امتزج خطاب التعبئة السياسية والشعبية في لبنان بين المعارضة، ممثلة بتحالف"حزب الله"مع تيار العماد ميشال عون والحزب مع حركة"أمل"، وبين الأكثرية التي تتشكّل منها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، مع دعوات الى الحوار أطلقها الأخير مجدداً أمس، فيما انضم رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى رئيس الجمهورية اميل لحود، ونواب"حزب الله"في اعتبار اجتماع الحكومة الاثنين الماضي للموافقة على مشروع المحكمة الدولية في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه غير دستوري، بعدما كان نُسب اليه قوله لتلفزيون"العالم"من طهران ان في امكان الحكومة ان تتّخذ قرارات طالما فيها الثلثان. ووصل بري ليل أمس الى بيروت بعد انتهاء زيارته، ويتوقع ان تستأنف اليوم الاتصالات معه من قبل بعض قوى 14 آذار في محاولة لإيجاد مخارج من المأزق المتفاقم في البلاد بعد ان انقطعت هذه الاتصالات كلياً وحلّ مكانها التصعيد الكلامي منذ يوم السبت الماضي. وستتركز هذه الاتصالات على ضرورة التوصل الى مشروع تسوية جدّي بين الأكثرية وبين المعارضة وسط حديث عن توجه من جانب بعض قوى 14 آذار نحو طرح أفكار عملية في هذا الصدد لان أوضاع البلاد غير مريحة على الإطلاق بفعل اتساع الخلاف. وسبق وصول بري اتصالات مع محيطه من قبل بعض رموز الأكثرية من أجل إعادة التواصل بينه وبين زعيم تيار المستقبل النائب سعد الحريري. ويهيء"حزب الله"مع حلفائه في تيار عون والأحزاب الأخرى، المعارضة، لتحرّك في الشارع قد يبدأ خلال الساعات القليلة المقبلة، قالت مصادر الحزب ل"الحياة"إن لا أحد يعرف موعده، وإنه سيعتمد عنصر المفاجأة، كما حصل عندما اتخذ قرار استقالة الوزراء الشيعة الخمسة بعد ظهر السبت الماضي، ولن يتمكن أي كان من ادراك حصوله الا عندما يراه على الأرض. في المقابل لم تستبعد مصادر رسمية وفق بعض التقارير الأمنية ان يأخذ التحرّك شكل تظاهرات"طيارة"أمام بعض المقرات الرسمية، وأن يشمل دعوات الى العصيان المدني، كالامتناع عن دفع رسوم بعض الخدمات. معركة طلابية وفي ظل المخاوف المستمرة من التعبئة المتقابلة بين الأفرقاء المختلفين، أخذت انعكاسات التعبئة تظهر في عدد من الميادين، ومنها ما حصل أمس في جامعة بيروت الأميركية، حيث أجريت انتخابات"مجلس الطلبة"، لكن فرز صناديق الاقتراع الذي شهد منافسة حادة بين المعارضة وقوى 14 آذار التي تتشكل منها الأكثرية، توقف بقرار من الإدارة بسبب تحركات أحاطت بالجامعة، حيث جابت الشوارع القريبة منها سيارات تحمل مكبرات صوت، تبث خطباً للأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصر الله، وتلاها مرور سيارات تحمل مكبرات صوت تبث خطباً للحريري، مع حصول تلاسن بين الجانبين، ما أدى الى تدخل قوى الأمن الداخلي مخافة تطور الأمر الى صدامات مباشرة. وشهدت المنطقة المحيطة بالجامعة حشوداً من خارجها. الى ذلك، أعلن وزير العدل شارل رزق في حديث الى"الحياة"أمس ان الأزمة السياسية في البلاد"قد تطول اذا بقيت مربوطة بالمحكمة الدولية". ورداً على سؤال عما اذا كان الخلاف الذي أدى الى رسالة من رئيس الجمهورية اميل لحود الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان باعتبار قرار الحكومة تبني مسودة المحكمة لا يلزم الجمهورية اللبنانية، سيؤثر في موقف مجلس الأمن في اجتماعه المقبل قال رزق أنه"لا يمكن ان يعطل مسار المحكمة الدولية اللهم الا اذا انطلق بعض الدول الفاعلة في مجلس الأمن من التناقضات اللبنانية ليغير