ترجح مصير أول انتخابات حرة، منذ أربعين عاماً، في الكونغو على كف عفريت. فالانتخابات أجريت تحت وابل الرصاص في العاصمة، كينشاسا. وغداة اعلان نتائج الدورة الأولى، صب الرئيس لوران كابيلا جام غضبه على منزل منافسه، انتقاماً ممن اضطره الى خوض دورة ثانية. فاندلعت معارك بالأسلحة الثقيلة طوال ثلاثة أيام. وفي 11 تشرين الثاني نوفمبر، حين اعلان نتائج الجولة الثانية، وخسارة جان بيار بيمبا، اعتصم مؤيدوه من"أولاد الشوارع"أمام منزله رافعين أعلام الكراهية وكلماتها. واستمر إطلاق النار ثلاث ساعات بين أنصار بيمبا وبعض رجال الشرطة والجنود. وتجددت الاشتباكات بعد عشرة أيام. فتجمع رجال بيمبا أمام المحكمة العليا، وهي تتداول النظر في قانونية النتائج التي وصفها منافس كابيلا بأنها"غير الواقع". وكان يفترض في أثناء الوقت الانتقالي أن ينسق فريقا النزاع، كابيلا وبيمبا، ادارة مشتركة للبلاد. في أواخر وقت الانتقال، تحول أمراء الحرب قادةً سياسيين. ودلت ثلاثة اشتباكات على رفض الفريقين الدور الجديد هذا ما لم يفرض عليهما فرضاً. فوحدها قوات الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي أوقفت الاشتباكات، وحالت دون توسع رقعتها. وأجبرت مدرعاتها وطائراتها بيمبا وأنصاره على قبول خسارتهم. وكان مؤيدو المرشح المعارض أقسموا على تدمير البلاد اذا أعلنت اللجنة الانتخابية خسارته. وحالت التدخلات الدولية، وهي تسعى منذ 2003 في سبيل اخراج زائيرالكونغو سابقاً من قعر الهاوية، دون إجهاض المتخاصمين المرحلة الانتقالية. الا ان المهمة الدولية تشارف على الانتهاء، وقواتها على وشك المغادرة. وكان موبوتو جعل الكونغو مرتعاً للفوضى، وبلداً من غير دولة. ومهدت"الحرب العالمية الأفريقية الأولى"، على ما سميت حرب منطقة البحيرات الكبرى وهي شاركت فيها سبع دول في 1996 - 2002، الطريق الى سقوط الكونغو في الجحيم. وأوقع النزاع الدامي أكثر من 4 ملايين قتيل، كادوا أن يجروا أفريقيا كلها وراءهم. فما العمل؟ منذ 2003 وضعت الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا وبلجيكا وجنوب أفريقيا الكونغو تحت الوصاية الدولية، ونشرت أكبر قوة حفظ سلام أممية. وبلغ عديد القوات 17 ألف جندي، ساندهم ألفا جندي أوروبي عشية الانتخابات الحرجة. وانتهت الحرب العامة، اليوم. ولكن ما يوصف، على حياء، بپ"ضغوط أمنية"مستمر في المناطق الشرقية. وفي الأثناء، سن دستور، وانتخب مجلس نواب، وبعده انتخب رئيس. وصدَّق المراقبون على استقامة الانتخابات. وأنجز عرابو المرحلة الانتقالية هدفاً مهماً آخر هو انتخاب جوزيف كابيلا. فهم يقرون بأن ديموقراطية فعلية ليست بمتناول الكونغو، بل هي قد تلحق الضرر به، وتطلق العنان لحمى العصبيات واقتتالها. فبقي، حلاً بين المتنافسين الرئيسين. ومهدوا الطريق الى فوز كابيلا. ولكن ظروف فوز كابيلا ب 60 في المئة من أصوات الناخبين خلفت ذيولاً سلبية. فالمشاركة كانت ضعيفة. واختارته المناطق الشرقية، حيث الكثافة السكانية عالية، مضطرة. والامتنان لإسهامه في طي الحرب العامة، يدعوه الى كف أعمال القتل والاغتصاب والنهب. ولم ينل كابيلا في بعض المحافظات أكثر من 2 في المئة من الأصوات. وهو لم يحز قبول الجمهور. فتقلبه يبعده من قلوب الناس. وهو ليس مفوهاً، على خلاف موبوتو وبيمبا، ويتحدر من الشرق، ويتكلم لغة اللينغالا، لغة الغرب، قاعدة السلطة منذ الاستعمار البلجيكي، من غير طلاقة ولا تمكن. وبيمبا لا يكف عن وصف كابيلا بپ"الغريب". وهي تهمة من دون دليل مقنع، ولكنها خطرة خطر التلويح بالغزو الخارجي، والتدخل الدولي الوقح أحياناً. تذهب منظمة"هيومن رايتس ووتش"في بعض تقاريرها الى ان الجيش الوطني هو على رأس المتهمين بانتهاك حقوق الانسان في الكونغو. فهو جند من مقاتلين سابقين في الميليشيات المختلفة، ورواتبهم ضئيلة، وعتادهم مستهلك، وليس في مستطاعهم الانتصار في حرب على فصائل الشرق. وشرط حظوة كابيلا بتأييد جيشه تسديد المال، وتغذية الفساد. فإلى اليوم، لا يزال التجنيد في الفصائل المسلحة خير ضمان لدخل ثابت. وأما مجلس النواب فمعطل على رغم مضي شهرين على انتخابه. وقانون الانتخاب فصل على قياس مصالح ضيقة، فانتزع منه صلاحياته. وبعض النواب انتخبوا بأقل من 0.5 في المئة من ناخبي دائرتهم. فهل من فرصة للمبادرة الشعبية بعد؟ عن رينيه لوفور ، "لو نوفيل أوبسيرفاتور" الفرنسية ، 30 - 6 / 11 / 2006