تدخل الأزمة في لبنان اليوم في عنق الزجاجة بإعلان المعارضة، وفي مقدمها "حزب الله"، عن "اعتصام مفتوح" في وسط بيروت من اجل قيام حكومة وحدة وطنية في خطوة تضع لبنان امام احتمالات شتى، تعكس الصراعات الإقليمية الحادة التي تشمل النفوذ على مساحة البلد الصغير. ودعا الأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصر الله اللبنانيين"من مختلف المناطق والاتجاهات والأديان والمشارب الى تحرك شعبي سلمي وحضاري"، فيما وجّه قادة المعارضة الآخرون نداءات للمشاركة في الاعتصام المفتوح كل من موقعه. ووجه الرئيس السنيورة مساء، كلمة الى اللبنانيين دعاهم فيها الى"الدفاع عن حكومتكم"، مؤكداً"أننا لن نسمح بالانقلاب على النظام الديموقراطي"، ومعتبراً ما يجري"محاولة لإسقاط حكومة لبنان وشرعيته ودستوره..."، كما دعا اللبنانيين الى رفع العلم اللبناني على النوافذ والشرفات. راجع ص 7 و8 وفي وقت اتخذ الجيش اللبناني إجراءات أمنية كثيفة في العاصمة، وكُلّف بتصدر التدابير الأمنية، فيما ستكون قوى الأمن الداخلية في الجبهة الخلفية، تحدثت مصادر مطلعة عن ان خطة المعارضة في تنفيذ الدعوة الى الاعتصام ستكون مفاجئة للحكومة والسلطات الأمنية. وقالت مصادر قريبة من المعارضة ل"الحياة"ان على رغم ان دعوة نصر الله اقتصرت على دعوة المناصرين الى النزول الى بيروت وأن بعض المعارضين تحدث عن الاعتصام في وسط بيروت، فإنها رجّحت ان يشمل الاعتصام المفتوح، مفاصل العاصمة كلها، بما فيها مفاصل الطرق الدولية، وقد يشمل قطع بعض الطرقات. وفيما ذكرت مصادر امنية ل"الحياة"ان التجمع قد يتم في ساحة رياض الصلح حتى المرفأ والشوارع المحيطة، وأن هناك تفاهماً على عدم الاقتراب من السرايا الحكومية وساحة الشهداء حيث ضريح الرئيس رفيق الحريري ومجلس النواب. لكن دعوات صدرت ليلاً من مسؤولي"التيار الوطني الحر"الى المناصرين الى التجمع في ساحتي رياض الصلح والشهداء التي فيها خطورة احتكاك مع زوار الضريح. وتخوفت أوساط مطلعة وأخرى امنية من ان تتعدد أماكن الاعتصامات على مساحة ضواحي العاصمة ومناطقها، ما يؤدي الى تشتيت قوى الجيش الذي نشر زهاء 20 ألف جندي. وكان تهيؤ المعارضة للنزول الى الشارع دفع الجيش اللبناني حسبما قالت مصادر أمنية واسعة ل"الحياة"الى اتخاذ تدابير استثنائية منها نقل تعزيزات تقدر بلواء مدرّع الموجودة في جنوبلبنان الى العاصمة بيروت وجبل لبنان لحفظ الأمن. وهي وحدات موجودة في إطار قرار مجلس الوزراء لتطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي أوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان. وكان الجيش اللبناني ابلغ القيمين على تحرك المعارضة، بحسب مصادر أمنية، حرصه على السماح بالتعبير الشعبي وحريته، وأنه لن يسمح باللجوء الى الشغب واحتلال مؤسسات رسمية أو خاصة أو الاعتداء عليها. لا سقف زمنيا للتحرك وقالت مصادر قيادية في المعارضة ل"الحياة"أن لا سقف زمنياً للاعتصام والتجمع الشعبي الكبير الذي تأمل المعارضة بان يكون حاشداً، يهدف إما الى دفع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى الاستقالة، خصوصاً ان الحشد سيحاصر منطقة السرايا الحكومية حيث يبيت الأخير، أو الى التوصل الى تسوية بتوسيع الحكومة الحالية بحيث تحصل المعارضة فيها على نسبة الثلث المعطل زائد واحد. وفي