بدت"مهرجانات بيت الدين"هذا العام أكثر تظاهرات الصيف اللبنانيّة جماسة، واصراراً على اعلان برنامجها لهذا الصيف، في غمرة الانتخابات النيابية اللبنانيّة وصخبها. وكان موعد المؤتمر الصحافي الذي دعت إليه السيدة نورا جنبلاط أجهض بعد اعلان نبأ اغتيال الزميل سمير قصير في الصبيحة نفسها الأسبوع الماضي. لكنّ بعض الصحف المحليّة سارعت الى نشر البرنامج، تاركة المهرجانات الأخرى في حيرتها وترددها، معلّقة المصير، أو في انتظار اعلان نتائج الانتخابات. ففي هذه الايام تكون مهرجانات بيبلوس قد أعلنت برنامجها، ومثلها بعلبك التي يتزامن مؤتمرها الصحافي مع بيت الدين عادة... وكذلك صور ودير القمر وطرابلس وكلّها هذا العام ما زالت تنتظر مصيرها، خلف ستارة كثيفة من التشويق وعدم الاستقرار. برنامج بيت الدين هذا العام يشتمل على ستة عروض، منوّعة، موزّعة بين شرق وغرب... مع تمسّك بالخيارات الموثوقة والمضمونة النجاح من خلال عودة المطرب كاظم الساهر الى جمهوره، هو الذي صار من روّاد القصر الشهير الذي بناه الأمير بشير الشهابي الثاني الكبير في قلب الشوف، خلال القرن التاسع عشر. أول عروض هذا الصيف في السابع من تموز يوليو حفلة يحييها الموسيقي العالمي، رافي شانكار سفير الموسيقى الهنديّة وعازف السيتار الشهير الذي ترافقه ابنته أنوشكا، تتمع موسيقاه بشعبية في العالم العربي، وبعد عائلة شانكار بعشرة أيّام، يأتي دور موسيقى الريغي المطعّمة بايقاعات البوب ومذاقاتها، مع فرقة UB 40 الأميركيّة التي تعمل مع موسيقيين من جامايكا، مسقط رأس بوب مارلي ومعقل موسيقى ال Reggae. ولعلّ هذه الحفلة ستستقطب جمهوراً من الشبان الذين تركوا وراءهم"ساحة الحريّة"، وشهدوا انهيار أوّل أوهامهم. ثم يأتي دور نجم الأغنية العربيّة كلظم الساهر الذي سيجذب الى بيت الدين جمهوراً ذا أغلبيّة نسائية طاغية 03/ 7. ثم يتألق القصر بحفلة فلامنكو تحييها الفنانة الاسبانية سارة باراس، ابنة الراقصة الشهيرة كونشا باراس التي ألهبت خشبات العالم برقصها الحيوي، المتوتّر، الرومنسي والنزق، وسارة مسكونة بعالم لوركا المسرحي والشعري، تقمّصت شخصياتها واستوحتها في أعمالها، وهي تقدّم هذا الصيف آخر اعمالها وهو بعنوان"أحلام، وسيكون لجمهور مهرجانات الصيف اللبنانية هذا العام موعد مع موسيقى الجاز، متمثّلة بأحد رموزها الكبار، وهو شيك كوريا الآتي من جوار مايلز ديفيس في بداياته... إلى عالم ال electronic fusion. لكنّ الفنان الذي سبق له أن عمل مع هيربي هانكوك، يراهن كدأبه دائماً على اختراق الحدود بين الانواع والاتجاهات. وهو عاد بعد مرحلة"كهربائية"طالت الى العزف على البيانو الأموستيك الصوتي، إن ما يقود كوريا في حريّة العزف، وطلاقة الابداع التي طالما شكهلت روح موسيقى الجاز وجوهرها الأوّل. وسيكون مسك الختام هذا العام في بيت الدين الفنان اللبناني الملتزم مارسيل خليفة الذي احتفلت به اليونيسكو أول من أمس في باريس سفيراً للسلام راجع المقال في مكان آخر من الصفحة، والذي سيكون أيضاً من نجوم قرطاج هذا الصيف في تونس، وتترك برمجة بيت الدين هذا الصيف شعوراً بوجود نقص ما، انطباعً غامضاً بأننا ابتعدنا قليلاً عن الذروة الفنية والاستعراضيّة التي عرفها في السنوات الماضية... ولا شكّ في أن الأوضاع السياسية التي شهدها لبنان منذ فبراير الماضي، ليست غريبة عن هذا اللجم، الذي لا يجوز أن ننعته بالتراجع. فكل تظاهرة فنيّة في لبنان اليوم، هي شكل من أشكال المقاومة!