أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    الطائرة الإغاثية ال20 تغادر الرياض ضمن الجسر الجوي السعودي لمساعدة الشعب اللبناني    سعود بن جلوي يشرف زواج النفيعي والماجد    "منشآت" و "كاوست" يوقعان مذكرة تفاهم لدعم وتمكين رواد الأعمال    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    «الإحصاء»: ارتفاع عدد ركاب السكك الحديدية 33% والنقل العام 176%    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة على عدد من المناطق    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    الإعلام السعودي.. أدوار متقدمة    المريد ماذا يريد؟    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    البنوك المركزية بين الاستقلالية والتدخل الحكومي    234.92 مليار ريال قيمة ترسية المشاريع    القبض على مخالفين ومقيم روجوا 8.6 كيلو كوكايين في جدة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    السينما السعودية.. شغف الماضي وأفق المستقبل    اللسان العربي في خطر    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    الجلوس المطوّل.. خطر جديد على صحة جيل الألفية    القابلة الأجنبية في برامج الواقع العربية    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    العين الإماراتي يقيل كريسبو    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    «الجناح السعودي في اليونسكو» يتيح للعالم فرصة التعرف على ثقافة الإبل    ليل عروس الشمال    التعاطي مع الواقع    «متمم» يناقش التحوُّط المالي في المنشآت التجارية    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    وزير الحرس يحضر عرضًا عسكريًا لأنظمة وأسلحة وزارة الدفاع الكورية    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    محافظ الطائف يعقد اجتماع مجلس اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    أمير تبوك يستقبل القنصل الإندونيسي    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع المفكر الفرنسي ادغار موران عن قضايا العالم العربي اليوم . ادغار موران : ايجابيات في الديموقراطية الأميركية والسياسة الانسانية أنجح من الحروب
نشر في الحياة يوم 19 - 06 - 2005

في الخامسة والثمانين من عمره ما زال الفيلسوف الفرنسي ادغار موران في اوج نشاطه الفكري والسياسي. فبعد صدور الجزء الخامس والاخير من كتابه"الطريقة"في شهر كانون الاول ديسمبر الماضي والمعنون"الأخلاق"عن دار سوي الفرنسية، يكون الفيلسوف الفرنسي أنجر عرض منهجه الفلسفي الذي صرف له اكثر من ستة عقود من حياته.
مؤسس الفكر التركيبي ما زال فاعلاً في المشهد الفكري في فرنسا والغرب عموماً، فلا يمر شهر من دون ان يلقي محاضرة في جامعة أو مؤسسة ثقافية فرنسية أو اميركية أو اميركية - لاتينية حيث يشق فكره طريقه في الاوساط الشبابية خصوصاً.
حتى اليوم، لم تهدأ بعد الضجة التي أثارها في العام الماضي عبر مقالته في"لوموند"عن القضية الفلسطينية والمعنونة"السرطان"ويدافع فيها عن الحقوق المشروعة للفلسطينيين وحقهم في دولة مستقلة. لم يهدأ بعد النقاش الذي قسم الكثير من المثقفين الفرنسيين بين مدافعين عنه ومهاجمين، فبعد الحكم ببراءته عادت محكمة التمييز لتحكم بإدانته، قبل اسبوعين، بتهم التحريض والعداء للسامية. والقضية بين يدي الاستئناف حتى ساعة هذا الحوار الذي أجراه جبار ياسين، ويتناول فيه ادغار موران فلسطين والعراق والارهاب وصورة الديموقراطية الاميركية.
