جاء التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الوزراء المصري احمد نظيف في الأسبوع الأخير من 2005 ليؤكد استمرار الحكومة المصرية في تبني سياسات الإصلاح الاقتصادي، التي ثابرت المؤسسات الدولية على المطالبة بتطبيقها منذ أكثر من عقد. إذ أظهرت التشكيلة الوزارية الجديدة التي اعتمدها نظيف الأربعاء الماضي انه استعان بأربعة من رجال الأعمال والشخصيات العاملة المعروفة في القطاع الخاص، كي يعزز صورة الحكومة التي وصفت بأنها"صديقة رجال الأعمال". واستقبلت البورصة المصرية التغييرات في التشكيلة الوزارية بالترحاب الشديد، ما انعكس على أداء أسهمها إيجاباً، إذ أغلقت على ارتفاع كبير الخميس الماضي، في حين سجل مؤشر"هيرميس"مستوى إغلاق قياسياً جديداً، إذ بلغ 55360.45 نقطة. يذكر ان هذه التغييرات أتت مكملة لبرنامج أول حكومة شكلها نظيف في تموز يوليو 2004، بعد ان أعلنت عزمها على تحقيق الإصلاحات الاقتصادية وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية ورفع معدلات النمو وتحقيق الاستقرار للجنيه المصري وتحسين أداء الجهاز الإداري. الأداء الاقتصادي في 2005 وقوبل التحسن في الأداء الاقتصادي المصري بالاستحسان من المؤسسات المالية الدولية، التي مارست ضغوطاً منذ 1997 بهدف إقناع الحكومة المصرية بتسريع عمليات بيع الشركات المملوكة للدولة التخصيص وإصلاح النظام المصرفي والمالي والضريبي وتقليص الدعم على السلع وتعويم العملة المصرية وتشجيع الاستثمار الأجنبي. إذ اصدر مصرف"مورغان ستانلي"الدولي تقريراً في الشهر الماضي أشاد فيه بأداء الاقتصاد المصري في 2005. وأشار التقرير الى ان"معدل التضخم في مصر انخفض من 11.2 في المئة في 2004 إلى 4.3 في المئة في تموز الماضي، كما ان سياسة تعويم الجنيه المصري أدت إلى زيادة الصادرات المصرية إلى الخارج في 2005". وأضاف التقرير ان"ارتفاع الصادرات المصرية أدى إلى زيادة احتياط مصر من العملة الصعبة بحدود 4.5 بليون دولار في السنة المذكورة، إذ أعلن محافظ البنك المركزي المصري فاروق العقدة ان الاحتياط الأجنبي وصل إلى 21 بليون دولار في 2005 في مقابل 15.9 بليون في العام السابق". وأشار التقرير إلى"ارتفاع معدل النمو الاقتصادي السنوي إلى 5.3 في المئة في الفصل الممتد من تموز إلى نهاية أيلول سبتمبر الماضي، في مقابل 4.3 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي". وأوضح الباحث"في مركز مصر الاقتصادي"محمد عطية ان"الاقتصاد المصري في 2005 شهد تطورات إيجابية كبيرة في مجالات الإصلاح الضريبي والجمركي وارتفاع الصادرات، إضافة إلى التسريع في وتيرة الخصخصة". وأضاف عطية قائلاً لپ"يونايتد برس انترناشونال"ان حكومة نظيف"جاءت لتطبق برنامجاً كان من المفترض ان ينتهي منذ سنوات"، لافتاً إلى ان"الحكومة تقوم بجهد طيب لتحرير الاقتصاد وتحسين أداء البيروقراطية وتوفير المناخ الملائم للاستثمار". وتابع عطية قائلاً ان"الأداء الاقتصادي المصري أصبح أكثر انسجاماً الآن، نظراً إلى ان التشكيلة الوزارية الجديدة منسجمة مع بعضها بعضاً، كما أن هناك إصراراً على اتباع الأسلوب الاقتصادي الليبرالي وليس المنطق السياسي المتردد الذي ساد سابقاً". الخصخصة واعتبر وزير الاستثمار محمود محيي الدين ان"حصيلة