حينما قالت أصالة في إحدى مقابلتها:"قد تكون الراحلة ذكرى الوحيدة بين فنانات الصف الأول التي لم تقدم أي تنازلات فنية بغية تحقيق التوازن المطلوب بين فن أصيل وآخر ترويجي يحقق النجومية بمفهومها الراهن"، لم يعرف أحد أن أصالة كانت ترنو من وراء ذلك التصريح إلى عمل تضع فيه قناعتها الموسيقية قبل مصلحة السوق وما يطلبه الجمهور. منذ أيام، أصدرت أصالة ألبومها الأول مع شركة"روتانا"، الذي حمل عنوان"عادي". انتظر كثيرون من المتابعين في الوسط الفني عمل أصالة الجديد، فهو وكما صرّحت به سابقاً،"أكثر عمل يعكس نضجاً فنياً في مشوراها الطويل". تضمن الألبوم 8 أغنيات حملت توقيع شعراء وملحنين بعضهم يتعامل معها للمرة الأولى. وفي حين وعدت أصالة جمهورها بألبوم مختلف من ناحية المضمون والموسيقى، شكا بعضهم من ابتعادها عن أي تميز أو جديد. إلا أن ألبوم"عادي"حمل خطة استراتيجية تعتمدها أصالة بعد تغييرات كثيرة عاشتها المطربة على أكثر من صعيد. في الألبوم، ابتعاد عن المجازفة التي حاولت أن تنتهجها المطربة السورية منذ ألبوم"يا مجنون". وشكلت منذ ذلك الألبوم مع محمد ضياء، زوج شقيقتها السابق، ثنائياً لافتاً، قدما معاً"يا مجنون"،"يمين الله"،"مشتاقة"، لون عمري"، و"عاشت الأسامي"، وغيرها من الأعمال التي قدمت أصالة في أسلوب شبابي مختلف. غير أن"عادي"الذي وصفه بعضهم ب"أقلَ من عادي"، يستحق أكثر من وقفة، نظراً لأعمال مختلفة قدمتها أصالة، وبعثت من خلاله رسالة، عن تغييرات ربما يشهدها عالم الكاسيت في المستقبل القريب. لا يشبه ألبوم أصالة أعمالها السابقة أبداً، فالأغنيات المصرية المختارة تختلف تماماً عن أسلوبها المعتاد، والأسماء التي تعاونت معها قدمتها في شكل مختلف حيناً وكلاسيكياً عادياً في أحيان أخرى. انطلاقاً من أن المكتوب يقرأ من عنوانه، اختارت أصالة أن تبدأ عملها بأغنية"خليك شوية"التي كتبها هاني عبد الكريم ولحنها رياض الهمشري... تذكّر تلك الأغنية عبر نغمتها الطربية، بأغاني أصالة القديمة... أغنية رومانسية تبدو فيها فتاة مغرمة حديثاً، عبر إحساسها اللافت استطاعت أن تعطي الكلمة الخفيفة التي فقدت تميزها... صوراً شاعرية خفيفة أكسبتها أصالة عبر أداء صادق وإحساس دافئ ذاب مع النغمة الرومانسية الشرقية، الروح التي تطبع كل أعمال رياض الهمشري، حتى يخيل للمستمع أن المطربة تعيش قصة حب جديدة، أو إنها تتمنى أن تعيشها ولو حتى في مخيلتها، ف"الأمان في حضن الحبيب"، شعور تفتقده مع زوجها الذي طالما كانت علاقتها به متوترة. كما قدم لها الهمشري أغنية" شفت بعينيه"الرومانسية الكلاسيكية التي حملت أيضاً رسالة حب واضحة، طالبت فيها أصالة الحبيب بأن يقدم لمحبوبته الجديدة"ما حرمها منه". الأغنية الثانية في الألبوم هي"فين حبيبي"التي كتبها محمد جمعة ولحنها محمد ضياء الذي عادت أصالة إليه بعد إعلانها المتكرر عن انقطاع التعاون بسبب الطلاق الذي حصل بينه وبين شقيقتها. إلا أن أصالة، أدركت، انها لا تستطيع أن تبقى بعيدة من التميّز الذي يقدمه محمد ضياء، والخصوصية التي يطبع فيها أسلوبها الغنائي."فين حبيب"هي الأغنية الإيقاعية الوحيدة التي تحاكي موجة الأغنية الشبابية، وربما هذا هو سبب اختيار أصالة لتصويرها على طريقة الفيديو كليب مع طارق العريان الذي تعود إليه أيضاً بعد غياب. في الألبوم، خطوة جديدة اعتمدتها أصالة مع الملحن المصري الشاب محمد يحيى الذي قدم لها أغنيتين هما"أقولك بحبك"، و"عايز تبعد". قد تكون الأغنيتان من أجمل ما غنّت أصالة في العمل. بدت مختلفة، خصوصاً من ناحية المواضيع التي طرحها الشاعر محمد ضياء الدين... بدت نادمة، عاتبة، معذّبة. كما خدم اللحنان قوة صوت أصالة التي لا تضعف. عرفت عبر تموجات ذلك الصوت أن تلعب على اللحن فجاء صوتها أقوى من اللحن، علماً أن ذلك الأداء جمع النقاوة والعذوبة والقوة في آن. وفي حين جاءت"أقول احبك"رومانسية من الطراز الأول، حملت"عايز تبعد"نغمة طربية شعبية جميلة. في أغنية"الهوى"التي كتبها عاصم حسين ولحنها وليد فايد، تبدو أصالة مراهقة. اختلف أداؤها في الأغنية الشعبية، فخرجت من الجو الكلاسيكي لتغني مفردات شعبية قلّما قدمتها في السابق مثل"الله يجازي الهوى قادر عليا". ربما تكون"عادي"الأغنية الأضعف في الألبوم. فالعمل الذي حمل توقيعي بهاء الدين محمد وصلاح الشرنوبي جاء بالفعل عادياً. كما ان اللحن يشبه في بعض المقاطع أغنية الشرنوبي التي غنتها لطيفة"واضح". كما قدمت أصالة أغنية"آسفة"التي كتبها هاني عبد الكريم ولحنها وليد سعد. لم تحمل الأغنية أي جديد، فهي تشبه أسلوب وليد سعد الذي اشتهر به أخيراً خصوصاً مع تلك الأعمال التي غنتها شيرين عبد الوهاب. في النهاية قد يبتعد العمل عن المفهوم الترويجي، وستنتظر صاحبة الحنجرة الذهبية فترة لا بأس بها قبل أن يحكم الجمهور على أغان متميزة، إلا أن"عادي"جاء مناسباً لتلك التموجات التي تميّز صوتها وقدرتها على التحكم في طبقاته. كما ان استخدامها البحة الاستثنائية أعطى الأغنيات طابعاً خاصاً. أصالة التي تعرف جيداً أن صوتها العذب الذي يغني النغم الصحيح ويعطي عِرَباً ميزتها بنكهة خاصة، قدمت ألبوماً خالياً من اللهجة الخليجية أو تلك الشامية التي ضمتها ألبوماتها السابقة، تعرف دوماً كيف تحافظ على صورتها وذائقة الجمهور ورصيدها الفني جيداً.