قليل من الأضواء، شيء من الضجة الإعلامية، زحمة فنانين، تصريحات نارية ونقاشات حادة، أسماء كبيرة ووجوه مبتدئة... شيئاً فشيئاً استطاع مهرجان الدوحة أن يفرض اسمه على خريطة مهرجانات الشتاء ويحقق صدى طيباً وحركة فنية في الخليج. هذا العام، كانت إنطلاقة الدورة السابعة من المهرجان مغايرة للصورة التي حافظ عليها في السنوات السابقة: انفصلت في الحفلات أسماء كبار النجوم عن أولئك الشباب، وغابت التصريحات النارية، واعتمد الفنانون في مؤتمراتهم الصحافية مبدأ الديبلوماسية، واعتذر مطربون عن عدم المشاركة في اللحظات الأخيرة. في حفلة الإفتتاح أول من أمس، غنّت على عكس العادة، 4 أصوات شابة. كانت البداية مع المطرب القطري منصور المهندي ثم اللبنانية كارول سماحة والعراقي ماجد المهندس فالمصرية شيرين احمد. وساعد إلغاء فاعليات مهرجان ليالي دبي حداداً على الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة دبي ورئيس مجلس الوزراء في الإمارات العربيّة المتحدّة الذي غيبه الموت قبل أيام وهو ما حال دون مشاركة أحلام وعيضة المهنالي ورويدا المحروقي"الدوحة الغنائي"في جذب عدد اكبر من أهل الخليج إلى العاصمة القطرية لتمضية عطلة عيد الأضحى فيها. فزادت عروض التسلية في مراكز تجارية عدة خارج صرح المهرجان. وحددت أسعار البطاقات في شكل مناسب لجميع الفئات العمرية فتراوحت بين 50 و300 ريال قطري 13- 87 دولاراً أميركياً، وهي أرقام تعتبر تشجيعية خصوصاً لحفلات كبار النجوم مثل أمسية أصالة مع كاظم الساهر أو سهرة محمد عبده... وانطلاقاً من شعار المهرجان"يبقى النغم الأصيل"، واجه عدد من الفنانين المشاركين مشكلات حقيقية مع مبدأ حفلات الدوحة الذي يشترط عدم إدخال أي آلة موسيقية كهربائية إلى خشبة المسرح في فندق"شيراتون"والاعتماد فقط على الآلات الإيقاعية والوترية، والخروج بالتالي بأغنيات ذات توزيع مسرحي جديد يختلف عن ذلك الذي يسمع في الألبوم. ذلك الشرط الموسيقي حال دون مشاركة بعض الفنانين، ووضع آخرين أمام امتحان صعب. وفي حين عزا عبد المجيد عبدالله عدم قدرته على المشاركة الى سبب انشغاله، علمت"الحياة"ان حفلته ألغيت بسبب إصراره على إدخال الأورغ إلى المسرح. بين كارول وشيرين وبالعودة إلى الأمسيات الغنائية، كانت الإنطلاقة إذاً أول من أمس مع 4 أصوات شابة. وعلى رغم أن قاعة"الدفة"التي تتسع ل 14 ألف مقعد لم تكن ممتلئة، فإن تلك الليلة سجلت حضوراً لافتاً لكارول سماحة وأعطتها دعماً تستحقه في أولى وقفاتها الجماهيرية كمطربة منفردة. جمهور قطر يعرف كارول سماحة ويدندن أغانيها. وإذا كان بعضهم يجهل تجربتها الرحبانية الغنية، غير أن صوتها القوي المتمكن وحضورها المسرحي الآسر، جعلها تحظى بإعجاب النقاد وجمهور الحفلة معاً. كارول عرفت كيف تتجاوز امتحانها الصعب بتفوّق، فقدمت توليفة ناجحة لعدد من أغنياتها الضاربة، بينها"اطلع فيي"، و"غالي عليّ"، و"حبيب قلبي"، و"راجعين يا هوا"لفيروز و"قلبي سعيد"لوردة. تفاعل الجمهور الخليجي زاد من حماسة كارول وسعادتها. وما تجمّع الصحافيين اللبنانيين حولها ولحاقهم بها في ممرات الفندق ركضاً بعد الحفلة لتهنئتها إلا دليل على نجاحها. أما المصرية شيرين، فكرّستها تلك الليلة مطربة من الدرجة الأولى. غريب أمر تلك الفنانة، قادرة