بعد سنتين من الابحاث المتطورة، نجح الاختصاصي السعودي في جهاز المناعة الدكتور عادل بن عمر المقرن، بالتعاون مع مجموعة من الباحثين العالميين، في اكتشاف التركيب الجزيئي الدقيق لاحد المكوّنات الاساسية في المناعة البشرية. والمعلوم ان المناعة في الانسان تتألف اساساً من شقين: خلايا وأجسام مُضادة AntiBodies. وتتألف الاخيرة من بروتينات مُعقّدة، كما تُعتبر"اسلحة الاشتباك"التي يستخدمها الجسم للتعامل مع الجراثيم والفيروسات والطفيليات وغيرها. وقد نجح المقرن، الذي يعمل استاذاً مُساعداً لعلم المناعة الاكلينيكية في جامعة الملك سعود في اكتشاف التركيب الداخلي الدقيق لاحد الاجسام المضادة، واسمه"آي جي دي"IgD، الذي يساهم في وقاية جسم الإنسان من الاصابة بالأمراض الميكروبية المعدية، إضافة إلى دوره في الحماية من أنواع معينة من السرطان. ويفتح هذا الاكتشاف آفاقاً رحبة للتعمق في فهم دور هذا الجسم المُضاد في الجهاز المناعي للإنسان. وسُجّل الاكتشاف رسمياً في الولاياتالمتحدة، لدى"بروتين داتا بانك"Protein Data Bank، واختصاراً"بي دي بي"PDB باعتبارها الجهة المعنية بتوثيق مثل هذة الاكتشافات. كما نشر البحث عينه في مجلة"جورنال اوف موليكيولار بيولوجي"Journal of Molecular Biology العالمية، والتي تعتبر من ابرز الدوريات الطبية المتخصصة في علم المناعة، وخصوصاً الابحاث التي تتعلق بدراسة التكامل بين البنية الجزيئية للبروتينات ووظيفتها. وتوصّل المقرن، الذي يعمل أيضاً استشارياً في مستشفى الملك خالد الجامعي، الى انجازه بالتعاون مع البروفسور مايكل كير من جامعة ليدز، والبروفسور ستيف بيركنس والدكتور زهي سن من جامعة كلية لندن UCL في المملكة المتحدة. وأوضح ان الجسم يحتوي على خمسة أنواع رئيسة من الاجسام المضادة:"أي جي دي"IgD و"أي جي أي"IgE و"أي جي جي"IgG و"أي جي ام"IgM و"أي جي ايه"IgA. ويعتبر IgD من الاجسام المضادة المكتشفة حديثاً. وما زالت تفاصيل دوره الوظيفي في الجهاز المناعي غير معروفة تماماً. وفي المقابل، يعرف العلماء عن IgD انه يعمل بالتنسيق مع نوع من خلايا المناعة تُفرز من الغدد اللمفاوية. هذا الأمر زاد من اهمية دراسة التركيب الجزيئي الدقيق لهذا الجسم المضاد، مما يلقي مزيداً من الاضواء على آليات احداث الكثير من الأمراض في جسم الانسان، مثل امراض المناعة الذاتية، والحساسية، ورد الفعل المناعي لزراعة الاعضاء وغيرها. وأشار المقرن إلى أن هذه الاكتشافات ومثيلاتها تعتبر اللبنة الاساسية للكثير من الابتكارات في صناعة الادوية، وإضافة الى انها تساعد في صنع اختبارات الفحوص السريرية الاكلينيكية لتشخيص بعض الامراض. ويعني ذلك ان للاكتشاف جانباً اقتصادياً مهماً، وخصوصاً مع التوسع المستمر في تلك الصناعات، كما يحصل في الولاياتالمتحدة وأوروبا. ولذا تُخصص تلك البلدان حصة كبيرة من الناتج القومي لدعم البحوث المتخصصة، التي تعتبر توظيفاً مربحاً على المدى الطويل. ولعل اقرب مثال على ذلك ما تقوم به"المعاهد الوطنية للصحة"في الولاياتالمتحدة NIH او"مجلس امناء شركة ويلكوم"Wellcome Trust في بالمملكة المتحدة من تقديم منح للبحوث الطبية بمئات الملايين من الدولارات. وعلى سبيل المقارنة، فإن البلدان العربية والاسلامية تضع دعم البحث العلمي الجاد في ذيل قائمة اهتماماتها، ما يساهم في شكل كبير في هجرة المبدعين العرب والمسلمين، كما ينتج هوة بحثية وتقنية يصعب ردمها. ولم يفت المقرن الاشارة الى الغياب شبه الكلي للقطاع الخاص في المنطقة عن دعم هذا الجانب، على عكس ما يحدث في الخارج أيضاً. وشدد على أن هذه البحوث الطبية المتخصصة تبرز أهمية العمل الجماعي بروح فريق عمل. ولفت إلى أن من يتمعن في غالبية الاكتشافات الطبية أخيراً يلاحظ انها انجزت بنظام فريق العمل وليس في شكل فردي كما كان يحدث في الماضي. وتجدر الأشارة الى ان هذا البحث حصل على دعم"صندوق ويلكوم"Wellcome Trust في المملكة المتحدة، كما اجريت التجارب المعملية التطبيقية في لندن غرينوبل الفرنسية.