بيع الشركات والمؤسسات التابعة للدولة وصلت إلى نحو 9.1 بليون جنيه 1.6 بليون دولار حتى نهاية تموز الماضي"، في حين أعلنت الحكومة المصرية عن قرار بيع حصصها في 92 شركة قبل نهاية السنة المالية الحالية التي تختتم في حزيران يونيو 2006. إذ اتخذت حكومة نظيف خطوات مهمة في 2005 بهدف تفعيل برنامج إعادة هيكلة المصارف المصرية ، الذي يستهدف خفض عددها في السوق المصرية من 56 مصرفاً إلى ما بين 35 و37 مصرفاً، على ان ينجز البرنامج في الربع الأول من 2006. قانون ضريبي جديد واستكمالاً لخطة تطوير الاقتصاد المصري، أقر مجلس الشعب قانوناً جديداً للضرائب في حزيران الماضي، نص على خفض الرسوم الضريبية على صافي الأرباح السنوية للشركات والجمعيات التعاونية والمصارف والشركات الأجنبية حتى ان كان مركزها الرئيسي في الخارج إلى 20 في المئة، بعدما كانت تتراوح ما بين 22 في المئة للبعض منها و40 في المئة لمعظمها. كما وعد القانون بتقديم تسهيلات ضريبية وتحسين كفاية الجهاز الضريبي وتسوية المنازعات الضريبية. استمرار العجز في الموازنة وارتفاع الدين وعلى رغم أهمية هذه الإصلاحات، لا يزال بعض الاقتصاديين المصريين يشكون في قدرة الحكومة على التعامل مع المشاكل الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد المصري، إذ تفاقم العجز في موازنة السنة المالية 2004-2005 إلى 57.67 بليون جنيه نحو 9.9 بليون دولار، ومن المتوقع ان يتفاقم مجدداً مع عزم الدولة رفع مرتبات موظفي وعمال القطاع العام الذين يصلون إلى نحو 5.5 مليون شخص، في ظل غياب خطط واضحة لتقليل الدعم على السلع والخدمات التي تقدمها الدولة. كما ارتفع حجم الدين الخارجي والداخلي حيث وصل إلى أرقام"فلكية"في العام المالي المذكور ليصل إلى 599 بليون جنيه نحو 103.8 بليون دولار، أي نحو 119 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر. لكن المشكلة الأبرز هي ارتفاع معدلات البطالة، التي وفقاً لأرقام الحكومة بلغت 9.5 في المئة في 2005، فيما تشير تقديرات غير حكومية الى أنها تتراوح ما بين 22 في المئة و27 في المئة من أجمالي القوى العاملة المصرية نحو 26 مليون مواطن. واعتبر أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة سامر سليمان ان"الدولة المصرية ما زالت تفتقر إلى إرادة الرؤية السياسية الواضحة للإصلاح الاقتصادي"، مضيفاً لپ"يونايتد برس انترناشونال"ان مشاكل الاقتصاد المصري"عميقة جداً ولا يمكن حلها بمجرد إدخال بعض رجال الأعمال أعضاء في الحكومة، إنما يجب إحداث تغييرات في البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد". وتابع سليمان قائلاً ان حال الانتعاش الموجودة حالياً في الاقتصاد المصري"خادعة"، بسبب قيام الدولة بإنفاق مئات الملايين من الجنيهات على الحملات الانتخابية التي جرت في أيلول وكانون الأول ديسمبر 2005. وأوضح ان"جذب الاستثمارات الأجنبية الكبيرة إلى مصر يتطلب توفير مناخ سياسي مستقر. فنحن حتى هذه اللحظة لا نعرف من سيخلف الرئيس حسني مبارك بعد وفاته، ولا توجد آلية سياسية مستقرة تخبرنا بذلك". واختتم سليمان قائلاً ان"أحد مطالب الاستثمار الرئيسة هو محاربة الفساد وتطوير أداء البيروقراطية، في حين لا توجد مؤشرات حقيقية بأن النظام يقوم بها".