ماذا يقول وزير العدل السابق شارل رزق الذي رافق التحضيرات لقيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، قبل 4 أيام من بدء محاكماتها المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، عما رافق إنشاءها وعن التوقعات منها؟ «الحياة» التقت رزق أمس، وقال إنه كان لا بد من اللجوء الى المحكمة الدولية على رغم عيوبها لأن القضاء اللبناني لم يستطع فعل شيء بالنسبة إلى الجرائم التي حصلت خلال السنوات العشر الماضية. وتوقع أن يسعى محامو الدفاع فيها الى تأخير المحاكمات والمماطلة فيها. ورأى أن أكبر خطأ كان إقفال البرلمان لمنع إقرار المحكمة فيه، وأن «حزب الله» اعترف بالمحكمة حين قبل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بتمويلها مرتين، وأن «14 آذار» اعترفت بأن وظيفة المحكمة محاكمة أفراد وليس أحزاباً. وقال رزق إن قوة قرار المحكمة ستكون معنوية بنسبة كبيرة، وأنه بصدور الأحكام الغيابية تنتهي مهمة المحكمة ويعود الأمر إلى القضاء اللبناني الذي اعتبر أنه لن يحضر المحكومين. وهنا نص الحوار: رافقت كوزير للعدل عام 2007 جهود إنشاء المحكمة الدولية وهي ستبدأ المحاكمات الخميس المقبل. هل أنت راض عن مسارها؟ - أكيد. لم أقل يوماً إن هذه المحكمة هي مثالية. قلت دائماً إن هذه المحكمة بوجودها تبقى أفضل من عدم وجود القضاء اللبناني. يعني بعد العدم اللبناني والشيء غير المكتمل على الصعيد الدولي أفضّل طبعاً الشيء غير المكتمل. أما العيوب فهي واضحة. هذه المحكمة تأخّرت كثيراً وهنالك من يقول إنها كلّفت كثيراً على الصعيد المالي. وبالمقارنة، من يقول إن هذه المحكمة يمثّل تمويلها ثقلاً على الدولة اللبنانية... هل تعلم كم يمثّل القضاء اللبناني المعدوم (العديم) من ثقل مالي على الدولة اللبنانية؟ عليك دائماً أن تفعل الأمور بالمقارنة. السياسة هي خيار. ليست خياراً بين المثالي والسيئ أو خياراً قد يكون بين السيئ والأسوأ. أظن أن هذه المحكمة على رغم عيوبها تبقى لا بدّ منها نظراً إلى انعدام القضاء اللبناني. سمعنا منذ شهرين أحد الزعماء السياسيين في مدينة ما في الشمال استدعاه المدعي العام العسكري يقول «رب ربه لهذا المدعي العام العسكري لا يحضرني إلى مكتبه». إذاً، طالما أن هناك من يقول إن القضاء لا يستطيع المسّ به، فكيف يتجرّأ بعض الناس بالقول إنهم يطالبون بأن يقوم القضاء اللبناني بمحاكمة قتلة الحريري وليس القضاء الدولي؟ ماذا تتوقّع من بدء المحاكمات ومن الوقائع التي ستظهر خلال جلساتها؟ - هذا أمر يعود إلى القضاة وهو أمر تقني أنا لا أدخل به ولكن أتوقّع أن يسعى الدفاع كما فعل منذ البداية إلى التأخير والمماطلة. اليوم هناك محاولة تقول إن إدخال المتّهم الخامس قد يؤدي إلى التباطؤ. هذا ممكن. ولكن هل تتوقّع من خلال المعلومات السابقة التي كانت في حوزتك أن تظهر وقائع جديدة لم تعلن حتى الآن؟ - لا أعرف، لا أستطيع أن أقول ذلك. أنا دائماً كنت حريصاً على ألا أتعاطى بالشؤون القضائية في هذه المحكمة، لأن لا صفة لي كوزير بل صفتي أن أهيّئ الأجواء السياسية العامة لكي يستطيع القضاء الدولي القيام بمهماته. هناك ثغرات ظهرت في عمل المحكمة، منها التسريبات عن الشهود. جرى تعيين محقق والتحقيق قيل إنه سري. ألا تفترض الشفافية كشف النتائج؟ - أكيد. أنا لا أدخل في أسباب التسريبات. ولكنّ هناك شيئاً خطيراً والبطء بالعمل أيضاً. لكن ماذا كان حصل لو كنا أحلنا الموضوع إلى القضاء اللبناني المعدوم؟ القضاء اللبناني لم يستطع محاكمة قتلة القضاة الأربعة في صيدا عام 1999، لم يستطع فعل شيء بالنسبة الى الجرائم والاعتداءات الكثيرة التي حصلت منذ 10 سنوات، وتريده ان يضع يده على اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أعتبر أن الذين يقولون ذلك إما لا يدرون ماذا يقولون أو يمزحون وهذه مزحة سمجة والموضوع خطير ومأسوي أو أنهم بالحقيقة يضحكون على أنفسهم ويستغبون الشعب اللبناني، مع العلم أن هناك تغييراً وتطوّراً حصلا في التعاون مع المحكمة الدولية من جانب الذين كانوا ضدها. أرى مثلاً «حزب الله» وسورية وإيران الذين كانوا ضد المحكمة بشكل عنيد عندما قامت حكومة نجيب ميقاتي التي هي حكومة «حزب الله» مئة في مئة قال أحد نواب «حزب الله» من هو مع العدالة يجب أن يكون ضد المحكمة ومن هو مع المحكمة هو ضد العدالة. أنظر كيف تغيّروا وهم لا يزالون أعضاء في حكومة موّلت المحكمة مرتين. إذا كنت شريكاً مثلاً في تمويل المحكمة فإنك اعترفت بها. موقف «حزب الله» من المحكمة هو حقيقة يتسم بالاعتدال بالنسبة إلى ما كان عليه منذ سنة أو سنتين وهذا شيء جيد وهذا الاعتدال أو التغيير الذي حصل في موقف «حزب الله» من المحكمة هو انعكاس للتطور والاعتدال العام الذي يجري على صعيد المنطقة منذ انتخاب الرئيس الايراني الجديد والتطور الايجابي الذي حصل بالنسبة إلى العلاقات بين ايران من جهة ودول مجلس الأمن لا سيما أميركا من جهة ثانية، والتي وقفت مع المحكمة. وبالمناسبة، أقول إن من وقف مع المحكمة ليس فقط الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا بل أيضاً روسيا والصين. وأذكر عندما كنا في عملية انشاء المحكمة كانت علاقتي مع السفير الروسي وطيدة جداً وكان من أكثر المتحمسين من أجل المحكمة، واعتدال «حزب الله» بالنسبة الى المحكمة يعكس تحسن، ليس فقط، العلاقات بين الولاياتالمتحدةوايران و «حزب الله» ولكن أيضاً بينها وبين سائر الدول مجلس الامن، وهذا أمر أساسي. هناك خفايا رافقت إنشاء المحكمة اذ تسببت بالاعتصام الشهير في سط بيروت وأدى الانقسام إلى 7 أيار. هل لك أن تكشف لنا ما دار من مداولات في شأنها؟ - هذا الاعتصام كان من أهم المسرعات لإنشاء المحكمة من طريق مجلس الامن. والذين قاطعوا مجلس النواب واحتلوا ساحة البرلمان ومنعوا النواب من الاجتماع فيه والتصويت على أي شيء هم الذين سرعوا انشاء المحكمة من طريق مجلس الامن. وهذا خطأ كبير قام في لبنان في ذلك الوقت وارتكبه البرلمان اللبناني عندما قبل أن تسكّر أبوابه أمام الحكومة. هناك مداولات حصلت اثناء محاولاتك تحضير القرار اللبناني ونظام المحكمة ومع الاممالمتحدة. هل كنت تشعر في حينه أن الاطراف ضد المحكمة فعلاً أم أن الموقف ضد المحكمة ظهر خارج اطار المداولات التي كنت تجريها؟ - كنت على اتصال مع جميع الاطراف ولن أدخل في موضوع رئيس الجمهورية آنذاك اميل لحود الذي ادعى لاحقاً انني لم أطلعه. كفاني أن أشير إلى أن كل مرة كان يعود الى القاضيين اللذين كلّفتهما تحرير نظام المحكمة بالتعاون مع الامانة العامة للأمم المتحدة، كنت أصطحبهما إلى مجلس الوزراء وأطلب منهما تقديم تقرير مفصّل عن كل ما كان يجري هناك لتقدم انشاء هذا النظام. ومحاضر مجلس الوزراء موجودة وتثبت ذلك علماً أن الحكومة كانت تعقد جلساتها برئاسة الرئيس لحود. هناك أطراف سياسيون آخرون كنت على علاقة وطيدة معهم وحسنة وعلى رأسهم أمين عام «حزب الله» الذي كنت حقيقة حريصاً دائماً على أن أراه وأن أستمع إلى ملاحظاته وأطلعه على تقدّم نظام المحكمة وكان يستمع إلي وكان يعطيني النصائح التي كنت أستمع إليها وآخذها في الاعتبار إلى أن نشأ وضع سياسي معيّن وطبعاً اتخذ «حزب الله» الموقف الذي اتخذه. انا لا اريد ان انتقد ذلك وأؤكد حسن العلاقة التي كانت بيني وبينه وأشدد على الافادة التي كنت دائماً أجنيها من هذه العلاقة. لهذا أشير الى تليين موقف «حزب الله» من المحكمة. هم كانوا ممسكين كلياً بحكومة ميقاتي التي موّلت مرتين المحكمة وهم كانوا يقبلون ويتنازلون عن ذلك. بالتالي كانوا ضمناً يعترفون بالمحكمة. في ظروف المواجهة في المنطقة اتّهمت المحكمة بأنها مسيّسة، اليوم الظروف مختلفة وهناك اتجاه نحو التسويات. هل تعتقد أن هذا المناخ يمكن أن يؤثر عليها وتشملها التسويات أم أن القطار انطلق ولا يمكن وقفه كما كان يقول مايكل وليامز؟ - هذه المحكمة لم تؤسس لكي تحاكم الانظمة أو الأحزاب او أن تساهم في تغيير الانظمة. وظيفتها محدودة بنظامها وهي مقاضاة الاشخاص الفاعلين. يعني هناك 5 متّهمين لست أدري كيف ستتجه أو سوف يحاكمون أو لا يحاكمون، يبرّأون أو يجرّمون. وأظن أن ذلك أصبح معروفاً ومقبولاً ومعترفاً به وإلا لما كان «حزب الله» سكت عن هذه المحكمة أو ضمناً اعترف بها بمساهمته بتمويلها. وأظن أن تطوراً مقابلاً جرى في الجهة المقابلة أي «14 آذار». عند الاستماع إلى جماعة 14 آذار عند نشوء المحكمة كانوا يتباهون بأن هذه المحكمة ستقضي على أنظمة وأحزاب... إلى آخره. اليوم أظن أنهم فهموا أن هذه المحكمة وظيفتها هي كما يحددها النظام وإلا لو لم يكن ذلك لما كانوا قبلوا بالحكومة التي هي اليوم في المرحلة الأخيرة من إنشائها حكومة 8-8-8. وأنا لا أستغرب لأنني أعي التطور الذي حصل في تفكير 14 آذار بالنسبة إلى هذه الحكومة. هل تعتقد بأن 14 آذار كانت قبلت أن تجلس في الحكومة وعلى قدم المساواة مع جماعة أو أشخاص أو أحزاب كانت تتهمهم بأنهم ساهموا في قتل الحريري. 14 آذار اقتنعت أيضاً بأن من هو واقف أمام المحكمة وعليه التهمة هم أشخاص وليس أحزاباً. صدور القرار الاتهامي عام 2011 كان الحجة التي أسقطت بسببها حكومة الرئيس سعد الحريري. واليوم هناك بحث بتشكيل الحكومة. هل إن ما يجري في الشأن الحكومي على علاقة ببدء المحاكمات؟ - أظن أن هناك علاقة، ولكن يرافق ذلك اعتراف من 14 آذار بالوظيفة الحقيقية لهذه المحكمة التي ليست مقاضاة أنظمة أو أحزاب ولكن مقاضاة أشخاص. ولكن «حزب لله» رفض حكومة الحريري بحجة موقفه من المحكمة الآن يقبل والمحاكمات منطلقة أن يكون على قدم المساواة أيضاً مع فريق الحريري. - نعم هناك تطوران التقيا من جهة «حزب الله» ومن جهة «14 آذار». لما أنشئت المحكمة في حكومة السنيورة التي كنت وزيراً فيها قامت القيامة واتّهمت هذه الحكومة بأنها حكومة «اسرائيلية». جرت انتخابات الرئاسة وأتى ميشال سليمان والكل يعرف بأنه أتى بمباركة سورية وأتى بحكومة السنيورة الثانية وجرت محاولات عدة لإجبارها على التخلي عن