قوبلت الإشارات المتعلقة بأوضاع الطاقة في خطاب الرئيس بوش السنوي إلى الشعب الأميركي بالدهشة لدى الكثير من المحللين، وخصوصاً إشارته إلى"إدمان"الولاياتالمتحدة على النفط ونية إدارته العمل على الاستعاضة عن الواردات النفطية من منطقة الشرق الأوسط والمقصود منطقة الخليج العربي بمقدار 75 في المئة بحلول عام 2025 بنفوط اخرى. وحاول مؤيدوه وأركان إدارته، ومنهم وزير الطاقة، التوضيح للرأي العام وللعالم ما قصده الرئيس بعباراته تلك مدركين تناقضها مع حقائق الاقتصاد والتبادل التجاري والجيولوجيا. فالمعروف أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها رئيس أميركي نية"تقليص"اعتماد الولاياتالمتحدة في تأمين حاجاتها من النفط على الخارج، إذ سبقه في ذلك الرئيسان نيكسون وكارتر ولكن من دون جدوى، إذ ازداد اعتماد الولاياتالمتحدة في تأمين حاجاتها النفطية على الخارج بسبب زيادة الطلب وتناقص إنتاجها المحلي من جهة، ومحدودية وعدم جدوى بدائل النفط من جهة أخرى. ولكن هذه هي المرة الأولى التي يحدد فيها الرئيس الأميركي منطقة الشرق الأوسط لاستبدال الواردات منها، في الوقت الذي ينصب اهتمام إدارته على تلك المنطقة من نواح عدة، تجلت بالترويج لمشروع"الشرق الأوسط الجديد"، وإحدى دعائمه إقامة مناطق تجارة حرة بين الولاياتالمتحدة ودول الشرق الأوسط حيث شرعت فعلياً بذلك. وهذه المناطق تفترض أساساً توجهات من أطرافها لزيادة حجم التجارة بينها وليس تقليصها أو استبدال الواردات منها. ولم تكن الدهشة فقط من ذلك التناقض الصارخ بل من إغفال حقائق جلية أهمها أن النفط هو كأي سلعة تباع في الأسواق التي تحتاجها. فالولاياتالمتحدة تستورد حالياً نحو 2.5 مليون برميل يومياً من منطقة الشرق الأوسط، تمثل 20 في المئة من حصة وارداتها البترولية و12 في المئة من استهلاكها. وجل الواردات من الشرق الأوسط تأتي من السعودية، 1.5 مليون برميل يومياً، والمتبقي من العراق والكويت وغيرها. وتتوقع وزارة الطاقة الأميركية أن يتضاعف حجم الواردات من منطقة الشرق الأوسط الى الولاياتالمتحدة وغيرها لأن تلك المنطقة، وببساطة، هي القادرة من حيث الاحتياط وظروف الإنتاج وخفض تكاليفه على تلبية حاجات العالم من النفط. وتزداد الدهشة عندما تقارن حصة الشرق الأوسط من الواردات النفطية الأميركية بغيرها من الدول. فاليابان تستورد نحو 80 في المئة من حاجاتها من تلك المنطقة، والصين 45 في المئة، والاتحاد الأوروبي 26 في المئة. والمتوقع تزايد تلك النسب، بل ان من المتوقع أن تزيد الصين وارداتها من المنطقة بستة أضعاف بحلول عام 2025. ولكن حكومات تلك الدول ورأيها العام عموماً يدركان أهمية المنطقة حالياً وفي المستقبل في ميزان الطاقة العالمي، ويعمل قطاعها الخاص النفطي وغير النفطي ومسؤولوها على توثيق علاقات الاستثمار والتبادل مع المنطقة، خلافاً لما يصدر عن بعض أوساط الكونغرس أو الإعلام الأميركي أو بعض أقطاب الإدارة عن مثالب الواردات النفطية من منطقة الشرق الأوسط. هذا على رغم أن تلك المنطقة أثبتت في أوقات السلم والحرب والكوارث الطبيعية أنها صمام الأمان لحاجات العالم من النفط. إذ حتى عندما انقطعت الإمدادات من بعض دولها خلال العقود الثلاثة الماضية، بادرت الدول الأخرى في المنطقة، وليس غيرها، إلى تغطية العجز، و جنبة العالم كثيراً من الأزمات الاقتصادية. وهذا يعني أن ما يشار إليه من اضطراب المنطقة سياسياً يؤكد على أهميتها لميزان الطاقة العالمي بدل أن ينتقص منها. وفي مقابل توجهات كتلك، يصبح الحوار بين المنتجين والمستهلكين، والذي تعتبر الولاياتالمتحدة أحد أقطابه غير ذي جدوى. ففي مقابل توجه الدول المنتجة وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط إلى الاستثمار لتوسيع الطاقات الإنتاجية من النفط لتلبية الطلب العالمي، سواء كان مصدره الولاياتالمتحدة أو غيرها، تعطي تصريحات أو أهداف كتلك التي أشار إليها الرئيس الأميركي في خطابه إشارات معاكسة لتلك الدول ورأيها العام، مفادها أن المستهلكين أو بعضهم على الأقل قد لا يكونون راغبين مستقبلاً في ذلك النفط، بل قد يتخذون إجراءات للحد من استهلاكه أو استيراده. وتلك الرسائل المتناقضة التي تصدر لا تخدم الهدف الذي يسعى إليه الحوار في استقرار السوق وتأمين الإمدادات لسلامة الاقتصاد العالمي ورخائه. وعلى رغم أن أوساط صناعة النفط الأميركية ومراكز الأبحاث المتخصصة والباحثين المحايدين يدركون خطأ وعدم واقعية التوجهات بخصوص تقليص الواردات النفطية من منطقة الشرق الأوسط، والتي تعتبر إشارة الرئيس بوش في خطابه إحدى تجلياتها، إلا أن فوبيا النفط وخصوصاً من الشرق الأوسط بحد ذاته أخذت أبعاداً سياسية وإعلامية في الولاياتالمتحدة من دون غيرها. ويعود ذلك جزئياً إلى تراكم انطباعات خاطئة حول الحظر النفطي العربي أوائل السبعينات لدى الرأي العام وأوساط الكونغرس، وإلى"حروب"الولاياتالمتحدة في المنطقة والمواقف منها خلال العقدين الماضيين. ويعود أيضاً إلى تحيز ثقافي ساهمت بعض الأقلام في وسائل الإعلام في تغذيته من خلال تحويل الموضوع من كون الواردات النفطية إلى الولاياتالمتحدة من الشرق الأوسط شكلاً من أشكال التبادل التجاري الحر بين الدول والمجموعات إلى تحميله جوانب سياسية وثقافيه تساعد على تباعد الهوة بين المنطقتين. ولعل في مقالات توماس فريدمان المتكررة وغيره حول تلك الواردات ما ينم عن ذلك التحيز الثقافي. باحث اقتصادي سعودي.