منذ أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 يبدو ان العالم قد تغير دفعة واحدة. في زمن قياسي شهدنا حربين: حرب افغانستان التي أسقطت نظام طالبان وحرب العراق التي أسقطت صدام حسين ونظامه. اليوم هناك حرب، لها سمات حرب عالمية تدور رحاها ضد الارهاب شرقاً وغرب خصوصاً في آسيا الاسلامية. هل ستغير هذه الحرب المفاهيم وخرائط الدول في مناطقنا كما غيرت الحروب الكبرى حدود أوروبا ومفاهيم الدول وشؤون الحكم؟
- صحيح، ينبغي التفكير بالتحولات الكبرى التي أعقبت الحربين العالميتين في القرن الماضي والتي كانت نتائج لهذين الحربين المدمرتين. تحولات بطيئة لكنها اخذت مستويات عالمية. فالحربان مستا مصائر ملايين من البشر، مدنيين وعسكريين. ما يحدث اليوم له طابع يختلف كلياً عن سياقات الحرب العالمية الثانية مثلاً، ولا يعرف احد المسار الذي ستتخذه"الحرب على الارهاب"هذه؟ ما الذي يبذره واقع اليوم؟ الأمر يبدو مثل صخرة تنحت وجوهها بطرق مختلفة. من جهة هناك ما يمكن ان نسميه الحرب الدينية حيث قوى اسلامية اصولية ترفع راية تحد كبير، موجهة اولاً وفي شكل خاص ضد الغرب ذوي الغالبية المسيحية، وفي الوقت نفسه ضد الانظمة الحالية التي تحكم في العالم الاسلامي، وكذلك ضد القوة الاكثر هيمنة اليوم في العالم ممثلة بالولايات المتحدة الاميركية. هذه الاخيرة ردت بقوة عبر شن الحرب على افغانستان طالبان ثم عبر ما سميناه حرب العراق.
بداية، لا بد من القول ان الرئيس الاميركي بوش تحدث في رد فعله الاول عن حرب صليبية لم يعد يستخدم هذه المفردة، ثم بعد ذلك تحدث في نسخة محورة منه نسميها بوش الثاني عن"حرب ضد الارهاب". نحن نعلم ان الارهاب الذي يقصده ذو أصول عربية اسلامية شئنا أم أبينا. ليس هذا فحسب بل اننا نعلم ان الرئيس بوش محمول بموجة المحافظين الجدد سياسياً ودينياً. سواء صرح بهذا أم لا، فهناك ملامح لحرب ذات طابع ديني. في هذه الحرب هناك ايضاً صراع حضاري بالمعنى الذي قال به هنتنغتون. لا يغيب عنا ان كل ديانة كبرى هي نسق حضاري مختلف. في تصريحات بوش، بنسخته المحورة، هناك تغيير للمفردات، اذ انه صار يتحدث لاحقاً عن"الحرب من اجل الحرية والديموقراطية". اعتقد ان هناك غموضاً اول هو غموض اساسي في التفكير الاميركي. فالولايات المتحدة الاميركية لا يمكنها ان تفكر بطريقة عادلة، إذ تمثل طريقة في التفكير في غاية التناقض. فهي من جانب نموذج ديموقراطي نادر على رغم كل نواقص الديموقراطية وحدودها، وهي في هذا التحديد تتجاوز الديموقراطية الفرنسية. لنأخذ مثلاً قضية الرئيس الاسبق نيكسون وفضيحة ووترغيت التي أسقطته أو النقد الذي ووجهت به حرب فيتنام.
فضيحة سجن أبو غريب ودور الصحافة الاميركية في الاعلان عنه نموذج من ايامنا هذه.
- بالضبط. فالممارسات اللاأخلاقية وتعذيب السجناء فضحتها الصحافة الاميركية قبل غيرها، وهذا تقليد اميركي يشهد له في السياسة الاميركية. في فرنسا هناك تقليد بإخفاء هذه الامور لزمن طويل. هناك ايجابيات كثيرة في الديموقراطية الاميركية على رغم العنصرية الجوهرية القائمة في المجتمع الاميركي. لكن على رغم هذه التناقضات فهناك أميركيون سود في مؤسسات القرار الاميركي. انه مجتمع قادر على تأصيل عناصر في غاية الاختلاف قادمة من جذور عرقية متعددة. لكن الولايات المتحدة تبقى قوة طامحة الى الهيمنة، وهي قوة على رغم حربها على الانظمة الشمولية خلال الحرب الباردة فقد ساندت انقلابات وديكتاتوريات كثيرة في تشيلي وغيرها، خصوصاً في القارة الاميركية اللاتينية التي تعتبرها الولايات المتحدة أشبه بملكية خاصة.