مواقفه". قال السنيورة في حديث الى محطة"أم بي سي":"ما من طريقة امام الللبنانيين غير ان نعود ونجلس ونضع مخاوفنا وهواجسنا على الطاولة". وأضاف:"نحن الآن كمجموعة من الركاب نتعاطف على السفينة ذاتها ويتخيل البعض انهم ربحوا أو سيربحون لكن النتيجة ستكون غرق الجميع". ورداً على اتهام السيد حسن نصر الله الأكثرية بأنهم كانوا يعلمون بالعدوان الاسرائيلي قبل وقوعه في تموز يوليو الماضي وأنهم طلبوا عدم وقفه، قال السنيورة:"أعلل النفس بان هذا الكلام منسوب للسيد نصر الله وليس له شخصياً وهو يعلم ان هذه الحكومة قامت بالكثير الكثير من أجل وقف العدوان وتداركه... وأعتقد بأنه يعلم شخصياً ان هذا الكلام ليس فقط غير دقيق بل هو غير صحيح". وأكد ان قرار الحكومة تبني مشروع المحكمة الدولية دستوري مئة في المئة، مشدداً على انه رفض استقالة الوزراء الشيعة ولا يمكن لأحد ان يعتبر مستقيلاً ما لم يثبت ذلك بمرسوم يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وكان السنيورة عقد أول من أمس اجتماعاً مع عدد من وزراء حكومته للتشاور حول الاوضاع المتأزمة، وشدد خلاله على انه"لن يستقيل مهما كلف الأمر، وأنا باق في الحكومة". وقال مصدر وزاري ل"الحياة"ان المر تعرّض لتهديدات حتى لا يحضر جلسة الاثنين الماضي لكنه حضرها على رغم ذلك. وأبلغ السنيورة المجتمعين أنه اذا حصلت تظاهرات من المعارضة في الشارع فانها لن تُمنع طالما ان المعارضة تقول انها لن تمس النظام العام. وأفادت مصادر وزارية ان ليست لدى الحكومة معلومات عن شكل تحرك"حزب الله"المرتقب في الشارع. وأوضحت ان المجتمعين أكدوا مزاولة الوزراء أعمالهم في وزاراتهم، مع التريث من قبل الوزراء البدلاء للمستقيلين من الحكومة، في ممارسة صلاحياتهم بالنيابة عنهم من قبل المكلفين اصلاً بأن يحلوا مكانهم في حال غيابهم. الاممالمتحدة وشرعية أقرار المحكمة وفي نيويورك، تستعد الأمانة العامة للأمم المتحدة لان تسلم رسميا في الساعات المقبلة مجلس الأمن موافقة الحكومة اللبنانية على الاطار والنظام الأساسي للمحكمة ذات الطابع الدولي، رغم احتجاج الرئيس لحود في رسالة الى الأمين العام كوفي انان وصف فيها موافقة الحكومة بأنها موقف غير شرعي. وقالت مصادر رفيعة في الأممالمتحدة ان الأمانة العامة تعتبر موقف لحود"شاناً داخلياً"وأن موقفها"ثابت"على ما كان عليه قبل تسلم الرسالة. وأكدت هذه المصادر"الأخذ علماً بالخلافات الداخلية"في لبنان، لكن"الرسالة الرسمية من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والتي تنطوي على موقف الحكومة اللبنانية هي الموقف الرسمي، ولا سبب لدينا لاعتبارها غير شرعية". وقال ستيفان دوجاريك الناطق باسم انان ان الأممالمتحدة تسلمت"مذكرة شفوية من البعثة اللبنانية مرفقة بوثيقة من 29 صفحة باللغة العربية". وأضاف:"هذه ليست رسالة بل هي ملاحظات الرئيس لحود على المحكمة... وبغض النظر، اننا نتحرك الى الأمام على أساس رسالة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة". وتوقعت المصادر أن يوافق مجلس الأمن على النصوص المرفقة في رسالة من رئيس مجلس الأمن الى الأمين العام. لكن مسألة نفقات المحكمة قد تستغرق بعض البحث، لأن الدائرة القانونية ستتقدم بعدد من الخيارات للتمويل ليختار مجلس الأمن احدها. لكن التقرير لن يتطرق الى مقر المحكمة في هذه المرحلة، بحسب المصادر المطلعة. وقد يتطرق التقرير الى أسباب ومعنى حذف الاشارة في النظام الأساسي للمحكمة الى اغتيال الحريري باعتباره جريمة ضد الإنسانية.