على بعد 23 كلم من لاباز، عاصمة بوليفيا السياسية، بالقرب من مركز شرطة لا ريكونادا، تنتشر ملصقات إعلانية ضد المخدرات. ويقوم مركز لا ريكونادا، وتموّله الولاياتالمتحدة، بمراقبة مداخل لوس يونغاس، المنطقة الوحيدة في بوليفيا التي لا تزال زراعة الكوكا فيها مشروعة. والمشهد كئيب على رغم جمال الثلج الذي يغطي القمم. ويقول رئيس شرطة لا ريكونادا، المسؤول عن نحو ثلاثين عنصراً بينهم نساء،"هذا ليس ثكنة عسكرية بل مركز شرطة". ويزيد:"هدفنا ليس القمع بل الوقاية". وللتنقل في منطقة لوس يونغاس، على السواقين الحصول على أذونات خاصة، وعلى الشاحنات التي تنقل الكوكا أن تحمل أوراقاً رسمية بحمولتها، ومصدرها، ووجهة تصريفها. وفي لاباز تصل الشاحنات الضخمة الى فيلا فاطم، سوق التصريف الوحيدة. وهي ثلاثة مخازن ضخمة، مطلية بالاخضر، ومليئة بتلك الاوراق ذات الرائحة الذكية، والتي تلقى رواجاً كبيراً بين السياح اذا غليت بالماء. وعلى الطريق بين لا ريكونادا وفيلا فاطمة، يستولي على ثلث الكمية"الشرعية"مصنّعو الكوكايين الذين أتلفت الحكومة ثلاثة من مصانعهم في منطقة إل ألتو. وورقة الكوكا نفسها ليست ممنوعة، طالما أنها لم تتحول الى معجون يضاف الى المواد الكيماوية، لتصنع منها المخدرات. وحاملها لا يتعرض للملاحقة القانونية. وبوليفيا هي ثالث منتج للكوكايين بعد كولومبيا والبيرو، إلا ان"المسحوق"البوليفي أجود وأرخص. والطريق المؤدية الى لوس يونغاس مزروعة بصلبان صغيرة عن أرواح من ماتوا عليها، هي"الاخطر في العالم". فيضطر السائقون الى سلوك طرق التفافية لإتاحة المرور أمام شاحنات تسير عكس وجهة السير تفادياً لوقوع حمولتها على المنعطفات. ويقول نائب المنطقة، دينيسيو نونييس، ان"زراعة الكوكا منتشرة في لوس يونغاس منذ عهد الانكا". ويمنح مضغ هذه الاوراق شعوراً بالشبع والنشاط، ما يسمح للمزارعين بالعمل من الفجر الى المغيب من دون توقف. ونشأ التيار الذي يتزعمه إيفو موراليس،"الحركة نحو الاشتراكية"، بين مزارعي الكوكا في لوس يونغاس وتشاباري بعد معارضتهم مشروعاً أميركياً يرمي الى إلغاء هذه الزراعة. ولا يتعب نونييس من تعداد فوائد هذه النبتة التي يمكن استخراج"45 مادة مفيدة منها". ولكن معاهدة دولية، في 1961، وضعت الكوكا في منزلة الاعشاب المخدرة والممنوعة، الى القنب والخشخاش. ويقول النائب:"لا أفهم كيف تجرى الامور! فمشروب الكوكا كولا صنع لمحاربة نبيذ مارياني المستخرج من الكوكا. فكيف يحق للمنتجين الاميركيين ان يستوردوا النبتة ويصنعوها، ولا يمكن للمزارعين البوليفيين الاستفادة منها، بدورهم؟". وشركة كوكا كولا التي بقيت وصفتها للمشروب سرية، أعلنت انها تخلت عن نبتة الكوكا. ولكن ذلك لم يمنع صدور قانون في بوليفيا يقيد الزراعة ويقفها على منطقة لوس يونغاس. وهذا أشعل مناقشة حادة حول المساحة المباحة زراعتها. وأشارت دراسة حديثة الى أن 12 الف هكتار من الاراضي المزروعة يكفي لاستهلاك 3 ملايين شخص. ولكن المساحة المزروعة فعلياً تقارب ال 27 ألف هكتار، ما يكفي لصناعة 90 طناً من الكوكايين. وفي أثناء حملته الانتخابية، وعد إيفو موراليس الناخبين بالسعي الى جعل الكوكا نبتة مشروعة، ودعم زراعتها محلياً. ولكن النائب نونييس يعترض"يجب أن نشرع أولاً ال 2500 طن التي تهرب الى الارجنتين، وأن نبحث عن أسواق جديدة". وفي سوق فيلا فاطمة، يبلغ سعر كيس الكوكا، وهو يزن 25 كلغ، 20 دولاراً. ولكن مصنعي الكوكايين يدفعون أكثر من ذلك بكثير، ولا يقوى مزارعون فقراء على مقاومة الاغراء. ويعول المزارعون على"الرفيق"إيفو موراليس ليجد لهم أسواق تصريف جديدة، ويحول مركز شرطة لا ريكونادا الى مركز ابحاث جامعي. وفي الانتظار، يتابع روزاندو فاغاس مدح النبتة الخضراء:"هنا، لا نستعمل المواد الكيماوية بكثرة، فورقة الكوكا صحية وطبيعية". عن باولو بارانغوا،"لو موند"الفرنسية، 6/1/2006