منذ سنوات، وخصوصاً منذ سعي إيران الى امتلاك الطاقة النووية، وتزايد نفوذها في العراق، باتت موضع اهتمام استراتيجي كبير في إسرائيل، وتعزز الاهتمام بعد صعود نفوذ"حزب الله"في لبنان وحركة"حماس"في فلسطين. في هذا الإطار شهدت الأشهر الماضية تجاذباً كبيراً بين إيران وإسرائيل، على خلفية التهديدات المتبادلة، فمن جهة ثمة تسريبات صحافية تتحدث عن احتمال توجيه إسرائيل ضربة لمنشآت إيران النووية، ما يذكّر بالضربة التي وجهتها لمفاعل"تموز"العراقي عام 1981. وهي تسريبات في سياق التحريض على إيران، بدعوى تهديدها للاستقرار في المنطقة، وسعيها الى حيازة أسلحة دمار شامل، ودعمها الأعمال الإرهابية بالمصطلحات الإسرائيلية. ومن الجهة الأخرى ثمة تصريحات قوية وملفتة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد دعا فيها، مراراً وتكراراً، إلى محو إسرائيل من الخريطة، كما دعا في تصريحات أخرى كلاً من ألمانيا والنمسا إلى إعطاء إسرائيل أراضي في كل منهما للانتقال إليها بدلاً من فلسطين. عموماً، فإن عداء إيران لإسرائيل مفهوم وواضح، إذ ترى إيران في نفسها دولة إسلامية، بالمعنى السياسي والأيديولوجي وليس الديني فقط، وترى في إسرائيل دولة غير شرعية، ينبغي عدم الاعتراف بها أو التعاطي معها، بل العمل على إلغاء وجودها. وبديهي أن النظام الإيراني الحالي يجهد لتوظيف هذا الموقف لتحقيق أغراض سياسية داخلية وخارجية، تساهم في تعزيز شرعيته داخلياً وإقليمياً ودولياً، في محاولة منه لإضفاء الصدقية على الدور السياسي الذي يحاول لعبه في الشرق الأوسط، مستنداً في ذلك إلى قاعدة شعبية طائفية، وإلى مناهضة الأوساط الشعبية في المنطقة العربية لإسرائيل وللسياسات الأميركية الداعمة لها. أما انشغال إسرائيل بإيران فيشتمل على أسباب يتمثّل أهمها في الآتي: أولاً، إن العداء الإيراني لإسرائيل يتّسم بطابع العداء الأيديولوجي - الوجودي، بمعنى أنه ممتد وعميق، ولا يقتصر على الجانب السياسي، وربما بهذا المعنى تأتي تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، في شأن إنهاء وجود إسرائيل. ثانياً، ترى إسرائيل في محاولات إيران امتلاك الطاقة النووية، سعياً الى كسر احتكارها للسلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، وهذا الأمر إن حصل من شأنه قلب موازين القوى في المنطقة، وحرمان إسرائيل من ميزة فائقة الأهمية، طالما أتاحت لها تحقيق التفوق والردع الاستراتيجيين في المنطقة، لا سيما من الجهة الأمنية. ثالثاً، تعتقد إسرائيل بأن إيران تحاول أن تتنسّم دوراً سياسياً إقليمياً على حسابها، في عموم الشرق الأوسط، من أفغانستان إلى العراق إلى لبنان، ما يفسّر سعيها الى تقليم أظافر إيران وتحجيمها. رابعاً، ترى إسرائيل في الدعم السياسي والمادي الذي تقدمه إيران لفصائل المقاومة، وضمنها"حزب الله"في لبنان وحركتي"حماس"وپ"الجهاد الإسلامي"في فلسطين، خطراً عليها، ينبغي العمل على كبحه ووضع حد له. خامساً، تنظر إسرائيل بقلق بالغ إلى تنامي النفوذ الإيراني في العراق، وتعتبر هذا النفوذ خطراً عليها، فهي لا تريد للعراق أن يعود إلى مربع العداء لها وتهديدها في المستقبل مجدداً. سادساً، تحاول إسرائيل من خلال التحريض على إيران واستهدافها التساوق مع متطلبات السياسة الأميركية في المنطقة، وفي مواجهة إيران بالذات. سابعاً، من جهة إسرائيل فإن إيران تمثل تحدياً يحسب حسابه، بسبب سياساتها المعادية، كونها ليست مجرد دولة صغيرة في المنطقة، فهي دولة كبيرة بالمقاييس الجغرافية والسكانية، وبالأخص بالمقاييس الاقتصادية والعسكرية، ولا سيما مع وجود الثروة النفطية فيها. الآن، وبغض النظر عن التفاصيل، فإن الانشغال الإسرائيلي المحموم بإيران، يعكس تماماً حقيقة التخوّف الإسرائيلي من هذه الدولة، لا سيما من إمكان توصلها إلى امتلاك التسلح النووي. وما يؤكد ذلك هو قيام الكثير من مراكز الأبحاث الإسرائيلية، التي تهتم بالقضايا الاستراتيجية، بتوصيف إيران باعتبارها أحد أهم مصادر التهديد الأمني الاستراتيجي لإسرائيل، بسبب سعيها لحيازة الأسلحة النووية، وبسبب دعمها للمنظمات الجهادية في لبنانوفلسطين. وكان تقرير استراتيجي إسرائيلي تحدث عن اختفاء التهديد التقليدي لإسرائيل في مقابل بروز تهديدين غير تقليديين، هما السلاح النووي الإيراني والجماعات الإرهابية. مع كل هذه التخوّفات فإن إسرائيل تجد نفسها حائرة أو مقيدة في التعاطي مع المخاطر أو التحديات التي تمثّلها لها إيران، باعتبار أن إيران باتت قضية أو مسؤولية دولية، وبسبب العبر الناجمة عن الاحتلال الأميركي للعراق، والتداعيات الدولية والإقليمية التي يمكن أن تنتج عن توجيهها ضربة لإيران، وأيضا بسبب محدودية أية خطوة عسكرية يمكن أن تقوم بها ضد إيران، بحكم البعد الجغرافي. وستبقى إسرائيل تركز على حرمان إيران من ميزة امتلاك السلاح النووي، بشتى الطرق، وهي تلقى الدعم والمؤازرة من تشدّد الولاياتالمتحدة، ومعها دول الاتحاد الأوروبي، إزاء هذا الأمر، خصوصاً في ظل المناخات المتعلقة بالحرب على الإرهاب وبتنامي المخاوف في العالم الغربي جراء تنامي نفوذ الجماعات الإسلامية المتطرفة والراديكالية. * كاتب فلسطيني