دخلت العلاقات الأمنية السورية - الأميركية مرحلة حرجة باتت تهدد بقطيعة كاملة وتفرض بحسب مصادر قريبة من الادارة الأميركية"تحولاً في الخريطة الاستخباراتية الأميركية في المنطقة"، مع احتمال"تصعيد سياسي وعسكري"على الحدود السورية - العراقية"يزيد من عزلة دمشق انما من دون اطاحة النظام السوري". واذا كانت الاستخبارات السورية ساعدت في الوصول الى رؤوس كبيرة في تنظيم"القاعدة"وعدد من المطلوبين من النظام العراقي البعثي السابق، وأسهمت طوال عقدين من التنسيق الأمني مع الأميركيين في تحسين علاقاتها السياسية مع واشنطن، فإن الادارة الأميركية تحاول الاستعاضة عن النافذة الاستخباراتية السورية بتكثيف تعاونها مع النافذة الباكستانية والافادة من وجودها في العراق وفتح نوافذ أخرى. وشكل اعلان السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى في مقابلة مع صحيفة"نيويورك تايمز"في 23 أيار مايو الماضي أن دمشق"قطعت"علاقاتها الاستخباراتية مع واشنطن، المنعطف الرئيس في هذا الملف، والذي شهد مرحلة من"السكون"، كما عاد ليؤكد مصطفى في مقابلة مع"الحياة"في 31 أيار الماضي، ومنذ تسليم دمشق السلطات العراقية في 27 شباط فبراير الماضي سبعاوي ابراهيم الحسن الأخ غير الشقيق لصدام حسين بعد اعتقاله في منطقة الحسكة. ووصف الخبير الدفاعي من معهد بروكينغز للأبحاث مايكل أوهانلون في حديث لپ"الحياة"التصريحات السورية بقطع العلاقة بپ"الانتهازية"، واعتبرها"مناورة للفت الانتباه الأميركي". وفيما تخوف أوهانلون من انعاكاسات خطوة كهذه على عملية"جمع المعلومات وزرع الأشخاص والمخبرين لملاحقة أفراد تنظيم القاعدة"، تحدثت مصادر قريبة من البيت الأبيض عن امكان الاستعاضة عنها بالاستخبارات الباكستانية التي تبرز قوتها في منطقة الخليج، أو من خلال توسيع الانتشار الاستخباراتي الأميركي في لبنان بعد الانسحاب السوري ومصر والأردن. وتعزو الأوساط الأميركية هذا التدهور الى سياسات الحكومة السورية و"اللعبة المزدوجة"التي تتهمها الادارة بممارستها من خلال ملاحقة ارهابيين من جهة وتسريب مقاتلين عبر الحدود مع العراق، أو دعم منظمات ارهابية في المعجم الأميركي مثل"حزب الله"أو"حماس"أو"الجهاد الاسلامي"، من جهة أخرى. وعرفت العلاقات الاستخباراتية السورية - الأميركية انقطاعات متلاحقة أبرزها خلال الحرب الأهلية اللبنانية وبعد الاتهامات الأميركية لسورية بالتورط في أزمة الرهائن في 14 حزيران يونيو 1985 وقيام"حزب الله"بخطف سبعة أميركيين عن متن طائرة"تي دبليو أيه". وتبع العملية نماذج مماثلة كان نجمها عماد مغنية الذي تعتبره الولاياتالمتحدة من عناصر"حزب الله"ومن"القوى الموحية"لزعيم القاعدة أسامة بن لادن، وتتردد اشاعات عن وجوده اليوم في العراق. وتحسنت العلاقة في التسعينات بعد مشاركة سورية في حرب الخليج الأولى وتقديمها معلومات عن الجيش العراقي. وبرز خلال تلك الفترة المدير السابق للأجهزة الاستخباراتية السورية في لبنان وزير الداخلية الحالي غازي كنعان الذي تميز بقربه من أعضاء في"سي آي أي"وزيارته مسؤولين أميركيين في شبكة الاستخبارات في العام 1992. كما التحق نجلا كنعان بجامعة جورج واشنطن الأميركية لانهاء دراستهما. واستفادت الولاياتالمتحدة من النفوذ الاستخباراتي/ العسكري السوري في لبنان خلال التسعينات وفي ملاحقة مجموعات أصولية ارتبط اسمها بالارهاب، مثل"عصبة الأنصار"و"جماعة الهجرة والتكفير"التي برز اسمها في أحداث سير الضنية في 1999-2000. وتبلورت العلاقة بين واشنطنودمشق، كما يشير أوهانلون بعد اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001، بحيث ساهمت الاستخبارات السورية الى حد بعيد في الحرب على الارهاب ومساعدة الجانب الأميركي في اصطياد رؤوس محورية في تنظيم"القاعدة"، أو وجوه بارزة من نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وخلقت العلاقة بين"القاعدة"و"الاخوان المسلمين"الناشطة في دمشق خلفية ومصلحة مشتركة بين الطرفين السوري والأميركي، ساعد، من خلال تبادل كثيف في المعلومات، في القبض على عناصر حيوية في المجموعتين. وأفادت صحيفة"نيويورك تايمز"أن عميلاً في"سي آي أي"توجه