يتحول الهاتف الخليوي يوماً بعد يوم "مصدراً" للأفكار التسويقية والإعلامية للشركات والمؤسسات الحكومية على صعيد عالمي. فلا يمر يوم في بيروت مثلاً من دون ان يُصدر الهاتف الخليوي الشخصي إشارة صوتية منبهاً بوصول رسالة بريدية خدمة الرسائل القصيرة: رسالة من مصرف يعرض بيع جهاز تلفزيون مسطح بالتقسيط، رسالة من وزارة المال تذكر المواطن بوجوب دفع ضرائبه، رسالة من متجر تجزئة يعلن عن وصول بضاعة جديدة أو بداية موسم الحسومات، استطلاع رأي... واللائحة لا تنتهي. فما هي آفاق الهاتف الخليوي الحالية في منطقة الشرق الوسط؟ يوضح غسان حاصباني، مدير ورئيس في قسم الاتصالات في"بوز ألن هاميلتون"شركة الاستشارات العالمية للپ"حياة"ان تطور خدمات رسائل الخليوي كان متقطعاً في السنوات الماضية، وان لبنان يعتبر حالياً الأكثر تقدماً في هذه التجربة في الشرق الأوسط. إذ بدأ في تطبيق هذه التقنية على أساس الترويج العام، منذ 5 سنوات، تليه دولة الإمارات. ولفت إلى ان تقنيات بث وإرسال هذه الرسائل متوافرة لدى معظم شبكات الخلوي في العالم العربي، لكنها لم تستفد منها بعد. أما الصفات التفاضلية للهاتف الخليوي مقارنة بالوسائل المعلوماتية الأخرى، فتتلخص ب: إمكان قياس عدد الرسائل المرسلة والمتلقاة، تحديد هوية المرسل إليه والتوقيت والمكان، توفير معلومات تقنية ضخمة ومفصّلة كم مرّة يستخدم المشترك هاتفه يومياً، هل هو أنثى أم ذكر، مهنته... متوافرة في قاعدة معلومات الشركة المشغلة للخليوي، قدرة المتلقي على اتخاذ مبادرة سريعة فور تلقي الرسالة مثل تسديد فاتورة مستحقّة أو شراء سلعة معينة، وانتشار هذه الخدمة بين الشرائح المختلفة من المواطنين عالمياً. ومن ناحية كلفة إرسال هذه الخدمة للمواطن، أوضح كريم صباغ، نائب رئيس قسم الاتصالات ووسائل الإعلام والتكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط في"بوز ألن هاميلتون"، لپ"الحياة"ان الكلفة تنخفض إلى عُشْرِ مثيلتها في وسائل الإعلام الأخرى، كلما ارتفعت نسبة الأشخاص المُرسل إليهم. وأضاف"هناك أوقات فراغ في يوميات المواطن، يكون فيها في عمله أو متنقلاً على الطرقات، يملأها الهاتف الخليوي بكل سهولة كونه يرافقه أينما تواجد، لا سيما مع بدء انتشار الجيل الجديد للهواتف الخليوية التي توفر خدمة الرسائل الإلكترونية والفيديو، في حين ان الوسائل الإعلامية الأخرى تعجز عن ذلك لأسباب تقنية بحتة". وعقّب عليه حاصباني، مشيراً إلى ان فرصة رؤية الإعلان على شاشة الخليوي"عالية جداً"، ما يجعل الشركات تخفض وتيرة وكلفة إرسال الإعلان ذاته أكثر من مرّة إلى المتلقي. وسائل وأهداف الرسائل القصيرة وتتنوع وسائل إرسال وأهداف الرسائل القصيرة، من البث العام والشامل إلى حملات الترويج، إلى استطلاعات إحصائية. لكن حاصباني يوضح ان معظم هذه الخدمات في الشرق الأوسط ما زالت تنحصر في البث العام، وقلة منها مخصصة للترويج. ورداً على استيضاح من"الحياة"عن سبب تردد الشركات في تسويق وترويج منتجاتها وخدماتها عبر الخليوي، لفت إلى ان"الشركة المشغلة للخليوي ما زالت قلقة من ازعاج المواطن بسبب كثافة الرسائل التي تصله يومياً". إذ يشير استطلاع أجرته"أليغرا ستراتيجيز"وپ"يانكي غروب"، ان الفرد الواحد يتحمل استقبال وقراءة 3 رسائل عبر هاتفه يومياً، وبالتالي،"أصبح ضرورياً ان يكون للمشغل قدرة على إدارة هذه