المحكمة ولم يحصل ذلك. وذهب السنيورة وأتى سعد الحريري. وأول ما شكلت حكومة الحريري كان الجميع يتحدث عن السين-السين التقارب السعودي- السوري وكان ذلك تتوج بزيارة الحريري دمشق حيث تبادل القبلات مع بشار وقال الجميع إن تعديل الموقف عند الحريري بالنسبة الى المحكمة وارد. ثم زار خادم الحرمين الشريفين الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز لبنان والتقى مع بشار الاسد في القصر الجمهوري تتويجاً للسين -سين وكان الجميع يأمل بأن تجرى تسوية أو تنازل تاريخي للحريري بالنسبة الى المحكمة وهو ابن الرئيس الشهيد. لم يحصل ذلك ولم يتنازل طبعاً لأسباب عدة وتعود إلى المنطق. واعتقادي بأن هناك سبباً أكبر وهو معرفة واقتناع الجميع بأن موضوع المحكمة يتجاوز حتى قدرات القيادات في المنطقة الاقليمية. يعود إلى مجلس الامن، إلى الولاياتالمتحدة. عندما وافقت على المحكمة كان ذلك في مجلس الامن بالتوافق مع روسيا. وظهر أن المحكمة أكبر من الزعماء المحليين والاقليميين. ولكن هنا انتقد الذين كانوا يأملون بتنازل على صعيد المحكمة من سعد الحريري وجرى ما جرى. هذه المحكمة صمدت سنوات ولا تزال تصمد اليوم. هل تتوقع أن تؤدي المحاكمات إلى توضيح قضية شهود الزور التي كانت الحجة العلنية للخلاف داخل حكومة الحريري وأدت إلى إفشال ما سمي السين- سين؟ - قضية شهود الزور لا أعرف حقيقة إذا كانت السبب الأساسي. أظن أنها كانت حجة أكثر. وسيظهر أن هذا الموضوع ضخّم أكثر مما يستحق. أظن أن علينا أن نعي طبيعة ما سيصدر عن المحكمة الدولية من قرار. سيصدر قرار إما بالتبرئة وإما بالإدانة. أولاً ليس هناك إعدام لأن الإعدام ممنوع في النظام الدولي، ثانياً إما هذا القرار يستأنف ومن يستأنف القرار يطيل عمر المحكمة أو لا يستأنف. وإذا لم يستأنف يصدر هذا القرار نهائياً عندئذ تكون المحكمة قامت بواجبها ويعود القضاة إلى بيوتهم. وتعود الصلاحية إلى القضاء اللبناني ويكون القرار غيابياً لأن هؤلاء لم يحضروا. ويمضي بعض الوقت ثم يظهر الغائبون ولم يعودوا غائبين. فيزول القرار. أنت تعتقد أن يحضر القضاء اللبناني اليوم لإعادة هؤلاء ومحاكمتهم؟ - قوة القرار ستكون قوة معنوية كبيرة جداً ولكن يجب اليوم أن نكون واقعيين. القرار عندما يتخذ من جانب المحكمة لا يستوجب أن تشن حرب على «حزب الله» وسورية وإيران من أجل جلب هؤلاء، طالما لم تحصل حرب على النووي الايراني تريد أن تحصل حرب على إلقاء القبض على هؤلاء الخمسة. قبل يومين قال مصدر ديبلوماسي غربي ل «الحياة» إن الازمة السورية عندما تنتهي ستنكشف أمور جديدة عن اغتيال الرئيس الحريري. ما رأيك؟ - فلتنتهِ الازمة السورية ولكل حادث حديث. هناك ملفان أساسيان يهيمنان على العلاقة بين الولاياتالمتحدة وإيران طالما أن ايران اليوم دولة أساسية وهي تسيطر على سورية. سورية أصبحت بالنسبة الى ايران اليوم كما كان لبنان بالنسبة الى سورية منذ سنوات قبل الثورة. من هذين الملفين الوحيد الذي يهم الولاياتالمتحدة هو الملف النووي لأنه ملف استراتيجي عالمي، أما الملف السوري في نظر الولاياتالمتحدة فهو ملف ثانوي جداً. وهم مستعدون لكل التنازلات في سورية لنيل ما أصبحوا على وشك أن ينالوه من ايران على الصعيد النووي. بالنسبة الى الموضوع السوري عليك أن تنتظر لسنوات وأرجو ألا يكون لعقود.