تحولت الجلسة النيابية التشريعية التي عقدها امس البرلمان اللبناني جلسة محاكمة سياسية لرئيس الجمهورية اميل لحود، اذ شن نواب الاكثرية هجوماً عليه رداً على اعتراضاته التي أعلنها اول من امس على مسودة الاتفاق مع الأممالمتحدة لإقامة المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه، وبسائر الجرائم الأخرى من اغتيالات ومحاولات اغتيال حتى نهاية العام 2005. وفيما طرح نواب قوى 14 آذار في مستهل الجلسة التشريعية، وتحت بند الاوراق الواردة"أزمة الحكم"بسبب"التمديد القسري"للرئيس لحود عام 2004، ودعا بعضهم الى انهاء مفاعيل التمديد، لم يدافع أي من نواب"حزب الله"و"التيار الوطني الحر"بزعامة العماد ميشال عون المعارضة عن لحود ولم ينتقدوه، فيما ترك رئيس المجلس النيابي نبيه بري لنواب الموالاة ان يفرغوا ما لديهم ضد رئيس الجمهورية، تنفيساً للاحتقان الذي تسبب به إعلان لحود عن اعتراضاته، والتي توجها برفضه احالة مسودة الاتفاق على مجلس الوزراء بسبب هذه الاعتراضات، مستنداً الى المادة 52 من الدستور، في خطوة وجدت فيها قوى 14 آذار محاولة منه لتعطيل قيام المحكمة و"نسفها". ولم يوقف بري الكلمات التي هاجمت لحود في اطار"الأوراق الواردة"المخصصة لبداية كل جلسة تشريعية إلا بعد تجاوز المتكلمين الوقت المخصص لهذا البند وفق النظام الداخلي، بعدما كان أجرى اتصالات ليل اول من امس تمنى فيها على قوى 14 آذار ألا تتخذ مواقف تؤثر في الإجماع اللبناني على الاستجابة لدعوته أقطاب الحوار الوطني الى التشاور حول الخلاف على قيام حكومة وحدة وطنية بدءاً من الاثنين المقبل، ولمدة 15 يوماً راجع ص 6 و7. وإذ استجاب نواب الأكثرية طلب بري الذي أقر لهم بحقهم في الرد على لحود، فقد ضمّنوا كلماتهم جميعاً اشادة بمبادرة بري للحوار، واتهم بعضهم لحود بمحاولة تقويضها من طريق ما وصفوه بسعيه الى تعطيل اقامة المحكمة. كما ان معظم هؤلاء امتدح دور بري وسعيه الى التوفيق بين الافرقاء المختلفين. في غضون ذلك، قالت مصادر فرنسية مطلعة ل"الحياة"في باريس امس ان السلطات الروسية عدلت عن المطالبة بتعديل مسودة مشروع انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي. وأفادت هذه المعلومات ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك اتصل اول من امس بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وأعقب ذلك اتصال بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والفرنسي فيليب دوست بلازي. وكان وفد من نواب قوى 14 آذار زار اول من امس السفير الروسي في بيروت سيرغي بوكين، للاعتراض على المطالبة الروسية بتعديل مسودة الاتفاق على المحكمة في مجلس الامن. وأبلغه ان موقف موسكو في المجلس"لا يساعد في التوصل الى العدالة في شأن جريمة اغتيال الحريري"، كما قال احد النواب الاعضاء في الوفد ل"الحياة". وعُلم ان بوكين قال للوفد:"في النهاية لديكم مشكلة داخلية في الاتفاق على هذه المحكمة". ورجحت مصادر نيابية تغييراً في الموقف الروسي بعد الاتصالات الدولية التي اجريت مع موسكو. ورد لحود على الحملة عليه قائلاً ان سببها"وجود من يريد ان يأخذ عبر تسييس المحكمة الدولية ما لم يتمكن من أخذه بالحرب". وقال انه اول من طلب من الأممالمتحدة اجراء تحقيق دولي في اغتيال الحريري. وانتقد لحود الوزير رزق، مهاجماً الوزير حمادة من دون ان يسميه، ومدافعاً عن الضباط الاربعة الموقوفين رهن التحقيق في الجريمة. الى ذلك، قالت ل"الحياة"مصادر مقربة من"حزب الله"وأخرى محايدة، تتابع جهود خفض التوتر الناجم عن الخلافات حول تغيير الحكومة ومطالبة الحزب والعماد عون بالحصول على الثلث المعطل فيها، ان ثمة تلميحات الى ان الحزب قد يلجأ الى مقايضة توسيع الحكومة الحالية بإقرار المحكمة الدولية والاتفاق مع الأممالمتحدة في مجلس الوزراء، حيث يتطلب الأمر اكثرية الثلثين، ثم في مجلس النواب ايضاً. وفي وقت سيطرح موضوع قيام حكومة وحدة وطنية على الاجتماعات