تواجه الجهود العلمية لتطوير التكنولوجيا الرقمية الذكية اللازمة لتفحص بلايين المعلومات، التي تُخزّن في ما يُعرف تقنياً باسم"قواعد المعلومات" Data Base، لمنع وقوع اعتداءات شبيهة باعتداءات 11 ايلول سبتمبر، صعوبات جمّة، مما يجعلها عملية شاقة او حتى شبه مستحيلة. وفي المقابل، لا يكف خبراء المعلوماتية من المتخصصين في"التنقيب في المعطيات"، عن ملاحقة هذا الهدف، الذي زاد سحره بعد توسّع ما يُسمى"الحرب على الارهاب". "أخطاء"محمد عطا لم يلاحظها الكومبيوتر! من المعروف راهناً ان الولاياتالمتحدة كانت تملك كمية من المؤشرات على هيئة معلومات متواترة ومتراكمة كان من شأنها تنبيه المسؤولين الاميركيين وانذارهم باحتمال وقوع تلك الهجمات الارهابية، قبل حدوثها ببضعة أسابيع على أقل تقدير. ويرجح عدد من خبراء المعلوماتية ان الصعوبة الاساسية في تحليل تلك المعلومات، بواسطة الكومبيوتر، تمثّلت في عشوائيتها، ما صعّب على الادمغة الالكترونية اجراء عمليات ربط المنطقي، نظراً لافتقادها القدرة على المقارنة بين مجموعات كبيرة من المعلومات المتباينة والمتناثرة. ولذا ينكب مئات من خبراء المعلوماتية في جانبي الاطلسي، باشراف مباشر من القيادات السياسية العليا في حلف"ناتو"، على تطوير برامج معلوماتية طليعية تسمح بتنسيق هذه المعلومات المتفرقة، واستخلاص نتائج منطقية مناسبة منها. ويستلزم"الربط بين النقاط"جمع اقصى كمية ممكنة من المعطيات، في مرحلة اولى، ثم المقارنة في ما بينها من خلال عمليات معلوماتية معقدة. ويشير اريك ابيتبول المهندس الفرنسي في"المعهد الوطني للابحاث في المعلوماتية ونُظم الاتمتة"الى انه"ليس من السهل التوصل لمعرفة أهمية معلومة ما ودلالتها، عندما تكون"مطمورة"في سيل هائل من المعطيات". ويضيف" يتمثّل ما ننجح به في رصد معلومات متشابهة وتواتر في شكل منتظم، غير انه من الصعب جداً العثور على معلومة متفردة، خصوصاً عندما لا تقع ضمن سياق واضح". وعلى سبيل المثال، ففي 28 اب اغسطس 2001 حجز محمد عطا، الذي يُظن بانه قاد انتحاريي 11 ايلول سبتمبر بطاقتي طيران من بوسطن الى لوس انجليس من مقهى انترنت يدعى"كينكوز"في بلدة صغيرة في ولاية فلوريدا. وفي اليوم التالي، اشترى حمزة الغامدي السعودي المنتسب هو ايضاً الى مدرسة طيران اميركية، بطاقة سفر على رحلة لطائرة بوسطن الى لوس انجليس لليوم نفسه، ومن مقهى الانترنت نفسه. وبعده بيوم، استخدم شقيقه احمد الغامدي بطاقة الاعتماد نفسها لشراء بطاقة درجة اولى على الرحلة ذاتها. واعطى ستة من الانتحاريين ال 19 رقم هاتف محمد عطا الى شركات طيران مختلفة، كرقم اتصال لهم. وكل هذه المعطيات كان يمكن ان تشكل اشارات انذار تحمل الشرطة على تعقبهم لو انها رصدت وحُللت بطريقة مناسبة. ويعير دعاة"التنقيب في المعطيات"في الولاياتالمتحدة اهمية كبرى لشهادة ضابطين في الاستخبارات العسكرية اكدا رصد محمد عطا في مطلع العام 2000 بفضل برنامج سري معروف باسم"خطر عظيم"يقارن بين ملايين المعلومات والملفات. ولفت هذان الضابطان الى ان تلك المعلومات لم تُنقل الى جهات أُخرى. سؤال شائك عن الحريات العامة في سياق متصل، نشر استاذ المعلوماتية جيفري اولمان من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، بعيد 11 ايلول سبتمبر، نصاً على موقعه على الانترنت ورد فيه ان"التكنولوجيا الحديثة فتحت امام المجرمين والارهابيين احتمالات جديدة فتاكة". وأضاف ان"السلاح الدفاعي الوحيد تقريباً الذي ولد خلال نصف القرن المنصرم هو تكنولوجيا المعلومات، أي قدرتنا على رصد الاعمال المؤذية الكترونياً قبل وقوعها". ويرى مسؤول قسم"تحليل المعلومات" تييري فالو، من شركة"ارفاتو انفورميشن سيرفيسز"ان التكنولوجيا اللازمة لاجراء انواع متقدمة من التحليل المنطقي"ما زالت في بداياتها... لكنها لم تعد من نسج الخيال العلمي... ان اجهزة الاستخبارات تحسن قدرة الادمغة الالكترونية على مسح عدد كبير من الملفات لمحاولة رصد عناصر معينة... انها مسائل معقّدة، ومن الطبيعي الا يتحدثوا عنها كثيراً". غير ان الانتهاكات الكثيفة للحريات العامة التي تسبب بها هذا النوع من الانظمة تعيق تطورها، كما انها تطرح مشكلات جوهرية في اوروبا الغربية والولاياتالمتحدة. ومثلاً، اضطر البنتاغون عام 2002 الى التخلي رسمياً عن برنامج بعنوان"توتال انفورميشن اوارنيس"اليقظة التامة للمعلومات، الذي كان قيد التطوير، بعد ان كشفته الصحافة. وفي المقابل، أقرّت الادارة الاميركية بان 131 نظاماً على علاقة ب"التنقيب في المعطيات"كانت تستخدم عام 2004 لدى 52 وكالة فيديرالية. ويرى اريك ابيتبول انه"بمجرد ان تنقبوا في المعطيات على صعيد واسع، فانكم تنتهكون بصورة واضحة الحريات الفردية... ان السؤال المطروح هو الى اي حد يمكن تقبّل ذلك؟".