العلاقة، وهنا يأتي دور التنسيق مع شركات ووكالات الإعلان". وعن سبب التواجد الخجول لهذه الشركات حالياً، أجاب حاصباني ان شركات الإعلان والإعلام لم تدخل بعد كما يجب سوق الترويج عبر الخليوي، ربما بسبب افتقارها إلى التخصص في هذا المجال الجديد لكن الواعد، أي بسبب جهلها الأثر الكامل لهذه الخدمة على المستهلك، إضافة إلى كون حقوق شركات الإعلان المالية ليست واضحة بعد، في غياب قانون ينظم العلاقة بين المُشغل والمُعلن. لكنه توقع لها"دوراً أساسياً تكاملياً مع الشركات المشغلة في إدارة الحملات الإعلانية والأفكار الإعلانية الخلاقة، كون المشغل لا يملك خبرة كافية في هذا المجال تحديداً". وفي حين تتكتم الشركات المشغلة للخليوي على إعطاء معلومات عن نشاطها، استطاعت"الحياة"الحصول على بعض منها من شركة"إم تي سي تاتش"اللبنانية التابعة لمجموعة"إم تي سي"الكويتية التي لفتت إلى ارتفاع كميّة الرسائل القصيرة المرسلة عبر الخليوي في لبنان أكثر من 125 في المئة في السنة الجارية مقارنة بالسنة الماضية، و275 في المئة مقارنة بپ2004. أما تسعير هذه الخدمة، فهو وفقاً للشركة"يعتمد على نظام شرائح سعرية، حيث كلما ارتفع الاستهلاك الشهري، تراجعت كلفة البث لكل رسالة". آفاق نمو هذه الخدمات تستند"بوز ألن هاميلتون"في دراستها إلى إحصاءات من شركة"وايرليس ماركتينغ أسوسياشن"، تشير إلى ان 65 في المئة من المشتركين في خدمات الهاتف الخليوي في أوروبا يستقبلون نوعاً معيناً من الإعلانات على هاتفهم الخليوي، متوقعة ان تصل سوق الإعلانات عبر الخليوي في أوروبا إلى 15 بليون دولار في نهاية السنة الجارية معظمها على شكل رسائل تنبيه ومعلومات قابلة للتفاعل، أي ما نسبته 10 في المئة من سوق الإعلانات الإجمالية هناك. وتضيف ان هذه الصناعة في منطقة الشرق الأوسط تستطيع ان تشكل حوالى 12 في المئة من سوق الإعلانات في السنوات الخمس المقبلة،"إذا توافرت لها الظروف الملائمة وبُذل الجهد الكافي من المشغلين وشركات الإعلان". وتشير التجربة الأوروبية، الرائدة في هذا المجال، إلى ان المواطن الأوروبي مستعد لتلقي الإعلانات على هاتفه الخليوي، إذا حصل في المقابل على حسومات مالية وعروض. إذ وافق 45 في المئة من البريطانيين في استطلاع، على تلقي إعلانات هاتفية مقابل حسومات على فاتورتهم، وتخطتها هذه النسبة في ألمانيا إلى 60 في المئة. وفي مقال في"أسوشييتد برس"بعنوان"الشركات الأميركية تكتشف طاقة التسويق الكامنة في الرسائل القصيرة"، رجح كاتبه"ان يكون الهاتف الخليوي أكثر وسيلة إعلام فاعلة في القرن الحالي، على حساب وسائل الطباعة أو اللوحات الإعلانية". وعلّق على هذه الفكرة الخبير الإعلامي سليم بركات، مشيراً إلى ان الخليوي سيكون له دور رائد حتماً، ويقضم حصة كبيرة من أمام وسائل الإعلان والإعلام الأخرى، التي في ظل ارتفاع عددها تراجعت فاعليتها الإعلانية. لكن اللوحات الإعلانية الموزعة على الطرقات ستستمر الوسيلة المطبوعة المرئية الأولى، كونها ما زالت تملك قدرة على استهداف شريحة معينة من المستهلكين. ويعتبر حاصباني ان خدمات الخليوي قد تقتطع حصة من السوق الإعلانية العالمية والعربية في المرحلة الأولى، لكنها في وقت لاحق ستساهم في توسيع كعكة سوق الإعلانات من خلال مجالات عدّة للتعاون والتنسيق، وابتكار خدمات بين وسائل الإعلام المختلفة وشركات الخليوي.