لكن، ما هو أكيد أن نهاية الحرب الباردة قادت الى تحولات نحو الديموقراطية في القارة الاميركية اللاتينية بمساندة اميركية أو على الاقل بسياسة عدم اعتراض. ما يتعلق بالحرب الدائرة اليوم وانطلاقاً من الحال العراقية هناك غموض ما. الحرب أعلنت بأعذار اتضح زيفها، أكاذيب من الطراز الاول لكنها قادت الى نتيجة ايجابية هي اسقاط نظام صدام حسين، أكثر الانظمة دموية ورعباً، ولولا هذا التدخل العسكري لبقي هذا النظام سنوات اخرى طويلة. المشكلة ان اسقاط نظام صدام لم يفض فقط الى عملية التعريف بالمكونات العراقية الكثيرة من عرب وكرد وتركمان... الخ ليقود الى ما هو طبيعي في حال كهذه، نحو عقد فيديرالي، انما خلق حالاً من الفوضى، وفي شكل خاص أزكى التيارات التي تريد الصراع مع الولايات المتحدة بكل الوسائل. في شكل آخر لم يتمكن الأميركيون من اقرار حال سلم على رغم دعمهم لتطورات نحو الديموقراطية.
هناك ارث ثلاثة عقود من العنف كما ان حال دول قريبة من العراق مزرية على صعيد الديموقراطية...
- المشكلة ان الولايات المتحدة بطريقتها بتصفية العنف مهدت لعنف أكبر تمثل في نشاط فصائل قريبة من منظمة القاعدة في العراق. فالحلول العسكرية والبوليسية العنيفة الموجهة لمقارعة الارهاب تقود الى تشجيعه أحياناً. انها ظاهرة عامة. فعبر التاريخ نجد أمثلة كثيرة للعنف والعنف المضاد، كما في فرنسا ايام الاحتلال النازي أو فلسطين حيث القوى الانتحارية بمواجهة القمع الاسرائيلي العنيف في السنوات الاخيرة. أعتقد ان هناك خطأ استراتيجياً اساسياً يتعلق بالمنطقة برمتها يتمثل في عدم فهم ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني له تأثير رمزي وسياسي بالغ الاهمية. اهمية رمزية لأننا حين نرى دولة صغيرة، يهودية، في غاية القوة وأعني اسرائيل تساندها الولايات المتحدة وبصورة عامة دول الغرب، هذه الدولة تقمع الشعب الفلسطيني بالطرق التي نعرفها، فإن مشاعر غضب تنتابنا حينما نقع على منطق لا عادل حينما يتعلق الامر بالفلسطينيين. اعادة النظر في هذا المنطق ضرورية، اذ ينبغي اعطاء جوهر انساني للمشكلة الفلسطينية. الاعتراف بالدولة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في قطاع لا يتعدى 22 في المئة من فلسطين التاريخية يبدو كحد ادنى للاعتراف بحقوق هذا الشعب. هذه الخطوة سيكون لها أثر وصدى كبيران ليس في العالمين العربي والاسلامي فحسب، انما في العالم كله. فذلك يعني اننا قادرون على حل مشكلة الشعب الفلسطيني وقادرون على ممارسة ضغط على اسرائيل وخصوصاً في ما يتعلق بالولايات المتحدة الاميركية. تلك قضية جوهرية اليوم.
