عندما يمثل مجرم أمام قاض وهو متهم بسرقة الهاتف المحمول من عجوز وطعنها بسكين في رقبتها وقتلها وحيازة مخدرات، ومقاومة الشرطة، ثم يحكم عليه بالسجن المؤبد، فالحكم سببه القتل لا تدخين"صاروخ"أو ما الى ذلك. الناخبون الأميركيون أصدروا حكمهم على ادارة بوش، وخسر الجمهوريون مجلسي الكونغرس الأميركي بسبب الحرب الكارثية على العراق، وليس لأي سبب آخر، فقد كانت هناك تهم أخرى من نوع الفساد، وسوء ادارة الاقتصاد والفشل في التعامل مع الكوارث الطبيعية، واهمال البيئة، إلا أن العراق هو سبب خسارة الانتخابات الأول والأخير. الولاياتالمتحدة خسرت الانتخابات والحرب في العراق، وبقي أن يعترف جورج بوش بالخسارة، فهو غير مطالب بأن يرفع علماً أبيض ويستسلم، وانما أن يبحث عن بديل. ثمة بدائل، كلها سيئ، وبعضها أسوأ من بعض. الأول أن تنسحب القوات الأميركية من العراق، فيعلن بوش مثلاً ان ادارته حاولت جهدها نشر الديموقراطية في العراق إلا ان العراقيين"ناكرين للجميل"ولم يقدّروا التضحيات الأميركية. غير أن هذا الحل غير وارد لأن ادارة بوش تصرّ على رغم الهزيمة على انسحاب يحفظ ماء الوجه، فهناك انتخابات رئاسية بعد سنتين والانسحاب على طريقة فيتنام، من فوق سطح السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، سيعني تدمير الحزب الجمهوري سنة 2008. أزعم أن ادارة بوش لم تكن تنوي الانسحاب من العراق لأي سبب، وحتى لو أصبح منارة حرية وسلام للشرق الأوسط كله، فهي تبني فيه على رغم الخسارة أربع قواعد عسكرية هائلة، مع أكبر سفارة لأي بلد في أي بلد في العالم. وهذا ليس تصرف من يريد ترك البلد لأهله، بل استعمار. الثاني اعادة انتشار، وهي عبارة مخففة تعني خفض القوات الأميركية وتركها في القواعد الكبرى التي أشرت اليها. غير أن المشكلة في الحلين الأول والثاني انهما بحاجة الى توافق الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ويبدو حتى اشعار آخر أن الديموقراطيين يملكون جملة أفكار وخططاً للعراق لا خطة واحدة، وهم لا يضغطون كثيراً في أي اتجاه خشية أن يتهموا بالتهاون مع الارهاب. مع تعذر الانسحاب الكامل أو الاتفاق على اعادة الانتشار هناك بديل ثالث هو اجراءات موقتة وأنصاف حلول تطيل معاناة العراقيين، فالادارة طرحت مرة بعد مرة فكرة تدريب القوات العراقية لتتولى أمن البلاد، فتقف قوات التحالف جانباً، غير أن تدريب القوات العراقية فشل في الماضي ولا سبب منطقياً لأن ينجح اليوم أو غداً، فكل ما انتج حتى الآن هو فرق الموت التي لا يستطيع أحد ضبطها. الرابع هو زيادة القوات الأميركية وخوض معركة كبرى أخيرة لانتزاع النصر، وجورج بوش لا بد من أن يميل الى مثل هذا البديل، غير أن الشعب الأميركي ضده، والكونغرس الديموقراطي يستطيع تقييد حرية الادارة في الإنفاق فهو يمسك خيوط الموازنة. البديل الخامس هو ما سُرّب عن مجموعة دراسة العراق التي ترأسها جيمس بيكر، فهي ستقترح إشراك ايران وسورية في التهدئة في العراق. الاقتراح معقول لولا أن ادارة بوش جعلت من سورية وايران عدوين، واعتبرتهما من محور الشر، وهددت واحدة ثم الأخرى، والآن نسمع انها تريد منهما انقاذها من النار، وكل هذا من دون أن تقدم لهما شيئاً في المقابل. بل أن الرئيس بوش، في اجتماعه مع رئيس وزراء اسرائيل ايهود اولمرت، طالب بعزل ايران وأصر على وقف برنامجها النووي، فيما كان الحديث الآخر في واشنطن عن إشراكها في الحل. أقول إن ايران وسورية لن تساعدا الولاياتالمتحدة في العراق أو لبنان وفلسطين، وإن فعلتا فستطلبان ثمناً مرتفعاً لا تستطيع ادارة بوش دفعه. أحمد الجلبي في مقابلة مع اسوشييتدبرس في لندن دعا الى طلب مساعدة ايران وتركيا في العراق. البديل السادس هو شن حرب على ايران، وليس المقصود ارسال قوات غازية وانما ضربة جوية للمنشآت النووية الايرانية. والمنطق يقول إن بعد كارثة الحرب في العراق لا يمكن التفكير في حرب أخرى، إلا أن المنطق بعيد عن تفكير ادارة متطرفة تدير السياسة الخارجية فيها عصابة اسرائيلية. هناك بين اركان العصابة من دعا منذ البداية الى حرب على ايران لا العراق، وهو وجد في فشل الحرب على العراق دليلاً على صدق موقفه، وأصبح يطالب بحماسة أكبر بالتركيز على ايران، فهي تملك برنامجاً نووياً لا يملكه العراق، وهي على علاقة مع"القاعدة"لم يقمها صدام حسين. هناك تحريض يومي على ايران من أركان العصابة المعروفين في الادارة ودور البحث، بل ان هناك منشقين ومعارضين كأنهم نسخة بالكربون من أحمد الجلبي والمؤتمر الوطني العراقي. ادارة بوش خسرت الحرب في العراق، على رغم أن صدام حسين كان ديكتاتوراً يكرهه شعبه، والتفكير في مواجهة ايران ضرب من الجنون فهي أقوى كثيراً، ولها نفوذ بين الشيعة خارج حدودها، خصوصاً في العراق، ومع ذلك نسمع عن غارات جوية مكثفة، بل عن ضربة نووية تكتيكية. لا أستبعد شيئاً، من الانسحاب الى زيادة القوات، الى ضرب ايران، فالرئيس بوش في عالم غير الذي نعرف وهو عقد مؤتمراً صحافياً في 25 من الشهر الماضي، في أوج الحملة الانتخابية، وسئل هل نحن في سبيل أن نربح الحرب في العراق، ورد:"قطعاً اننا ننتصر". هذا نصر على الطريقة العربية، لذلك لا أستبعد أن تتبعه حروب أخرى وانتصارات.