فاجأني الزميل زاهي وهبي وأنا معه في برنامج"خليك بالبيت"بالقول ان مواقع اسلامية أوروبية تتهمني بأنني عميل لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي آي ايه. زاهي مهني مجتهد يستعد لبرنامجه كل اسبوع وكأنه اول برنامج يقدمه، ما يشرح سبب نجاحه الكبير المستمر. وهو ذكرني بأشياء عن عملي كنت نسيتها، وسألني عن كلام لبعض الزملاء الذين سبقوني على برنامجه، وجدت بعضها صحيحاً وبعضها غريباً. ما أزعم عن نفسي هو ان كل ما أكتب أو أقول مسجل في حينه أو شهوده احياء، وإنني مستعد للمثول امام محكمة لإثباته، وقد رفعت علي قضايا ورفعت قضايا، وواجهت شكاوى، ولم أخسر مرة. عاملني زاهي برفق، أو بقفازين من حرير كما يقولون، فانتهى البرنامج على سلامة، وكانت ردود الفعل طيبة. وذكرني"خليك بالبيت"بحوار لي مع الصديق العزيز عماد الدين اديب قبل عشر سنوات زاد على خمس ساعات وأذيع على حلقات، وانتهى من دون اصابات ايضاً. أعتقد بأن سبب"نجاحي"التلفزيوني هو ان وجهي مشوش. والمحطات الكبرى، مثل"المستقبل"، تملك صالون تجميل يختلف إليه المذيعون اكثر من المذيعات، وقد رفضت دائماً المساحيق فشعاري"زيجة واتزوجنا"، وشعاري الآخر"شو تعمل الماشطة..."، ثم انني لا أعتقد بأن أي تجميل سيجعل شابة حسناء تقبل عليّ، فالحسان أعرضن عني شاباً، ولن يغيرن موقفهن الآن حتى تغير اميركا موقفها من الالتزام الكامل بإسرائيل. غير انني أعود الى الپ"سي آي ايه"وأقدم خدمة لمن يريد ان يتهمني فقد كنت أمس في جلسة نقاش عن الصحافة العربية في السفارة الأميركية في لندن، وما ان حل المساء حتى كنت أحضر حفلة استقبال في دار ديبلوماسية اميركية بارزة، ايضاً في العاصمة البريطانية، وقد اتفقنا على ان نلتقي الأسبوع المقبل. اذا ثبتت علي تهمة الاستخبارات الأميركية، مع كل هذه المعلومات المجانية، فإنني أطالب بمرتب منها في حدود 340 الف دولار في الشهر اسوة ببطل التحرير احمد الجلبي. وإذا كان المبلغ كبيراً فأنا مستعد للتفاوض. وكلمتا جد: الأولى، انني أتحدى المواقع المريضة على الإنترنت ان تأتي بكاتب عربي يهاجم السياسة الأميركية ويعريها ويحذّر منها اكثر مني. وكتابي الأخير"المحافظون الجدد والمسيحيون الصهيونيون"حملة موثقة على هذه السياسة. والتهمة تثبت ان اصحابها خبراء في القتل لا القراءة. الثانية، ان غالبية الإسلاميين في الخارج، ومن النوع الذي ابتلينا به في بريطانيا، إما ارهابيون او يؤيدون الإرهاب، حتى بت اعتقد بأنهم جواسيس لأنه لم يؤذ الإسلام طرف اكثر منهم. اما الأقلية غير الإرهابية فمتخلفة ديناً وفكراً وإنسانية، وهنا اعتقد بأن الحكومات العربية دست علينا هؤلاء لتكسب تأييدنا لها على اعتبار انها اهون الشرين. يكفي جداً، فأزيد بزميل قال بعد ظهوره على التلفزيون والفرحة لا تكاد تسعه ان مليون جهاز بيع بسبب نجوميته التلفزيونية. وعلق زميل آخر: فعلاً، والذين لم يستطيعوا بيع اجهزتهم بعد رؤيته، رموها من نوافذ بيوتهم. اول بث تلفزيوني أذكره كان بالأبيض والأسود ولساعات قليلة في المساء. ولم تكن اجهزة التلفزيون متوافرة في جميع البيوت، فسمعت عن جار حفر ثقباً في جدار شقته ليتفرج على التلفزيون في شقة الجيران. وكان يحب في شكل خاص متابعة برنامج المصارعة، إلا انه عرف بعد سنة ان الجيران لم يكن عندهم تلفزيون. اليوم التلفزيون بالألوان مع شاشة عريضة من اهم اسباب الحاجة إليها ان تتسع لبعض المذيعين والمذيعات الموفوري الصحة. ولا ادري كيف انتهى هؤلاء امام الكاميرا لأن شكلهم افضل على الراديو. وأحاول ان اهاذر القارئ ولكن الحقيقة هي ان هناك برامج عربية من ارقى مستوى، إن سياسية او اجتماعية او ترفيهية، وبما انني اقيم في الغرب وأشاهد برامج عربية وغربية كل يوم، فإنني في وضع جيد للحكم على نوعية البرامج. وما أقول للقارئ العربي هو ان البرامج الغربية الذائعة ذات الصدقية العليا التي يسمع عنها قليلة فأكثر البرامج الغربية تافهة، او الهدف منها اجتذاب المعلنين من طريق مخاطبة غرائز المتفرجين. ولا اعتراض لي البتة على الإعلان، فالإعلامي، من أي نوع، اذا اعترض على الإعلان يصبح من نوع ذلك الذي يعض اليد التي تطعمه، فالإعلان يوفر الدخل للمؤسسة التي يعمل بها فتدفع مرتبه. وهذا يظل أشرف من الدخل عبر أي مصدر غير اعلاني. لذلك فأنا اطالب كل متفرج على التلفزيون بالبقاء في مقعده اثناء بث الإعلانات، فرياضة الركض نحو الثلاجة في المطبخ تفسدها اطباق الطعام العائد بها الى"الكنبة"امام التلفزيون. ثم ان الإعلان يدفع ثمن البرنامج، وعدم مشاهدته مثل ان يشتري المتفرج حاجاته من السوبرماركت ثم لا يدفع ثمنها. وكلمة اخيرة، التلفزيون يخيفني، فالكلمة التي تخرج لا تعود، وأنا أكتب زاويتي هذه وأعيد كتابتها حتى ارضى عنها. وإذا زارني زميل أعرضها عليه، فلعل عنده ملاحظة او رأياً. أما على التلفزيون فاللسان قد يسبق العقل، وهناك دائماً كلمات وعبارات يتذكرها الواحد منا بعد البرنامج ويندم لأنها فاتته امام الكاميرا. وفي النهاية، فالواحد منا لا يريد ان"يربح"على التلفزيون او يسجل اهدافاً، فالنجاح هو ألا يفضح نفسه ويخسر. ما أنصح به كل انسان يستعد للمثول امام كاميرا التلفزيون هو ألا يأكل ملوخية قبل البرنامج حتى لا تنافسه في الظهور على اسنانه خلال البرنامج.