على خلاف معظم التوقعات، كان الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة في آب اغسطس الماضي، أمراً عادياً نُفذ قبل موعده، وبقليل من العنف. وينظر المخططون الاميركيون ونظراؤهم في أوروبا والأمم المتحدة، الى ضمان الأمن في غزة، مدخلاً الى السيادة الفلسطينية. ويعتقدون أن غزة، اذا استقرت وحدة اقتصادية وسياسية تتمتع بمقومات الحياة ويحكمها المعتدلون الفلسطينيون، قد تعيد اسرائيل والسلطة الفلسطينية الى طاولة المفاوضات، وتنشر تجربة الحكم الذاتي في الضفة الغربية. ولكن هذا المنطق ينهض على تفاؤل مضلل. وأقنع جلاء الحكم الاسرائيلي عن غزةواشنطن وحلفاءها بأن في وسع السلطة الفلسطينية تعزيز حكمها هناك، والحلول محل"حماس"فتحول الانسحاب مركز استقطاب جديداً لعملية السلام في الشرق الاوسط. وقررت اللجنة الرباعية أن المنطقة تحظى بالاولوية في المساعدات المالية الكبيرة المتوقعة في بداية العام الجاري. وصرف الاهتمام والمال الى غزة وحدها خطأ جسيم، فالضفة الغربية أوسع من غزة مساحة، وعدد سكانها اكبر. وشهد اقتصاد الضفة الغربية تعثّراً كبيراً في اعقاب الانتفاضة الثانية، وانتشرت الاصولية الاسلامية ورسخت اقدامها فيها. وعلى هذا، فالاصلاح السياسي ملح. اذا انصرفت السلطة الفلسطينية الى غزة وحدها، فقد يؤدي تجاهل الضفة الغربية، بسكانها الذين يبلغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، الى ضعف السيطرة عليها، وتركها نهباً للفوضى. وفي حال غرقت الضفة الغربية في الفوضى، فكل تقدم يحرز في قطاع غزة يفقد مفعولة. ولن يحمل الاضطراب والعنف في الضفة الغربية اسرائيل الى الانسحاب، ويلغي خطتها الانسحاب من القدسالشرقية، وهو يتصدر مشاغل الفلسطينيين الذين يرونها عاصمتهم المأمولة. على رغم أن رام الله عاصمة الضفة الغربية رسمياً تبعد من بلدات الضفة الغربية أقل من ساعة، بالسيارة، يصعب الوصول اليها بسبب الحواجز والانتظار المضني. وعندما انسحبت اسرائيل من غزة، فككت اربع مستوطنات شمال الضفة الغربية قرينة على ان الانسحاب لا يقتصر على غزة. ولكن تسليم المستوطنات الى السلطة الفلسطينية لم يكن منظماً، ولم يطلع الاسرائيليون الفلسطينيين على خططهم. وعلى رغم ان الانسحاب من مستوطنات الضفة كان من شأنه تيسير الانتقال بين نابلس وطولكرم وجنين، بقيت قوات الامن الاسرائيلية مرابطة في المستوطنات التي اخليت ومنعت قوات الامن الفلسطينية من الانتقال اليها. وفي الاثناء، بلغت البطالة في الضفة 17 في المئة، وهي نسبة اقل بكثير منها في غزة 30 في المئة. إلا أن الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية أسوأ بكثير مما تشير اليه الارقام الرسمية. ويقدر برنامج الاممالمتحدة الانمائي والبنك الدولي، أن 60 في المئة من الفلسطينيين هم تحت خط الفقر، ما يعني ان الذين يعملون بالكاد يتمتعون بالحد الادنى من شروط الكفاف. ويلاحظ الديبلوماسيون ان البطالة، في الضفة الغربية، انحسرت بعض الشيء حين سمحت اسرائيل بحرية انتقال السلع والافراد، وانشاء مشاريع خارجية للبنى التحتية. ولكن خفض البطالة في الضفة الغربية ليس وشيكاً. وغزة تعاني ارتفاع نسبة الجريمة، وانتشار الحركات الاصولية والجماعات المسلحة. وفي الخليل، يلاحظ تفاقم النشاط العسكري والاجرامي وعوض تصميم خطة تعالج تباعاً، مشكلات الامن والبطالة والمشكلات الادارية، يأمل عباس في معالجة هذه الامور حزمة واحدة، من طريق منحة مالية لكل من يملك مسدساً في الضفة الغربية. وشجعت الاسرة الدولية الخطة الساذجة والبسيطة هذه. وركن خطة الانسحاب انفصال اسرائيل عن الفلسطينيين هو ضمان دوامها دولة يهودية وديموقراطية معاً. وترى كثرة من الاسرائيليين ان الانسحاب هو الرد الامثل على فشل عملية السلام والنمو السكاني المطرد للفلسطينيين في اسرائيل. وأما الى اين تجرى الانسحابات الاسرائيلية المقبلة، فأمر معقد. ولكن مسؤولين مقربين من هيئات الأمن الاسرائيلية، ومن الحكومة ألمحوا الى انسحاب"جوهري"من شمال الضفة الغربية، في غضون السنتين الآتيتين. وهذا رهن نتائج الانتخابات الاسرائيلية. وفك الارتباط في القدسالشرقية مرجح ما لم تعوقه الفوضى في غزة. وعلى"اللجنة الرباعية"، وخصوصاً الولاياتالمتحدة، ان تحمل السلطة الفلسطينية على توجيه جهودها الى بناء سلطتها في الضفة الغربية. وعلى الولاياتالمتحدة وحلفائها حمل مسؤولي السلطة الفلسطينية على العودة الى رام الله. فشطر من البيروقراطيين في السلطة الفلسطينية انتقل الى غزة، عشية فك الارتباط، بغية معالجة مشكلات التسلم والتسليم. فحرمت الخطوة الضفة الغربية من حكومتها. وعلى اللجنة الرباعية حمل اسرائيل على الغاء الحواجز داخل الضفة الغربية، ومساعدة السلطة الفلسطينية على الحصول على اذن بانشاء الطرق بالقرب من المستوطنات الباقية في الضفة الغربية، وازالة بعض الحواجز الداخلية، وتحسين اقتصاد المنطقة، وفتح الباب للاستثمارات الاجنبية. وعلى اللجنة الرباعية ان ترعى تشييد مطار في الضفة الغربية. فالمطار في غزة بعيد من متناول الفلسطينيين في الضفة الغربية. وهذا يضطرهم الى عبور الاراضي الاسرائيلية للوصول اليه، على ما لا ترغب اسرائيل، الى الفوائد الامنية والتجارية التي يجلبها مطار آخر في الضفة الغربية. عن جورج كافريليس، "فورن آفيرز" الاميركية، 1-2/2006