قبل أعوام جمعتني جلسة الى الكاتب التركي أورهان باموك والمستشرقة الألمانية الراحلة آنا ماري شيمل التي قدمته في أمسية أدبية بمناسبة صدور الترجمة الألمانية لروايته:"اسمي أحمر"، اضافة الى مجموعة من الأصدقاء الألمان والعرب والأكراد. أخبرني الكاتب التركي انه لم يشاهد ولو نسخة واحدة من الترجمات العربية الكثيرة غير المأذونة لرواياته، وعلى رغم الوعود التي تسلمها من هنا وهناك إلا انها بقيت وعوداً فقط. أما المستشرقة الألمانية المعروفة فقد شكت لي ان اصدقاءها العرب لم يهتموا بترجمة كتبها الى العربية، فقط"ترجمة هزيلة"لبعض محاولاتها الشعرية المبكرة، تصوّر! باموك حدثني آنذاك عن روايته التي ستصدر قريباً وهي رواية حظيت بالاهتمام الواسع في اللغات الأوروبية، وطبعتها التركية الأولى التي صدرت قبل عامين تقريباً كانت في حدود 100 ألف نسخة بيعت كلها خلال فترة قصيرة، واتفقنا على نشر ترجمتها العربية الرواية هي:"ثلج"وقد صدرت ترجمتها العربية أخيراً عن منشورات الجمل. ولكن الكاتب التركي أصر"ليلتها، حينما علم بوجود نسخ من الترجمات العربية المقرصنة من رواياته في مكتبتي، على مرافقتي الى بيتي لكي يصادرها أخوياً من مكتبتي... وافقت عن طيبة خاطر. بينما اكتفيت مع المستشرقة الألمانية الراحلة آنا ماري شيمل على خط لترجمة بعض كتبها الى العربية، وبناء على رغبتها بدأنا بترجمة كتابها:"أحلام الخليفة"الذي صدرت ترجمته العربية أيضاً في هذه الأيام، على أن تصدر بقية كتبها الأخرى تباعاً في الأشهر أو السنوات المقبلة. لكن في ما بعد، وحينما كنت أسير في بغداد، في شارع المتنبي تحديداً، فكرت في المصير الذي ينتظر هذه الكتب الجميلة حينما تصدر ترجمتها العربية، فقد كان عليّ أن أرى عدداً من الكتب التي نشرتها معروضة بطبعات مزورة تختلف في جودتها، لكنها تتوحد بأسعارها الزهيدة، فالكتب التي جرى تزويرها في إيران تضاهي في الطباعة والتجليد الطبعات الأصلية، أما التي تُزور في العراق، الأردن، سورية وحتى لبنان، فهي مختلفة وأكثرها بائس. كل هذه الطبعات والمؤلف لا يدري والناشر لا يعلم... ولم يكن حتى بإمكاني حمل نسخ شخصية من هذه الطبعات المزورة أو الاضافية والتي تحمل أسماء مؤلفين كمعروف الرصافي:"الشخصية المحمدية"، رشيد الخيون:"الأديان والمذاهب بالعراق"، مهدي حيدر:"عالم صدام حسين"، سلام عبّود:"ثقافة العنف في العراق"، هاينس هالم:"الغنوصية في الاسلام"، وحتى رواية ألمانية جيدة، ولكنها بالكاد تبيع هي:"دماغ لينين"من تأليف تيلمان شبنغلر وقد ترجمها الشاعر فاضل العزاوي. المزوّر الأول في بغداد، مثلما في بقية البلدان العربية، هو صاحب الحق الأصلي في النشر، أي في التزوير... أي انه يحلّ محل الناشر الأصلي في بغداد ولا يحق بالتالي لأي كان منافسته في نشر الكتاب... ولا حتى وزير الثقافة العراقي الحالي، على رغم انه ضابط شرطة متقاعد... أصحاب المكتبات في حيرة من أمرهم اليوم، خصوصاً بعد تفجير مكتبة من إحدى مكتبات شارع المتنبي... فمقهى الشابندر أخذت تغلق أبوابها يوم الجمعة عندما يلتمّ شمل الكاتب والقارئ والمهتم لأي سبب كان بالكتاب، خوفاً من عملية تفجير لا تعرف مصدرها، فأعمال"المقاومة الشريفة"لا تستثني أحداً من عمليات القتل، خصوصاً الكتاب وأصحاب الكتاب، حتى لو كانوا من المزورين! الكتاب الحي يسلك الى بغداد جميع الطرق، يرسله الناشر، يشتريه صاحب المكتبة، يقتنيه القارئ والمزوّر، يتنقل من هنا الى هناك، لكي يشكل للقارئ العراقي المهموم لحظات سعادة لا تضاهى، في لحظاته الأساسية والنادرة ربما، خصوصاً حينما يحل الظلام وتكون الكهرباء صدفة، حاضرة كعروس قراءة واكتشاف وسفر وتوهم بعالم بلا قتلة... لكن هذا الأمر يتطلب أيضاً قانوناً وحماة له، قانوناً لحقوق الملكية الفكرية في العراق الموجود على الورق كما أعتقد في أروقة وزارة الثقافة العراقية، لكنه متروك هناك لغاية في نفس أحد ما، أحد ما، لا نعرفه حقاً.