على البكاء والضحك في آن. تلهب المسرح مع إيقاعات أغانيها في ثوان، وتغمره بصوتها الهادئ في الأغاني الرومانسية. شيرين كانت قادرة على الإرتجال، خصوصاً في الأغنيات التي طالبها بها الجمهور وكانت هي أبعدتها عن برنامج الأمسية نظراً لصعوبة توزيعها. إلا أن تركيزها على الأغنيات الهادئة جعل بعض الحاضرين الذين أتوا فقط للرقص يتململون ويغادرون قبل نهاية الحفلة. ولاحظ الحاضرون استياء شيرين من غياب الآلات"الكهربائيّة". وفي الليلة الثانية، أحيا فنانو اليمن أحمد فتحي وعبود الخواجه وكرامه مرسال وأبو بكر سالم وأروى، ليلة تراث محلية، حضرها عدد من المهتمين. تصريحات مبطنة من ناحية ثانية، وإذ جرت العادة أن تثير المؤتمرات الصحافية التي تأخذ حيزاً أساسياً من فعاليات المهرجان، موجة من التساؤلات والتصريحات ورود الفعل العنيفة إهدار دم الراحلة ذكرى، خلاف أحلام الحاد مع صحافية لبنانية، هجوم ملحم بركات على زملائه المطربين، فإن لقاءات هذا العام جاءت هادئة نسبياً. لكنها بقيت محافظة على نقاشاتها الجادة حول وضع الأغنية العربية وتدني مستواها. غير أن ذلك لم يمنع بعض الفنانين من إطلاق تصريحات مبطنة ولم يمنع الغمز والهمس والمشاكسات. فكارول سماحة هاجمت وسائل الإعلام التي منحت الدخلاء مساحات واسعة وأسهمت في شهرتهم. كما دافعت عن اقتباس الأغاني شرط توضيح مصدرها، مشيرة إلى أولئك الذي"يقتبسون مسرحيات كبار المؤلفين في العالم ولا تهاجمهم الصحافة". كما غمزت شيرين في قناة مواطنتها أنغام حينما قالت ان من"يزعل"من جماهيريتها وحبّ الناس لها، خصوصاً في مصر، عليه زيارة الطبيب النفسي في أقرب وقت ممكن. ورأت أروى أن"ابتذال الأخريات"جعلها تبتعد من الساحة لثلاث سنوات. أما أحمد فتحي فهاجم أولئك الذين أسهموا في تقوقع الأغنية اليمنية بسبب هجرتهم فنياً وشخصياً إلى بلدان خليجية شقيقة، كان يشير ضمناًَ لمواطنه المطرب أبو بكر سالم. كما انتقد الفنانين الذين يحرمون أولادهم من الغناء، في حين سيدعم هو ابنته التي تملك"اجمل صوت نسائي في شبه الجزيرة العربية". لا للابتذال واعترف تيسير عبدالله، المسؤول الإعلامي للمهرجان بأن خط المهرجان الأساسي يرتكز على نجوم الأغنية الخليجية. وأكد أن المهرجان"لا يختار أجساداً بل أصواتاً، والتقنيات الصوتية العالية التي يعتمدها في حفلاته وتسليط الضوء على قادة الفرق الموسيقية وتجاربهم، ليست سوى أدلة على ذلك". ورفض عبدالله انتقاد تكرار الأسماء المشاركة، وابتعاد المهرجان من أسماء أخرى تقدم الجودة وتحظى بجماهيرية كبيرة. وأشار إلى أن مشاركة جورج وسوف وراغب علامة ونانسي عجرم، واردة في السنوات المقبلة. تحديات كثيرة يطلقها"مهرجان الدوحة"، وأسئلة كثيرة يحاول المتابعون الخروج من خلالها بحلول لرفع مستوى الأغنية العربية. في مفكرة الأيام المقبلة، حفلة تجمع أصالة مع كاظم الساهر، وأخرى لنوال الكويتية مع فضل شاكر، وسهرة لخالد عبد الرحمن وأخيراً محمد عبده. وفي حين توقع الكثيرون انتقاد الصحافيين لنهج كاظم الساهر وتكراره لأسلوبه الغنائي خصوصاً في ألبوم"انتهى المشوار"، يسأل المتابعون عن المؤتمر الصحافي لأصالة الذي يعقد بعد حفلتها، ويخشى ان تثار فيه أسئلة محرجة حول الهجوم الذي تتعرض له المطربة القديرة من طليقها أيمن الذهبي.