إذاً قضية الديموقراطية في العراق مرتبطة بحل مشكلة الدولة الفلسطينية؟
- نحن اليوم في مرحلة بالغة التعقيد في منطقة الشرق الاوسط. انت تعلم انني كنت معارضاً للحرب على العراق. كنا معاً خلال تلك الايام وكنت تطلعني يوماً بيوم على مجرى الاحداث من داخل العراق. اليوم ارى ان النتائج ليست كلها طيبة في ما يتعلق بمجرى الاحداث في بلادك. لكن فكرة دمقرطة الشرق الاوسط بالصيغة الرسمية التي يطرحها الرئيس بوش تبدو لي غير مقنعة وإن كانت ايجابية في مدى ما. وأرى ان ضغوطاً هنا وهناك في المنطقة بهذا الاتجاه تبدو ايجابية، الضغط على سورية مثلاً حينما يتعلق الامر بلبنان واحترام الحريات السياسية في هذا البلد.
إذاً فإن المشروع الاميركي بدمقرطة الشرق الاوسط يبدو مقبولاً؟
- بشرط القبول كلياً بحقوق الشعب الفلسطيني وآماله. فمتى أبقي هذا السرطان في المشروع العام للديموقراطية فليس هناك من حل نهائي. دمقرطة المنطقة تبدو مشروعاً لفظياً اليوم. لكن المشروع بعمومه يبدو ضرورياً على رغم اصطدامه بعقبات. فالأنظمة في المنطقة متحفظة ازاء الديموقراطية، والديموقراطيون الوحيدون هم الفلسطينيون الذين تضطهدهم إسرائيل.
في العراق ايضاً ثمة خطوات نحو الديموقراطية.
- نعم وفي ظروف صعبة. هذا غير واضح للكثيرين. تصور اننا نعرف في فرنسا الدور الاميركي المهم في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، لكننا اليوم حينما نرى اختلاف المواقف والطلاق الحاصل بين الاوربيين انفسهم والاميركيين من جهة اخرى نفاجأ. هناك دول مثل بولندا ورومانيا وأكثر البلدان التي كانت تحت الهيمنة السوفياتية ترى في الولايات المتحدة صورة للحرية. ينبغي الاعتراف ان دول أوروبا الغربية، وخلال ايام الحرب الباردة، كانت لها مواقف خجولة تجاه الاتحاد السوفياتي. خلال حرب يوغوسلافيا لم يكن لأوروبا من دور مهم في حل النزاع. بينما ساهمت الولايات المتحدة بدور مهم في حل النزاع بما مهد للاعتراف بدولة البوسنة. نستطيع القول ان قوة مسيحية وللمرة الأولى لعبت دوراً من أجل ولادة دولة اسلامية، على الأقل ذات تركيبة ثقافية اسلامية. حدث هذا في البوسنة وفي كوسوفو. هذا يعود بنا الى تكرار ان العقلية الاميركية معقدة، ولا ننسى ان هناك ارثاً ديموقراطياً مهماً في هذا الصقع من العالم. لكن هذا يتعارض مع رغبات الهيمنة السائدة التي تحكم الذهنية الاميركية ويتعارض مع الوسائل العنيفة المقترحة في الحرب على الارهاب والتي تقتضي، بحسب رأيي، اجتراح وسائل سياسية مناسبة.
ما يشغلني هو التطرف الذي يمضي نحو بربرية جديدة. فاشتداد التطرف في الحرب العالمية الثانية قاد الى ابتكار معسكرات الاعتقال كما في أوشفيتس من طرف والقنبلة الذرية في هيروشيما من الطرف الآخر.
لكن اوروبا التي شهدت كل هذه المآسي تستطيع ان تخفف من غلواء التطرف الذي يسود العالم.
- في هذه اللحظة هناك عجز اوروبي واضح في التدخل حتى كوسيط. لكن اوروبا يمكنها ان تحمل فكرة السلام من خلال فكرة التعددية الثقافية، ليس كثقافات فقط بالمعنى المتعارف عليه انما ايضاً التعددية الدينية. لذلك يبدو لي مهماً وجود اسلام اوروبي في البوسنة وكوسوفو والبانيا، بل في فرنسا والمانيا من خلال المهاجرين. لذلك يبدو لي دخول تركيا العلمانية في اوروبا أمراً في غاية الاهمية. هكذا تكون اوروبا كقوة متعددة الثقافات قادرة على حماية نفسها. فأوروبا اليوم طهرت نفسها من افكار الهيمنة والكولونيالية، لأن أوروبا الكولونيالية انتهت لحظة انتهت الحرب العالمية الثانية، وحرب الجزائر كانت آخر الفصول. المستعمرات البرتغالية تحررت في العام 1973 وأوروبا اليوم نقية تماماً من مستعمراتها. الوحدة الاوروبية لها هدف هو عدم تكرار الحروب الاهلية التي عاشتها القارة فالحروب العالمية كانت حروباً اهلية اوروبية. اوروبا اليوم تستطيع حمل راية السلام وفكرة الانسانية وما يتبعهما من تفاهم عالمي شامل، لكن، للأسف، فهي لم تفعل ذلك بعد.
