ما أحسب النارنج إلا فتنةً هتك الزمان لناظر أستارها عشِقت محاسنه العيون فلو رَنَتْ أبداً اليه ما قضت أوطارها هذا ما تغنى به بعض الشعراء العرب عن النارنج. أما الأطباء فلم يبخلوا في سرد فوائده. أما موطنه الأول فهو الصين والبلدان المحاذية لها، ومنها شق طريقه الى القارات الأخرى، ويروى ان العرب هم الذين أدخلوه الى اسبانيا، ومن بعدها انتقل الى بقية أنحاء أوروبا. وثمرة النارنج مدورة، كبيرة وخشنة، لونها برتقالي ضارب الى الحمرة، ولبها شديد الحموضة يستعمل لتحميض بعض المأكولات. أما قشر النارنج، فيصنع منه مربى لذيذ، في حين أن أزهاره العطرية يستخرج منها ماء الزهر، الذي يستخدم على نطاق واسع في اعطاء نكهة خاصة للحلويات والمشروبات. وتروي كتب الطب العربي القديم أن قشرة النارنج المجففة والمسحوقة، تفيد في تهدئة المغص المعوي، واذا شربت مع الزيت فهي نافعة في طرد الدود الطويل، أما لب النارنج فيريح آكله من التهاب المعدة. أما الحامض المستخرج من النارنج، فيقوي المعدة، ويقطع البلغم، ويسكّن الصفراء سائل الكبد. قد يسأل البعض، وما هي المواد الفاعلة في النارنج؟ لو حاولنا أن نغوص كيماوياً في قلب ثمرة النارنج لوجدنا أنها تحتوي على الكثير من المركبات الفاعلة: - الفلافونيدات، ومن بين هذه، نجد في النارنج ثلاثة مهمة هي: النارنجينين، والهيسبيريدين، والايريوسيترين، وقد بينت التجارب ان هذه المركبات أو نواتجها التي تتفتق عنها بعد هضمها، تعمل على تثبيط نمو الخلايا الورمية، وتخفض من أرقام الضغط الشرياني، وتسهم في انزال مستوى الكوليسترول والشحوم الثلاثية في الدم. - السينيفرين، والميثيل تيرامين، وهما مادتان مضادتان للاحتقان وتتواجدان حصراً في قشرة النارنج، وقد كانتا الأساس في صنع دواء يستعمل في المشافي الصينية لعلاج الآثار الناجمة عن الصدمة. - الليمونات، وهي مركبات نشطة مسؤولة عن الطعم المر للنارنج، التجارب في أنبوب الاختبار أوضحت أن هذه الليمونات تقف حجر عثرة أمام تكاثر خلايا سرطان الثدي، وتؤدي الى موت خلايا النيوروبلاستوما العصبي. أيضاً فهي تثبط من نمو سرطانات أخرى مثل سرطان المعدة وسرطان القولون وسرطان الفم. والى جانب الفعل المناهض للسرطانات، فإن الليمونات مفيدة في خفض الكوليسترول في الدم، وفي تقوية جهاز المناعة، وفي الحد من تكاثر فيروس نقص المناعة المكتسب الايدز. - الكاروتينيدات، وهذه مشهورة بفعلها المضاد للأكسدة، أي أنها قادرة على ردع الجزيئات الكيماوية الحرة فتوقفها عند حدها مانعة اياها من تنفيذ مآربها المتمثلة في زرع مطبات صحية خطيرة للغاية. - الفيتامين ث، وهو يعتبر من أهم الفيتامينات للجسم، وهو ضروري لشحذ دفاعات الجسم، وللحفاظ على صحة اللثة والعظام والأسنان، كما أن وجوده مهم لتمكين الجسم من امتصاص المزيد من الحديد، وفي تسريع اندمال الجروح. - الفيتامين حامض الفوليك، الذي يساعد في انتاج كريات الدم، وفي تجديد خلايا الجسم، وفي صنع المادة الوراثية، كما يلعب دوراً في تأمين وظائف الجهاز العصبي والمناعي، وفي ارقاء الجروح أيضاً، وفي الوقاية من التشوهات الخلقية عند الحوامل. - الفيتامين ب1، يعتبر النارنج مصدراً جيداً لهذا الفيتامين الذي يشكل بدوره جزءاً من معامل انزيم Coenzyme أساسي جداً لانتاج الطاقة من السكريات. - الكلس، الضروري لبناء العظام والأسنان. - النحاس، الذي يدخل في تركيب الكثير من الأنزيمات. ومن الناحية الطبية يستعمل النارنج لتقوية الأعصاب، ولتسهيل الهضم، وكمضاد للتشنجات وكطارد لغازات البطن. أما الشراب المصنوع من زهرهِ فيفيد في تهدئة مغص الأطفال. وفي ما يتعلق بالخواص التخسيسية للنارنج فليس هناك شيء ثابت حول هذا الأمر. وفي الختام، لا بد من التنويه بنقطة مهمة جداً، وهي ضرورة تفادي استهلاك خلاصة قشرة النارنج من جانب المرضى الذين يشكون عللاً معينة، مثل الجلطة القلبية، والداء السكري، وارتفاع ضغط العين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات في الغدة فوق الكلية والغدة الدرقية، وضخامة البروستاتة، وبعض الأمراض العصبية، وكذا الأمر عند تناول أدوية معينة.