أصبحت الحاسبات الشخصية وتكنولوجيا الاتصالات تشكل عنصراً أساسياً لممارسة حياتنا اليومية. وعلى رغم ذلك، تجد ان فئة لا بأس بها من الافراد لا يمكنهم الحصول على هذه التكنولوجيا لأسباب عدة. وهذا ما يطلق عليه الفجوة الرقمية Digital Divide. وقد أخذت هذه الفجوة تتفاقم عالمياً، وخصوصاً على مستوى العالم العربي. ويرجع هذا الامر لأسباب عدة، منها التطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات، وبرامج التنمية الاقتصادية غير المتوازنة، وتفاوت معدلات الدخول بين الافراد، ووجود المناطق النائية والمهمشة. فطبقاً لاحصاءات عام 2005، نجد ان معدل مستخدمي الانترنت في الشرق الاوسط 8.3 في المئة، في افريقيا 1.8، وفي أوروبا 48 في المئة، والمتوسط العالمي 14.6 في المئة. وربما تساهم هذه الفجوة في ظهور نوع جديد من الفقر هو"الفقر المعلوماتي". ولذا، فمن المتوقع ان تزداد الفجوة أكثر فأكثر بين من لديهم القدرة على الحصول على تكنولوجيا المعلومات ومن ليست لديهم القدرة على ذلك. وتولي مجموعة من الدول والمنظمات الدولية والمحلية هذه القضية اهتماماً كبيراً. وقد شرعت اليابان أخيراً في مبادرة بناء"اليابان الالكترونية"e-japan. ويهدف هذا المشروع الى بناء مجتمع قائم على تكنولوجيا المعلومات، بحيث يكون لجميع افراده القدرة على الحصول على خدمات الانترنت. وعلى الجانب الآخر نجد ان الاتحاد الاوروبي قرر بناء مجتمع اوروبي قائم على انتشار المعرفة. لذلك قامت"وكالة الفضاء الأوروبية" European Space Agency ، واختصاراً"ايزا"ESA بالاستثمار في تكنولوجيا الاتصالات من طريق الاقمار الاصطناعية للمساهمة في هذا المشروع. وفي بريطانيا، أعلنت حكومة توني بلير انها ستنتهي من نشر الانترنت في مدارس بريطانيا كافة، بحلول عام 2006 ، بهدف سد الفجوة التكنولوجية التي تفصلها عن بلدان اكثر تقدماً مثل الولاياتالمتحدة. المشهد العربي في الفجوة الرقمية ان العالم العربي سيتخلف كثيراً عن ركب التقدم اذا لم يضع هذه القضية على سلّم الأولويات القومية ويشرع العمل على سد هذه الفجوة التكنولوجية. فمثلاً نجد النقاط الساخنة hotspots، وهي امكنة تحتوي على شبكات للاتصال اللاسلكي مع الانترنت عبر تقنية"واي-فاي"wifi في المقاهي والمطارات والمطاعم والمكتبات العامة منتشرة كثيراً في دول العالم المتقدم. ويعمد البعض الى تقديمها مجاناً، كوسيلة لجذب الزبائن. وقد حان الوقت لأن تعطي الدول العربية أولوية لهذه القضية القومية الكبرى لما لها من آثار ايجابية عظيمة على التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي المتواصل. ولحسن الحظ، فإن الارتفاع الراهن لاسعار البترول يمكن ان يسهم في تمويل هذا المشروع العملاق والاستثمار البشري المهم. وإضافة الى ذلك، فإن توافر الموارد الطبيعية مثل البترول والمعادن وعوامل الجذب السياحي عربياً، في امكانه ان يكون حافزاً للتقدم في نشر تكنولوجيا المعلومات. ومثلاً، تسهل الطبيعة العالمية لشركات البترول والتعدين وارتفاع مدخولاتها وامتدادها في الصحارى، تمويل شبكات الاتصالات الرقمية المتنوعة. ويساهم هذه الامر في بناء مجتمع عربي قائم على المعرفة، بدل الاستمرار في الاعتماد على الاصول العينية. فعلى رغم ان ثلثي الاستهلاك العالمي للبترول يأتي من المنطقة، نجد ان 6 دول عربية فقط تصنف على انها دول غنية طبقاً للمعايير الدولية. وذلك في حين ان 50 في المئة من الناتج القومي في الدول الاكثر تقدماً يأتي من تطوير تكنولوجيا المعلومات وتوزيعها. ومن المتوقع ان يكون الاقتصاد المثالي في المستقبل هو القائم على المعرفة. وفي مثال بارز، تبدو الحكومة الماليزية على وعي بأن محرك الاقتصاد هو التعليم وتكنولوجيا المعلومات، ولذا فقد جعلتها اساساً في السمات التنافسية للاقتصاد الماليزي. وتعي بعض الدول العربية، مثل الامارات العربية المتحدة والمملكة السعودية، أهمية هذه القضية أيضاً. وتستثمر في هذا المجال. وقد عملت الامارات على جعل دبي واحة التكنولوجيا والتجارة الالكترونية في المنطقة. الاقمار الاصطناعية حلاً ان ضعف الكثافة السكانية عموماً في الدول العربية، إما بسبب الصحارى الواسعة، او الجبال او الغابات في اقصى الشمال والجنوب العربي، يجعل من الصعب مد شبكات الاتصالات الارضية لتغطية هذه المناطق. ولحسن الحظ، فإن الاقمار الاصطناعية يمكنها مد هذه المناطق النائية بخدمات المحمول والتلفزيون والانترنت الفائق السرعة وغيرها من الخدمات اللاسلكية، وذلك بأسعار معقولة نسبياً. ويبقى على العرب التعاون في ما بينهم والاستثمار في هذا المجال طبقاً لرؤية واضحة واستراتيجية مشتركة. وبخلاف الدول الاوروبية، تتوافر بين الدول العربية عوامل عدة مشتركة تحفز على التعاون في هذا المجال، منها الدين واللغة والثقافة والجغرافيا. ويمكن تلك العوامل ان تُسهّل بناء عالم عربي منسجم، قائم على المعرفة وقابل للنمو والتطور. ان الاندماج المعرفي والاجتماعي والثقافي والسياسي من طريق شبكة اتصالات موحدة سيسهم في حل مشكلات المناطق المهمشة والمشكلات العرقية في دول مثل العراق وسورية والسودان وليبيا والجزائر والمغرب. وبالطبع، الاتصال المعرفي يحدُّ من مشكلة التطرف ويعمق الحريات والديموقراطية في المنطقة. * باحث مصري، أكاديمي في تكنولوجيا المعلومات.