هل يتعلق الامر بالرغبة أم بالامكانات في ما يتعلق بأوروبا؟
- كلا فالامر قبل كل شيء يتعلق بطريقة التفكير. فالفكر السياسي الاوروبي اليوم لا ينظر بعيداً في اتجاه المستقبل. ما الذي يهيمن على النقاش السياسي؟ الحديث يدور حول التنمية والتطور السريع للاقتصاد والتكنولوجيا بما يلوث البيئة الارضية اكثر فأكثر. نعتقد اليوم اكثر من أي وقت آخر بحلول تقود الى كوارث حقيقية معلنة مسبقاً. نؤمن اليوم بمفهوم القوة والولايات المتحدة نموذج لهذه القوة. غير ان اوروبا مكاناتها تستطيع تجنب طريق القوة وهذا لن يعني ضعفها.
أعتقد بضرورة وجود قوة عسكرية اوروبية موحدة على الأقل للتدخل ضد ديكتاتوريات وفاشيات... الخ، لكن الدور الاوروبي هو في طريق آخر. انه كامن في التأثير في مجريات بعض الاحداث. ما الذي يمنع اوروبا من التأثير من اجل حل للمشكلة الاسرائيلية الفلسطينية؟ انها في شكل خاص اسباب بسيكولوجية وسوسيولوجية الخ. التأثير في اسرائيل لا يتم من خلال تدخل عسكري بل عبر قنوات الامم المتحدة كمرحلة اولى ثم الدخول في منطقة الصراع للفصل بين الطرفين. اوروبا بحاجة الى اجتراح سياسة انسانية بدل التطورات الاقتصادية الوحيدة الجانب. ننسى غالباً ان التطور يرتبط بتطور النظام القيمي في شكل اساس وليس فحسب عبر التكنولوجيا والاقتصاد. ما اعني بالسياسة الانسانية هو ان نرى بطرق مختلفة الحاجات الضرورية لكل مجتمع. فقضية الصحة في بعض البلدان لمكافحة الايدز ينبغي ان تتجاوز مصالح الدول وشركات الدواء الكبرى، فالمسألة لا تتعلق بالاقتصاد. هناك دول فهمت هذا كالبرازيل وجنوب افريقيا.
المأساة اليوم هي الايمان بالقوة الاقتصادية والنموذج الاميركي لها. فحلول مشكلات العالم ليست بالحسم العسكري أو الاقتصادي على رغم الحاجة اليهما. صحيح ان الولايات المتحدة هي القوة الاعظم، لكن هل سيحل هذا كل المشكلات من دون وجود فكر سياسي واضح؟
لكن الولايات المتحدة بقوتيها الاقتصادية والعسكرية استطاعت في خمس سنوات ازاحة ميلوشيفيتش وطالبان وصدام. في المقابل فإن اوروبا لم تفعل شيئاً سوى توجيه النقد للسياسة الاميركية؟
- أوروبا في حال ازمة، في حالة ضعف وعدم تقدم. ذلك اكيد. لكن ما حدث في ما يتعلق بأفغانستان والعراق في ما بعد كشف ان اوروبا ما زالت تعيش في مرحلة الفكر ذي البعد الواحد، بمعنى إما الخير وإما الشر. بالنسبة الى الرأي العام الاميركي كل شيء جيد ما دامت اميركا خلفه. لكن، بالنسبة الى التفكير الاوروبي فهناك تقليد نقدي تجاه الولايات المتحدة. أعود لأكرر ان اميركا لعبت دوراً مهماً في تحرير اوروبا، لكننا لا نريد ان نراها الا بصورة سيئة. تحدثت قبل قليل عن الغموض الاميركي، فأنت تجد في هذه البلاد الاسوأ والافضل. نتائج حربي افغانستان والعراق كانت ايجابية. الطرق التي طبقت بعد الحربين مدعاة لنقد حيث لم يؤخذ في الحسبان واقع البلدين. في ما يتعلق بالعراق، فإن الاستراتيجية الاميركية، كما يبدو، لم تأخذ في الاعتبار المقاومة ما بعد سقوط نظام صدام حسين في مناطق مقسمة تاريخياً على أساس مذهبي. ما لم يفكر به الاميركيون ان العراق سيتحول الى تجمع للإرهاب الاصولي الذي يريد شن حرب شاملة انتحارية.