الى دمشق في تشرين الأول أكتوبر 2001 واجتمع بمسؤولين في دائرة الأمن والاستطلاع السورية لبحث أطر التعاون في الحرب على الارهاب. ونقلت وكالة"يونايتد برس انترناشونال"عن مصادر استخباراتية أميركية أن الطرفين أنشأوا مركزاً أمنياً مشتركاً في حلب بعد اعتداءات 11 أيلول، ظل فاعلاً، بحسب التقارير الأخيرة، حتى نهاية العام الماضي، مع العلم أن محمد عطا أحد الخاطفين في اعتداءات 11 أيلول توجه الى حلب في نهاية عام 1994 لتحضير ورقة عمل حول التخطيط المدني. كما قدمت سورية لپ"سي آي أي"كمية كبيرة من المعلومات حول خلايا لپ"القاعدة"في مدينة هامبورغ في ألمانيا، وأرفقتها بملفات خاصة عن شركات صناعية هناك مثل شركة"تاتكس ترايدينغ"والتي عمل فيها أبرز ممولي"القاعدة"محمد حيدر زمار قبل أن يقع في قبضة الأجهزة الأمنية السورية. ويشير الصحافي سيمور هرش في مقال في مجلة"نيو يوركر"أن مدير الاستخبارات السورية السابق محمد ماجد سعيد نجح في اختراق شركة"تاتكس"في الفترة الممتدة بين 1987 و1994. وتضمنت الملفات المعطاة لپ"سي آي أي"معلومات عن مأمون الدركزنلي المتهم بأنه أحد ممولي"القاعدة"والذي تم تجميد أمواله من جانب الولاياتالمتحدة. كما ساعدت الاستخبارات السورية بتوفير معلومات"جنبت وقوع ضحايا أميركيين"في العام 2003 وأدت الى احباط عملية كان يخطط لها تنظيم القاعدة في البحرين، باستعمال طائرة شراعية لاستهداف"قاعدة"أميركية هناك. وأوضح أوهانلون أن وجود جورج تينيت - البارز ضمن تيار المعتدلين على رأس وكالة الاستخبارات المركزية - في تلك الفترة أسهم في تحسين هذه العلاقة، على رغم انتقادات وزارة الدفاع البنتاغون والخط المتشدد ضد الدور السوري واعتباره"جزءاً من المشكلة وليس الحل". وتفاقمت الأزمة بين الخط المتشدد المتمثل بوزير الدفاع دونالد رامسفيلد وصقور المحافظين الجدد في البنتاغون من جهة ورموز"سي آي أي"المعتدلين ابان التحضير للحرب على العراق، وانتهت باستقالة تينيت في تموز يوليو 2004. واعتبر أوهانلون أن الحرب على العراق مثلت"نقطة الافتراق"بين الطرفين السوري والأميركي، بعد معارضة سورية للحرب واتهامات من البنتاغون لدمشق بتخريب الوضع الأمني في بغداد وعدم ضبط الحدود ومنع تسريب مقاتلين، انما لم تتوقف هذه العلاقة وساعدت سورية الحكومة العراقية في أيار مايو 2003 في الوصول الى هدى صالح مهدي عماش السيدة أنثراكس عالمة الكيمياء سابقاً في فريق صدام حسين والتي جرى تسليمها الى الولاياتالمتحدة. وفيما اعتبر أوهانلون أن غياب التعاون وشبه الانقطاع السائد اليوم"سيلحق ضرراً بالاستخبارات الأميركية في ظل غياب بديل له"، أشار المحرر السابق لأسبوعية"استخبارات الشرق الأوسط"غاري غامبل أن الولاياتالمتحدة تستطيع الاعتماد على الاستخبارات الباكستانية في ملاحقة رموز"القاعدة". وأضاف أن"الامتداد الاستخباراتي السوري ضعيف في دول مثل المغرب أو الجزائر أو اندونيسيا"حيث تنشط خلايا لپ"القاعدة". وفي وقت حذر غامبل من تفاعل حالة الانقطاع"وعدم التجاوب السوري بتأمين معلومات عن جماعة المنشق الأردني أبو مصعب الزرقاوي"ووصولها الى تصعيد عسكري"سريع وغير علني"على الحدود السورية - العراقية، توقع أوهانلون أن تكون القطيعة"موقتة"و"ستعود عنها دمشق قريباً."وتصاعدت الأزمة بين الطرفين في آذار مارس 2003 بعد اتهامات من وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد لسورية بالتدخل في"حرب الحلفاء وتهريب مقاتلين وأسلحة الى العراق". وأعاد رامسفيلد التحذير نفسه أكثر من مرة، وتم بعدها اعتقال المترجم السوري -الأميركي أحمد حلبي في معتقل غوانتانامو بتهمة التجسس لمصلحة الحكومة السورية. ويأخذ الجانب الأميركي على دمشق اجراءات السفر "اللينة" بينها وبين بعض العواصم العربية. اذ لا تلزم سورية مواطني الجزائروالبحرين ومصر والأردن والكويت ولبنان وليبيا وموريتانيا والمغرب وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والصومال والسودان وتونس والامارات العربية المتحدة بطلب تأشيرة فيزا لدخول أراضيها، الأمر الذي يسهل بحسب الجانب الأميركي "دخول مئات المتطرفين من دول اسلامية الى دمشق ومنها الى بغداد".