دائماً، كانت السينما العربية والتلفزة في ركابها لا تقترب من الاعمال الادبية الا بحذر يصل الى حد الخوف، انطلاقاً من فكرة تجارية، غير مكتوبة، تقول إن الادب يتوجه الى جمهور خاص، بينما تتوجه السينما الى الجمهور العام. وبين هذين الجمهورين اختلاف كبير في الذائقة وطبيعة التلقي. والخوف هنا هو القاسم المشترك بين السينمائيين والادباء، وسببه المسافة الغامضة بين المكتوب والمرئي، وتشمل المسافات المجزأة بين الاديب وكاتب السيناريو، وبين كاتب السيناريو والمخرج، وبين المخرج والمصور والمونتير، وصولاً الى المتلقي الذي لا يعرف كل التفاصيل المعقدة بين هؤلاء. وبسبب غموض هذه المسافة يمكن ان يصرخ الكاتب بغضب حين يرى عمله مصوراً في السينما والتلفزيون: هذه ليست روايتي، وقد ينسحب هذا الموقف على كاتب السيناريو وبعض الممثلين الذين يختصرهم، أو يحذفهم، المقص الذهبي للمونتاج، وقد عرفت من الدكتور عبدالسلام العجيلي أنه رفض مشاهدة فيلم"باسمة بين الدموع"المأخوذ من روايته الشهيرة، لأنه سمع عن هذا الفيلم ما يكفي للشعور بالخيبة، بسبب الفارق بين أناقة الحب في الكتابة، وسذاجته وسفاهته على الشاشة. ثمة هوامش عربية ضيقة، في حرية التعبير، ولكن شروطها تختلف بين التعامل مع الكتابة والتعامل مع السينما والتلفزيون، أو لغة شد الحبل بين المبدع - المنتج والرقيب، أو أجهزة الرقابة الاضافية، وفي مثل هذه الحالة فإن ما يمكن ان يكون مسموحاً في الكتابة قد لا يكون مسموحاً في العرض، إلا اذا كان هذا العمل السينمائي أو التلفزيوني موجهاً الى جمهور آخر، في المهرجانات، أو المحطات الفضائية الخارجية، فالمرجعيات الرقابية الجديدة منعت القبلات الانيقة التي كانت مألوفة في السينما المصرية مثلاً. ومن خلال التجارب غير الناجحة، عموماً، في نقل الاعمال الادبية العربية الى السينما أو الشاشة الصغيرة، يمكن ان نكتشف نوعاً من"التسطيح"، فالعمل الأدبي يأخذ قيمته وشهرته من عمقه، بينما يميل مخرجو الافلام والمسلسلات الى الابهار الذي يتحرك أفقياً، من دون عمق. وبين التصوير الحرفي للنص الادبي، أو الاعتماد على قطعة صغيرة من عموده الفقري، يظل التعامل السينمائي والتلفزيوني مع الاعمال الادبية العربية مثيراً لليأس أو الضحك، لما فيه من الحذف والاضافة، وقد لا نجد عزاء حينما نسمع رأياً لناقد سينمائي اجنبي يقول:"إن الأفلام المأخوذة عن أعمال ارنست هيمنغواي لا تحمل شيئاً من خصوصية الكاتب".