صراع الأجيال عبارة رثّة تثير غيظ كل والدين"شابين"أقسما انهما لن يدعا هذه"الآفة"تطأ عتبة منزلهما الزوجي. فهما يعتبران أنّ لا شيء سيقف بينهما وبين ابنهما أو ابنتهما لأنهما شابان ومثقفان ومنفتحا الذهن والآفاق... وليسا ابداً مثل أهلهما. الا أن الحياة اليومية تأتي لتنقض كل تعهداتهما لأن الاجيال وصراعها لا ترحم طالما هناك والد ووالدة من جهة، وولد من جهة ثانية. خطّان لا يلتقيان يبدأ صراع الأجيال من مفهوم العبارة في حد ذاتها. فالمنزل يضم حتماً جيلين متتاليين لا ينظران الى الامور نفسها بالعين ذاتها، بحيث تتخذ عبارة"في ايامي"بعداً جديداً متى وضعت في فم الوالد او الوالدة الحانقة على منظر فلذة كبدها الغريب. فالوالدان يتمنيان الأفضل لولدهما، يحتضنانه صغيراً ويحلمان بما سيكون وكيف سيكون عندما يكبر... وعندما يفعل، يجدان انه تحوّل كائناً مستقلاً في شكله، وتفكيره لا يمت الى حلمهما بصلة. هما خطّان متوازيان قد لا يلتقيان، اذ ان وادياً عميقاً يفصل بينهما ولن تستطيع اي ثقافة او ذهن منفتح او عقل راجح ردمه كلياً، ذلك ان الأب والأم يبقيان من جيل"متحجر"في نظر الولد الذي يعتبر نفسه من الجيل"التقدمي"العصري. والصراع بين الجيلين يبدأ في المراهقة، عندما يشعر الولد انه بدأ يتحول راشداً باستقلالية فكرية حتمية تميزّه عن"هذين العجوزين"اللذين يحملان صفة الوالدين. وهو ينطلق من قاعدة الثورة الحتمية التي تجعل كل مراهق يحاول ارساء الافكار الخاصة به والتي تتميز حتماً، عن فكر والديه، إن لم تناقضه. اما الاعتقاد بأنه من الممكن تفادي الخلاف والانشقاق بين الطرفين، فينتمي الى جمهورية افلاطون او الى افلام هوليوود الزهرية والرومنسية. يكفي ان يقول احد الوالدين"ابيض"حتى يصرخ الولد لا شعورياً:"اسود"، في محاولة للتمايز عنهما ولإثبات شخصيته المستقلة. خلاف مشروع ويكتسب صراع الأجيال أهمية قصوى متى كان الوالدان مثقفين لأنهما سيبحثان حتماً عن اسباب هذه الثورة"اللامشروعة"وپ"الفجائية"من ولدهم الذي كان حتى الأمس القريب يأبى النوم من دون قبلة مسائية. فهما يجب ان يتقبلا هذا الانفصال الثاني، او انقطاع"حبل الصرّة"مرة جديدة كأنها ولادة حديثة للراشد الذي سيكون ولدهم مستقبلاً. من هنا أهمية التوقف لحظة والابتعاد عن المشكلة لرؤيتها عبر طرح سؤال وحيد على الذات: هل يُسمح حقاً للولد بأن يكون مختلفاً عن والديه؟ هل يستمع الوالدان حقاً الى ما يقوله ابنهما او ابنتهما؟ هل يحسنان قراءة ما بين السطور؟ فيكتشفان نداء استغاثته للاستماع اليه من خلال ثورته ولهجته العدوانية الظاهرة. يبدأ الحلّ اولاً بالعودة الى الوراء: عودة الوالدين الى مراهقتهما عندما كانا يتفقدان المرآة لاكتشاف موقع البثور في الوجه او عندما كانا يشعران بتبدل المزاج من دون معرفة السبب او حين كانا يتجادلان مع أهلهما بشأن سهرة او تسريحة شعر او نوعية ملابس. الا ان ذلك لا يعني حتماً السماح للمراهق بتخطي القوانين المنزلية او بخرق قواعد اللباقة والتهذيب، لأن هناك دوماً خطوطاً حمراً يجب الا يتخطاها أحد. المهم هو القول للولد انه من الطبيعي ان يشعر بأنه راشد في لحظة وبأنه عاد طفلاً بعدها بدقيقة. اما اذا اراد تلوين شعره بالأخضر وارتداء ملابس بمقاسات اكبر عشر مرات... فليُسمح له ذلك ولتُترك المعارك الكبيرة معه للأشياء المهمة مثل التدخين او المخدرات او غيرها. حوار مفتوح الحوار عنصر أساسي لمحاولة تقليص الصراع بين الفريقين. حوار مفتوح لا سقف له ولا حدود بحيث يُسمح للمراهق بخوض اي موضوع وطرح اي فكرة... شرط المناقشة بموضوعية وبتجرد علمي. فالمهم الإجابة عن كل سؤال يطرحه مهما كان محرجاً او مخجلاً. والمهم ايضاً عدم استباق تفكيره وعدم اغراقه في سيل من المعلومات الجنسية او غيرها، لا بل من المفترض انتظار اسئلته والإجابة عنها بشكل واف ومقنع. كما من المهم ايضاً التعرف الى اصدقاء المراهق بغية الاطلاع على شخصية الرفاق الذين يرافقونه ويشاطرونه غالبية اوقاته... وبغية مراقبة نشاطاته ايضاً بفضل مساعدة الأهل الآخرين، وكي لا يشعر اي فرد من هذا الفريق بأنه تحت مراقبة الأهل. وتكتسب القوانين المنزلية الجديدة أهمية أكبر متى كانت مناسبة لعمر المراهق ولنشاطاته بحيث تتم مكافأته اذا أحسن التصرف عبر التخفيف من صرامة هذه القواعد بالذات. ... أما انتهاء فترة الحرب التي يشكلها هذا الصراع فلن يكون الا بعد سنوات طويلة وعندما يكون الصراع انتقل من الأب وابنه... الى الإبن وابنه بدوره. سيفهم حينها الإبن ما عاناه والداه وسيحاول اقناع نفسه بأنّ هذا الصراع ليس موجوداً، الى حين الاحتكاك الأول مع المراهق الذي يحمل اسمه. من قلب الأسرة ... إلى العمل أيضاً لا يكمن صراع الاجيال مع المراهقين داخل العائلة فحسب بل يتخطاها الى كل الميادين الحياتية الأخرى، وابرزها العمل. فهناك الصراع بشكل اكبر خصوصاً ان ما من روابط عائلية تخفف من حدته او من قوته. فالصراع يبدأ في النظرة المختلفة الى طريقة العمل والى اسلوب معالجة المسائل المطروحة، لا بل الى اسلوب عملي برمته يتناقض كلياً في ادق تفاصيله، بدءاً من اعتبار ان العدوانية في العمل هي صفة ضرورية للنجاح فيما يعتبرها"الجيل الآخر"مؤذية وتضرّ بحسن سير الاعمال. ويزداد الصراع قوة متى كان المدير متقدماً في العمر وفريق العمل شاباً، بحيث يشعر الأول بالتهديد لمركزه فيما يشعر اعضاء الفريق انه يحول دون تقدمهم واكتسابهم الخبرة الضرورية... ليحلوا محله. اما اذا كان العمل عائلياً، والرئيس هو الاب والمرؤوس ابنه او ابنته، فإن الصراع يصبح مضاعفاً نظراً الى اختلاف القيم العملية التي يرتكز اليها كل منهما والى اعتبار الاب ان الابن يودي بجهود اجيال سبقوه في العائلة.