"عزيزي ديمتري نابوكوف. لا تحرق لورا. اترك المخطوطة تجمع الغبار". هكذا أوصت فيرا زوجة فلاديمير نابوكوف ابنها ديمتري قبل وفاتها عام 1991، بعدما رفضت أن تحرقها هي شخصياً تنفيذاً لوصية الروائي الاشهر في العالم، صاحب رواية "لوليتا". وكان زوجها أوصى بضرورة حرق مخطوطة "ذي اوريجينال اوف لورا" عندما كان مريضاً، ان هو توفي قبل ان يكملها. وفعلاً توفي فلاديمير ذو الاصل الروسي عام 1977 في أميركا، أي بعد شهرين من وصيته. فلاديمير الابن الذي يبلغ من العمر الآن 71 سنة وهو موسيقي ومغني اوبرا ومترجم، كتب لصحافي اميركي يدعى رون روزنبيرغ، أنه ربما يتخلص من المخطوطة احتراماً لرغبة والده - وليس والدته التي أوصته بألا يحرقها -، لأنه يشعر بنفسه مريضاً وقد يتوفى في أي لحظة. وذكر له أنه يحفظها في خزانة خاصة في بنك سويسري بمعرفة صديق. نشر روزنبيرغ مضمون الرسالة الالكترونية في صحيفة "نيويورك اوبزيرفر"، ليثير مقاله ضجة أدبية تناقلتها الصحف الاخرى عبر المحيط الاطلنطي مروراً بأوروبا وصولاً الى روسيا. فالخبر المنشور أزعج الدارسين المهتمين بالأدب وبأعمال نابوكوف تحديداً. ولا تتعدى صفحات المخطوطة غير المكتملة التي تمكن ترجمتها الى العربية بپ"أصل لورا"، 40 صفحة، ولا يعرف عن مضمونها الا القليل. ويتوقع روزنباوم، نقلاً عن عائلته، ان يكون نابوكوف الأب حقق ثورة في الشكل الادبي في المسودة الاولية لهذه الرواية. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" كشفت عام 1989 ان نابوكوف كان ينوي ان يجعل منها رواية قصيرة. أما نابوكوف نفسه فلم يتحدث عنها، وربما كانت المرة الوحيدة التي نوّه بها الى أحد، كتابة، عندما بعث رسالة الى صديق قبل موته بثمانية أشهر، قال له فيها: "بدأت اكتب "ذي اوريجينال اوف لورا" قبل مرضي، وهي مكتملة تماماً في رأسي وربما راجعتها خمسين مرة. وقرأتها بصوت عال على جمهور حالم محدود في حديقتي المسورة. وكان جمهوري يتألف من طواويس وحمام ومن والديَ المتوفين منذ دهر، وممرضات شابات يتحركن من حولي، اضافة الى طبيب للاسرة طاعن في السن الى حد أنه يكاد يكون غير مرئي". أصداء مقال روزنبيرغ في صحيفة "نيويورك اوبزيرفر" واحتجاج ديمتري نابوكوف عليه، دفعت بالصحافي الى نشر مقال آخر تراجع فيه عن ترجمته غير الدقيقة للرسالة، والتي فهم منها ان ديمتري سيدمر المخطوطة. فهو كتب له: "قد" أتخلص منها ولم يقل "سأتخلص". وهذا التوضيح من الابن أراح كاتب المقال وآخرين. ويعتقد روزنبيرغ ان الخطأ الذي وقع فيه وردود الافعال عليه، ربما اراحت ديمتري من ذرع الارض جيئة وذهاباً، قلقاً ازاء القرار الذي يجب عليه أن يتخذه. فأعين العالم موجهة اليه وربما ساهمت تلك الفرصة بتقدم بعض المؤسسات البحثية او المتاحف بطلب حفظ تلك المخطوطة وصيانتها، وتوفيرها لبعض الباحثين من دون السماح بطباعتها او اتاحتها للعامة، تنفيذاً لرغبة الكاتب الذي لا يريد لنص غير مكتمل له ان ينشر بعد رحيله. وهذا الحل سيكون افضل من حفظ المخطوطة في مصرف سويسري، فقد يضيع اثرها ولا يمكن الدارسين تتبعها وفق قانون سرية المصارف. الا أن الصراع الذي يعيشه ديمتري يتمثل في المواقف المتناقضة لمحبي أعمال والده. فقد كتب له أحد المعجبين قائلاً: "احرقها يا ديمتري" منطلقاً من أن رغبة الكاتب الاصلية هي التي يجب ان تسود، بينما يحاجج آخرون بأن النص أكثر أهمية من الكاتب نفسه، ويجب على ديمتري ان يحفظ مخطوطة "لورا". ويستشهد روزنبيرغ برد وصله من البروفيسور أبراهام سوشر أوف اوبرلين الذي أرسل له فقرة من أولى رويات نابوكوف التي كتبها بالانكليزية وكانت بعنوان "الحياة الحقيقية لسباستيان نايت". وفي الفقرة المقتطعة يستعرض السارد بطل الرواية، أغراض شقيقه الكاتب المتوفى، بعدما ترك له وصية مكتوبة يطالبه فيها بحرق بعض الاوراق لانه يؤمن بأن ما يجب ان يترك بعد الكاتب هو الانجازات المكتملة وليس الناقصة، سواء كانت قيمة الانجاز معنوية او تجارية. ويتساءل روزنبيرغ: "بمن كان نابوكوف يفكر عندما قدم شخصية الكاتب في تلك الرواية"؟ فلاديمير نابوكوف ولد عام 1899 وتوفي عام 1977، وقد نشر أول اعماله بالروسية، الا ان شهرته لم تبدأ الا بعدما بدأ ينشر بالانكليزية. وقد حقق شهرة عالمية من خلال روايته "لوليتا" عام 1955 التي اعتبرت من أهم روايات القرن العشرين. وهي الرواية التي سلطت عليها الاضواء اخيراً مع صدور كتاب للباحث الالماني المعروف مايكل مار بعنوان "لوليتا الاثنتان"، أكد فيه وجود قصة ألمانية نشرت عام 1916 تحت عنوانها "لوليتا" للكاتب الالماني هاينز فون اشفيغ، الذي التحق بحركة النازية وأصبح صحافياً ناشطاً، وبالتالي ربما اسدل الستار على اعماله الادبية المبكرة. ومعروف ان نابوكوف عاش في ألمانيا حتى عام 1937، فهل اطلع على تلك القصة أثناء وجوده هناك وأعاد صوغها عن وعي، أم بقيت في لاوعيه عندما استوحى الثيمة الاصلية؟ وقد أرعب هذا الكتاب الجديد نابوكوف الابن وجعله يتردد في ترك مخطوطة "لورا" متاحة، فقد يفكر شخص بطباعتها وقد تكون حجة اخرى للهجوم على والده. على أي حال يبدو أن الضغوط الاكاديمية والادبية ستكبح رغبة الابن المريض، وقد نسمع قريباً عن جهة تتبنى "لورا"، وتحفظها لمحبي نابوكوف.