نحن الآن، ومنذ فوز حركة "حماس" بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، امام رأيين وجيهين لكنهما متعارضان الى حد قد يسبب كارثة في الساحة الفلسطينية. هناك في جهة موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومن ورائه حركة"فتح"ومجموعة دول عربية وغربية تروج ل"الحل الديبلوماسي"للصراع العربي - الاسرائيلي وفي جوهره القضية الفلسطينية، وهناك في الجهة الاخرى موقف الحكومة الفلسطينية برئاسة اسماعيل هنية ومن ورائها حركة"حماس"وقيادة الحركة في الخارج ومحور يضم سورية و"حزب الله"وإيران يروج ل"الصمود والمقاومة". المحور الاول بقيادة الرئيس عباس يرى ان لا مجال لرفع الحصار الدولي، وهو في اساسه حصار سياسي ومالي أميركي - اسرائيلي، او اقناع اسرائيل بالعودة الى المفاوضات بدلاً من الخطط الاحادية الا بتلبية حكومة"حماس"وحركة"حماس"شروط الرباعية الدولية الثلاثة: الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود، التزام الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية من جهة واسرائيل من جهة اخرى ونبذ العنف. ومعروف ان الرئيس عباس اقام برنامجه السياسي الذي عرضه في انتخابات رئاسة السلطة التي فاز فيها على اساس اتفاقات اوسلو التي ابرمت بعد الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل، وانه طالما نادى بانهاء عسكرة انتفاضة الاقصى التي اندلعت في أواخر العام 2000 بعد الفشل المدوي لمفاوضات كامب ديفيد. وقد تراجع بسرعة اي تفاؤل بامكان التوصل الى تسوية سلمية بين الفلسطينيين والاسرائيليين خصوصاً منذ تولي ارييل شارون منصب رئيس الحكومة الاسرائيلية. والآن يواصل خلفه ايهود اولمرت سياساته. هذا المحور الاول يضم دولاً عربية لم تثبت الى الآن نجاحها في ممارسة اي نفوذ فاعل على واشنطن او لديها لأنها، ببساطة، لا تلعب اي اوراق مساومة تملكها وبالتالي لن تأخذها الادارة الاميركية الداعمة لاسرائيل بقوة على محمل الجد. في الجهة المقابلة حيث تقف حكومة"حماس"والمحور المساند لها هناك الرأي الآخر الذي عبر عنه في مقابلة طويلة مع"الحياة"رئيس المكتب السياسي لحركة"حماس"خالد مشعل بقوله ان"حماس"لن تخضع لشروط"الرباعية"و"نحن ضد ربط مصائرنا كاملة بشروط اعدائنا". وهو يقول ان شروط الرباعية قديمة"وهناك من اعترف بها، لكن على ماذا حصل؟ لا شيء". ويكرر مشعل الموقف نفسه بعبارات اخرى اذ يقول ان"الاخوة في السلطة"يعلقون موافقتهم على اي صيغة سياسية بقبول الادارة الاميركية لها ... هذا غير مقبول ولا يعقل ان يكون التفاهم الفلسطيني وتشكيل حكومة الوحدة خاضعين لمقاييس الادارة الاميركية او"الرباعية". وهذا الرأي وجيه ايضاً، يرفض اعتبار المقاومة ارهاباً ويرفض اعطاء شرعية للاحتلال لكنه في هدنة مع اسرائيل لم يخرقها إلا بأسر الجندي الاسرائيلي شاليت واطلاق صواريخ بدائية الصنع على بلدات اسرائيلية قريبة من قطاع غزة ما جلب دماراً انتقامياً اسرائيلياً واسعاً للقطاع. ان حكومة الوحدة الوطنية ليست مطلوبة لذاتها كتفاهم فلسطيني داخلي وكان بإمكان الرئاسة الفلسطينية و"فتح"التسليم ل"حماس"بالحكم منفردة كما تشاء لو ان وصولها الشرعي والديموقراطي الى الحكم لم يجلب الحصار والشلل الاقتصادي والمالي، خصوصاً في ظل عجز العرب حتى عن ايصال مساعداتهم الى السلطة الفلسطينية عن طريق المصارف. ولا يكمن الخطر في كون الموظفين الفلسطينيين لم يتلقوا رواتبهم منذ سبعة شهور وحسب، وانما في كون الاجنحة العسكرية الفلسطينية الرئيسة يصطف بعضها مقابل بعض وسط اجواء يتصاعد فيها التوتر كلما حدث صدام او سوء تفاهم بدلاً من ان تكون موحدة في توجيه سلاحها الى عدوها الاسرائيلي الذي يحتل أراضيها. ان هذا الاصطفاف الخطر يأتي فيما العملية السلمية متوقفة بسبب رفض واشنطن وتل ابيب التحرك الا بعد تلبية شروط"الرباعية"، ويأتي وسط عجز الاطراف الفلسطينية عن تشكيل حكومة وحدة وفي ظل وضع اقتصادي سيئ للغاية. وهذه الظروف مجتمعة وصفة لكارثة.