد ذلك أيضاً من خلال نجاح الصين في الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع كل من إسرائيل وإيران. إن آفاق قيام علاقات وروابط أفضل بين الصين وأقطار مجلس التعاون الخليجي ليست محصورة ضمن حدود بعينها، وذلك في ضوء العوامل المشتركة بين الجانبين، والمتمثلة في تفضيلهما تحقيق وتائر إصلاح اقتصادي، بغض النظر عن سرعة التغييرات السياسية وبعيداً من الضغوط الخارجية ودوافعها الخفية. فالمستقبل يربط المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية بين دول المجلس وآسيا وفي مقدمها السعودية والصين. رئيس مركز الخليج للبحوث