وقت قالت مصادر مطلعة ان المعارضة تأمل بنتائج سياسية من الاعتصام المفتوح الذي ينتظر ان يتواصل ليلاً نهاراً في محيط السرايا، قبل حلول الأعياد أواخر الشهر الجاري وفق اتفاق أركانها مع زعيم"التيار الوطني الحر"النائب ميشال عون، ذكر أحد النواب القريبين الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري انه على رغم حصول اتصالات امس وقبله في محاولة لإيجاد مخرج من الانقسام السياسي الذي يعيشه لبنان منذ زهاء شهرين، لا ينتظر ان تؤدي المساعي الى نتائج تسمح بتجميد التحرك الشعبي الذي يبدأ الثالثة بعد ظهر اليوم في ساحة رياض الصلح وسط العاصمة، وقال النائب نفسه:"علينا انتظار ما يحدث بعد التحرك". إلا ان السفير السعودي في بيروت عبدالعزيز خوجة الذي التقى بري امس، تمسك بتفاؤله وقال ان على رغم المظاهر والوعد بالنزول الى الشارع،"ما زال باب الحلول مفتوحاً". وأضاف:"أعتقد بانه يجب إيجاد مخرج لأنني لا أؤمن بالأبواب المغلقة على الإطلاق". السنيورة: الاستقلال مستهدف واستهل السنيورة كلمته بالدعوة الى عدم الخوف وعدم اليأس، وقال ان"حكومة الاستقلال الثاني، تُدافع اليوم عن حريتكم وأمنكم وعن الديموقراطية في لبنان، فالاستقلال مستهدف والنظام الديموقراطي في خطر، المصير الوطني تهدده الأطماع ومشاريع النفوذ وتُنذر بعودة الوصاية وجعل بلادنا مجدداً ساحة للصراعات". وذكّر بأن الحكومة الحالية"منذ الساعات الأولى لانطلاقها، كانت تسيرُ ومسدس الإرهاب والقتل مصوّب الى اللبنانيين". واعتبر المرحلة"انتقالية حساسة في تاريخ لبنان المعاصر"، مشيراً الى جلسات الحوار الوطني والتشاور"حيث التقينا واتفقنا واختلفنا. غير ان ما اتفقنا عليه لم يسلك طريق التنفيذ. اما الذي اختلفنا حوله فانقلب على يد البعض أداة للتخوين والتخويف والتهديد". وعن مطلب حكومة الوحدة الوطنية كرر السنيورة ان"يدنا دائماً ممدودة وهي ستبقى كذلك لكن للمشاركة الصادقة وليس للتعطيل أو الابتزاز". مذكراً بأن حكومته"كانت اول من دعا في بيانها الوزاري الى ضرورة وضع قانون جديد للانتخابات. وقد شكلت لهذه الغاية هيئة وطنية... وما كادت تنجز مهمتها وتتقدم لنا بمشروعها حتى فرضت الحرب الإسرائيلية تبديل الأولويات". واعلن"لن نسمح بالانقلاب على النظام الديموقراطي وقواعده ومؤسساته، ولا بمنطق الدويلات ضمن الدولة. فنحن راسخون في موقعنا، حكومة شرعية ودستورية لكل لبنان، ومسؤولة عن كل اللبنانيين". وأضاف:"إن ما يجري محاولة مفضوحة لإسقاط حكومة لبنان، وشرعية لبنان، ودستور لبنان، إسقاطاً للحاجز الباقي والمانع تحويل لبنان الى ساحة في الصراعات الإقليمية والدولية. هم يتحدثون عن الدستور والشرعية، ولا شرعية ولا دستور إلا في ظل المؤسسات، ونص وروح اتفاق الطائف، ووثيقة الوفاق الوطني". ورأى ان"امامنا ايام حاسمة في حاضر لبنان ومستقبله. امامنا الدفاع عن الطائف والدستور، ودماء الشهداء، واستقلال الوطن، واستقراره والمحكمة ذات الطابع الدولي"، داعياً الى"الوقوف مع حكومتكم للحفاظ على العيش المشترك، وعلى الدولة الجامعة وعلى حياة اللبنانيين ومستوى عيشهم ومستقبلهم". وخلص الى التشديد على ان"لا طريقة لإسقاط الحكومة إلا من خلال مجلس النواب الذي يمنحها ثقته، وكل ما عدا ذلك باطل وقبض الريح وخروج عن الدستور، وانقلاب بدأنا نتصدى له مع سائر المواطنين