التشاورية التي دعا اليها بري الاثنين، قالت مصادر قريبة من الحزب ان التسوية التي يمكن التوصل اليها في هذا المجال هي: إقرار المحكمة الدولية ? توسيع الحكومة من 24 وزيراً الى 30 وزيراً مع اضافة 3 وزراء للعماد عون ووزير لتحالف حركة"أمل"و"حزب الله"ووزيرين لقوى 14 آذار ? ترك الثلث المعطل في الحكومة في يد الوزراء الذين يمثلون الرئيس بري. وفي كل الاحوال فإن مصدراً في الاكثرية ابلغ الى"الحياة"ان قادتها لن يقبلوا بأي شكل أي توسيع للحكومة او أي تغيير، لو صحت فرضية الاتفاق عليه، الا بعد الانتهاء من إقرار الاتفاق مع الأممالمتحدة على قيام المحكمة الدولية، بحيث لا تتم المخاطرة بامكان تعطيل المصادقة عليها. وفي سياق آخر، قالت مصادر وزارية ل"الحياة"ان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لن يأخذ باعلان لحود رفضه ادراج مشروع الاتفاق على المحكمة الدولية، على مجلس الوزراء بحجة عدم اشتراكه في التفاوض عليها بالاستناد الى المادة 52 من الدستور، بل سيعرضه على جدول الاعمال حين يأتي النص الرسمي النهائي من الأممالمتحدة لمناقشته وإقراره، واذا رفض لحود ذلك فإن الدستور يقول باطلاعه على جدول الاعمال ولا يعطيه حق رفضه"ولتعقد الجلسة بحضوره او من دونه". مجلس الامن والمحكمة وفي نيويورك، بدأ العمل بين أعضاء مجلس الأمن من الدول الدائمة العضوية على عناصر مشروع قرار انشاء المحكمة الدولية لمقاضاة الضالعين في اغتيال الحريري ورفاقه، والاغتيالات الأخرى الموثق ارتباطها بهذه الجريمة التي صنفها مجلس الأمن بأنها"إرهابية". ودخلت المفاوضات مرحلة دقيقة جداً، نظراً الى مواقف روسية، عكس بعضها مواقف سورية من المحكمة وانعكس بعضها في المذكرة التي وضعها الرئيس لحود. وبحسب مصادر أوروبية، أن الديبلوماسيين الروس يصعدّون المواقف في المفاوضات الجارية ويصعبونها. لكن، رغم هذا، لن تتمكن روسيا من اسقاط أو احباط أو عرقلة قيام المحكمة الدولية، لأنها وافقت على مبدأ قيامها وفاوضت على تفاصيل مهمة فيها، ولاقت التجاوب مع بعض طلباتها. وقالت مصادر اميركية إن إحدى المسائل العالقة المعقدة في المفاوضات هي مسألة مَن ينتقي أو مَن يختار القضاة للمحكمة الدولية: مجلس الأمن أو الأمين العام للأمم المتحدة. وبحسب مصادر أخرى، تريد روسيا هذه الصلاحية لمجلس الأمن الدولي، فيما الدول الأوروبية تريدها للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، والولايات المتحدة تريدها للأمين العام لكنها لا ترحب بايلاء مثل هذه الصلاحية إلى أنان. كذلك، وبحسب المصادر، ان الخلاف يتعلق بكون القضاة دوليين أو محليين والعدد المخصص للدولي والمحلي. الاعتراضات الروسية، بحسب مصادر مطلعة، تشمل طبيعة المحكمة من ناحية صلاحياتها ومدتها والقيود عليها. فروسيا لا تريد للمحكمة صلاحية اجراء المحاكمة الغيابية بحيث لا يؤدي رفض تسليم متهمالى المحكمة الى محاكمته"غيابياً". وهذه ناحية فائقة الأهمية إذ في وسع دولة ما أن ترفض تسليم مواطن من مواطنيها، وعلى رغم ذلك، يعفى المواطن من المحاكمة غيابياً. أيضاً، روسيا تريد أن تحصر فترة المحكمة في 3 سنوات وتلاقي المعارضة الصارمة في هذا إذ أن دولا أخرى فاعلة في مجلس الأمن لا تريد حصر المحكمة بفترة زمنية وانما تريدها مفتوحة الى حين انتهاء المحاكمات، خصوصا اذا ثبت ارتباط اغتيال الحريري باغتيالات أخرى وقعت في لبنان، وكان القائمون عليها من المصدر ذاته. ولقد عولجت معارضات وملاحظات روسية أثناء المشاورات والمفاوضات التي قامت بها الدائرة القانونية للأمم المتحدة. لكن المفاوضات بين أعضاء المجلس على وشك دخول المرحلة العسيرة. وبحسب مصادر ديبلوماسية في الأممالمتحدة، تحتد وتيرة التفاوض هذا الاسبوع، وتزداد المساهمة السورية في المحادثات الجانبية والضغوط على الدائرة القانونية للتأثير في المواقف والمفاوضات. وقالت المصادر ان الوفد السوري عيّن مسؤول قانوني بريطاني كجزء من فريقه في هذا الملف.