"ترنيمة الفضاء"عنوان المعرض الذي اقامه الفنان التشكيلي العراقي حسن عبود في غاليري"زمان"الحمراء - شارع السادات، شكل الإطلالة الأولى له في بيروت، بعد معارضه الفردية التي أقامها في هولندا - مقر إقامته - ومشاركاته في الكثير من البينالات العربية والدولية في الامارات العربية وألمانيا وباريس والنروج وروما. عشرون لوحة زيتيات وأكريليك تتميز بانحيازها إلى المناخات التجريدية الصافية التي تعتمد على قوة الايهامات اللونية والتآليف البسيطة في آن واحد. تبدأ اللوحة من مرحلة التأسيس للطبقات والعجائن اللونية التي تتعاقب في معالجة المساحة المسكونة بالتأويلات. فالمساحة هي المعنى الآخر للفضاء السديمي المأهول بالنور والظلمة والحرارة والبرودة في نوع من العلاقات التي تبوح بحال من الصراع. لكأنه صراع وجودي يسعى دوماً للتحقق، لذلك يحرّض العين على الاستنباط والتقصي بحثاً عن التناغم الخفي الذي يلف اللوحة بشاعرية خاصة. فالتجريد في اسلوب الرسام والحفار حسن عبود، هو ليس فيض ألوان فحسب، بل هو فعل تجريب على المستوى التقني والبصري. فألوان الأرض تكاد تهيمن على مخيلة الرسام الذي ينتقي مفرداته اللونية بعناية نابعة من الضرورة في تلقائية التعبير العاطفي المتلبس حلة التجريد. لذلك تبدو قائمة ألوانه محدودة اكثر منها متشعبة، وهي كثيراً ما تميل إلى تنويعات البوح عن الكآبة بألوان الدكنة التي تذكر بظلمة ليالي الحروب. بخطوط بسيطة تتعارض وتتقاطع يتم الايحاء بوجود مكان. إنه المكان المفقود أو المبتسر إلى عناصر سرعان ما تتحول رمزاً كالباب والنافذة. فيظهر مربع لنافذة، أو شرفة معلقة في الفضاء أو واجهة مبنى محترق. فالبناء هو مجرد حافة خطرة محاطة بالفراغ. واحياناً يتراءى لديه تكوين خيمة منصوبة في السماء، وقد ازدانت بالنبات والثمار وزخارف الطيور، لكأنه غناء الليل الذي يتيه في الابهام. والانطواء هو صفة يمكن أن نطلقها على هذا التجريد الذي لا يكشف مناظره بل يغطيها ويأسر نجواها. ومن لوحة إلى لوحة يتكرر الغناء نفسه من فئات الألوان ذاتها مع تحولات مستجدة في المساحة. فترنيمات حسن عبود تشبه بعضها أو تكرر انغامها على أوتار قليلة في مسارها التعبيري. في تقاطعات الخطوط تبرز بعض الأشكال من مربعات ومستطيلات وخطوط أفقية ومثلثات وأقواس متعانقة على هيئة تلال. إن هي إلا اشكال مضمرة تنتسب الى جاذبية أرضية اكثر مما تنتسب إلى فضاء حر، غير أنها ركيزة أساسية في الاتجاه التجريدي الذي يبتعد من عقلانية الهندسة ليرتمي في الحلم. تتيح الأعمال المعروضة قراءتين: القراءة القريبة من السطح التصويري الذي يكشف عن تعبيرات شتى من التبصيمات والعجائن والتكتيل والتمشيط بغية ايجاد قماشة تحمل الآثار القوية للمادة اللونية والخامات التي تدخل في نسيج العمل ذي الملمس النافر، وما لذلك من تأثيرات بصرية وحدسية انفعالية، ولعل ذلك يعود إلى شخصية الحفار أكثر من شخصية الرسام والملون. والقراءة المشهدية البعيدة التي تتيحها التقنية في تلمس تعاقب المسطحات وما تنطوي عليه من ايهامات ضبابية وتدرجات للنبرات اللونية في التعبير عن الآفاق بشطحاتها النورانية أو تموجات الحقول الصلصالية والحطام اللوني الذي يقبع عند الافق أو يرتفع كسحابة تتداعى في الفضاء.