اللبنانيين بكل الوسائل المشروعة والمتاحة". وعلّق رئيس كتلة"المستقبل"النيابية النائب سعد الحريري على دعوة المعارضة للاعتصام، في حديث لتلفزيون ابو ظبي بالقول:"اننا نرى اليوم الترجمة اللبنانية لقرار الرئيس السوري بشار الأسد القيام بالانقلاب السياسي في لبنان من خلال الدعوة إلى إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة". وأضاف:"نحن نرفض الطرح غير الواقعي لحكومة الوحدة الوطنية التي يتذرعون بها لكي يدخلوا حلفاء سورية وحلفاء قتلة الرئيس رفيق الحريري إليها". تحذير اميركي وفي واشنطن، حذرت الخارجية الأميركية كلا من ايران وسورية من"التلاعب السياسي"في الساحة اللبنانية عبر"حزب الله"، وتمنت ان يتم تفادي حدوث أي تعكير للأمن والاستقرار اللبناني في الاعتصام اليوم. وأكد مسؤول في الخارجية في تصريح الى"الحياة"أن واشنطن"ملتزمة دعم الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة". وأشاد بالخطوات التي اتخذتها أخيرا للموافقة على قرار تشكيل المحكمة الدولية، اضافة الى محاولات السنيورة في"الابقاء على تراص الصف اللبناني من خلال دعوته الوزراء المستقيلين الى العودة للحكومة". من جهته حذر منسق مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الاميركية هنري كرمبتون دمشق من"تداعيات مباشرة على النظام والشعب السوري قد لا تعيها الحكومة السورية في المدى القصير"في حال"دخول لبنان في حرب أهلية وانفلات الوضع الأمني هناك". واكد ل"الحياة"أن الحكومة اللبنانية نجحت أخيرا في تعقب بعض عناصر القاعدة"المتسللين الى أراضيها عبر سورية". انان وال1701 وفي نيويورك، قرر الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ان يبعث برسالة الى رئيس مجلس الامن بدل من تقرير عن القرار الدولي الرقم 1701 وذلك، بحسب الناطق باسمه،"لان الامور متحركة بسرعة في لبنان مما يجعل الرسالة ذات فائدة اكبر من اصدار تقرير". وكان متوقعاً ان يبت الامين العام في فحوى الرسالة المطولة امس الخميس او اليوم الجمعة. وقالت المصادر ان القسم الاكبر من الرسالة يتعلق بنشاطات القوات الدولية المعززة في لبنان يونيفل، وانها ستتطرق الى الخروقات للاجواء اللبنانية والالغام ومزارع شبعا. واضافت المصادر ان مسالة مزارع شبعا سيتم تناولها من ناحية ما يقوم به خبراء الخرائط. وآبرز ما ستتضمنه الرسالة، بحسب المصادر، قول الامين العام فيها ان الحكومتين اللبنانية والاسرائيلية ملتزمتان تنفيذ كل عناصر القرار ال 1701 الذي حدد شروط وظروف وقف النار الدائم بين البلدين. ولفتت المصادر الى اهمية هذا الالتزام، نظراً الى انه التزام نادر في تاريخ قرارات الشرق الاوسط. ووصف ستيفان دوجاريك الناطق باسم انان الرسالة بانها"مواكبة للتطورات الاخيرة"من دون ان تكون تقريراً شاملاً وكاملاً عن الاحداث المتسارعة. ولم تستبعد مصادر الاممالمتحدة ان يتقدم انان بتقرير يواكب الاحداث، اذا برزت الحاجة الى ذلك. لكنها اشارت الى ان التقرير الموسع عن تنفيذ ال1701 ستصدره الاممالمتحدة على الارجح السنة المقبلة في عهد الامين العام الجديد بان - كي مون. وقالت المصادر ان انان سيتطرق الى القرارات المعنية بلبنان، والى المسألة الفلسطينية والنزاع العربي - الاسرائيلي في التقرير الذي يعده ليكون خاتمة ولايته التي امتدت عشر سنوات.