تعتبر الأزمة الحالية التي تعصف بحركة التحرير الوطني الفلسطيني"فتح"اشد ازمة في تاريخ هذه الحركة الوطنية الكبرى التي قادت الكفاح السياسي والمسلح للشعب الفلسطيني منذ منتصف ستينات القرن الماضي وشكلت العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية. وتتمثل الازمة اساساً في الصراع الحاصل على صعد عدة بين من يسمون الحرس القديم، ومعظمهم من اعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري للحركة، وبين الجيل القيادي الجديد الذي التف معظم رموزه حول القيادي الفتحاوي الاسير مروان البرغوثي تمسحاً بشرعيته النضالية وربما استغلالاً انتهازياً من جانب بعضهم لتلك الشرعية من اجل الوصول الى المجلس التشريعي وبالتالي التمكن من قيادة، او المساهمة في قيادة، السلطة الفلسطينية مستقبلاً. ان معظم جيل القياديين الشباب في"فتح"هم من اولئك المولودين في الاراضي المحتلة. ومن الطبيعي ان تتجدد القيادات وان يطمح الشباب الى مواقع قيادية يرون، ويرى مواطنوهم ورفاقهم في الحركة، انهم يستحقون تبوأها مكافأة لهم على ما قدموا من تضحيات وبعدما اثبتوا جدارتهم كقياديين. صحيح ان ثمة اتهامات لبعض اعضاء الحرس القديم بالفساد والترهل، ولكن من الاخطاء الفادحة اعتبار شيوخ الحركة اناساً فاقدي الصلة بما يحدث اليوم في الصراع مع اسرائيل، بل ان العكس قد يكون الصحيح كون هؤلاء قد خاضوا كفاحاً مريراً لعقود من الزمن عسكرياً وسياسياً وباتوا ذوي خبرة واسعة في اساليب ادارة الصراع. وبالمثل، فان من الخطأ التسليم بأن القياديين الشباب المتطلعين الى المناصب العليا في الحركة والسلطة هم وحدهم الاقدر على خدمة المصلحة الوطنية الفلسطينية التي تتمثل في الوصول الى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المتصلة جغرافياً على كامل الاراضي التي احتلتها اسرائيل في حرب 1967 وعاصمتها القدس الشريف. وليس سراً ان بعض القياديين الفتحاويين الشباب لا ينجون من اتهامات موجهة اليهم من الفلسطينيين داخل الاراضي المحتلة وفي الشتات، يتعلق بعضها بالفساد وبعضها الآخر بالتبعية لجهات غير فلسطينية، وهي آفة خطيرة بالنسبة الى اي حركة تحرر وطني. بدت"فتح"في صحة تنظيمية معقولة في حياة زعيمها الرئيس الراحل ياسر عرفات لكن انكبابها على قيادة السلطة والأزمات المتلاحقة بين الفلسطينيين واسرائيل منذ توقيع اتفاق اوسلو لم يمكنا قيادتها من اجراء كشف عام وفحوص تفصيلية لحالها عن طريق عقد مؤتمر عام للحركة كان من شأنه ان يكشف ما هي التيارات المتبلورة في الحركة وان يجدد بعض الاطر القيادية وشرعية مؤسسات الحركة وان يبقي جسراً قوياً بين الجيل القديم والجيل الجديد وان يتخذ قرارات ويضع برامج نضالية لمدى سنوات مقبلة. وربما كان عدم عقد المؤتمر العام للحركة هو الخطأ الاكبر الذي تدفع ثمنه الآن، وهو ثمن باهظ من المحتمل ان يفقدها تفردها بالسلطة عندما تظهر نتائج الانتخابات التشريعية المقرر اجراؤها في الخامس والعشرين من الشهر الجاري. ان ما يحدث في حركة"فتح"لا يحصل في داخلها ويؤثر فيها وحسب وانما يقرر تشكيلة الحكومة الفلسطينية المقبلة، اذا قدر لها ان تشكل بيسر، وهو ما يبدو مستبعداً في ظل المؤشرات المتوافرة. واذا اخذنا على محمل الجد احدث استطلاعات للرأي، فان 35 في المئة من الناخبين سيصوتون لمرشحي"فتح"، فيما سيصوت 31 في المئة لمرشحي"حماس"ما يعني ان شعبية"حماس"في صعود وان"فتح"تفقد جاذبيتها. ولكن مشاركة"حماس"في الحكومة المقبلة وفوزها بعدد كبير من مقاعد المجلس التشريعي قد يوفران ذريعة لكل من اسرائيل والولايات المتحدة لعدم تطبيق"خريطة الطريق"، علماً ان الدولتين تشترطان نزع سلاح الحركة وضرورة اعترافها باسرائيل. ان اسرائيل تدرس سيناريوهات عدة متصلة بنسبة فوز"حماس"وتعد العدة لمواجهة كل سيناريو. ويجدر بحركة"فتح"وحركة"حماس"والفصائل الاخرى ان تلتقي لدرس الاحتمالات والاتفاق على خريطة طريق فلسطينية قبل ان يفاجأ الجميع بنتائج الانتخابات.