البعض يعتقد ان هذه إرادة اميركية تتلخص في تجميع الارهاب الاصولي في منطقة واحدة هي العراق اليوم؟
- لا اعتقد بذلك. فالقمع يولد المزيد من الارهابيين، وهكذا، فليس للحرب من نهاية. واذا كانت الاستراتيجية الاميركية مبنية على حسابات من هذا النمط، فتلك أخطاء قاتلة. لكن ما هو التاريخ السياسي؟ انه سلسلة من الاخطاء والكثير من البشر يخطئون حينما لا يأخذون قوة الخصم بجدية.
العراق اليوم اصبح بؤرة ساخنة. فكل الجهاديين الذين يريدون خوض الحرب يشعرون بإمكان فعل ذلك يومياً وعن قرب. المشكلة مع الارهاب ان مجموعة صغيرة تثير الرعب لأنها تضرب في كل مكان ومن دون تمييز بين المدنيين والعسكريين بين الثكنة والمسجد. الاميركيون يدفعون ثمن اخطائهم فليس بالقوة العسكرية فحسب يمكن حسم مشكلة الارهاب و"الحرب المقدسة"ضد الغرب. فالقمع يوقظ لدى هؤلاء حس الشهادة بينما الحل كامن في اضافة بعد آخر الى القوة العسكرية من خلال سياسة ذات مدى طويل. هذه السياسة التي اسميها انسانية مبنية على تطبيق العدالة. وهنا فإن حل القضية الفلسطينية بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني سيكون الحدث الذي سيغير من واقع الارهاب في شكل جذري.
هناك مشكلات في ارجاء العالم العربي. فالشعوب تطمح الى الديموقراطية في شكل عميق وفي الوقت نفسه فإن قوى اسلامية تطمح ايضاً الى الديموقراطية من دون ان تتاح لها حرية التعبير عن افكارها في ظل انظمة استبدادية تمنع حرية التعبير. الديموقراطية ستحل من دون شك الكثير من المعضلات التي تقف وراء الارهاب.
ألا يبدو لك ان حرب العراق دفعت العالم العربي الى الامام على رغم المسيرة الصعبة للعراقيين وإيقاع حياتهم اليومية الدامي؟
- ممكن ان نستخلص هذه النتيجة. صحيح ان الانتخابات البلدية دارت في المملكة العربية السعودية للمرة الاولى في تاريخها. وهناك نقاش مهم في مصر لتعديل طريقة انتخاب رئيس الجمهورية، وهناك أيضاً انتخابات لبنان والمسيرات اليومية في هذا البلد بعد خروج السوريين، ولا ننسى النقاش حول الدستور العراقي. لكنني حتى الآن انتظر التطور التاريخي ولا ادري أي قوة ستنتصر في هذه المنطقة. من الأكيد ان العراق سيتطور باتجاه سلمي نحو دستور ديموقراطي، ما يجعلني أقول ان التدخل الاميركي حقق ايجابيات اكثر من السلبيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.