حاولت جماعة"الإخوان المسلمين"أن تضع الحكومة المصرية أمام أمر واقع وفاجأتها بتظاهرات في غالبية المحافظات حشدت لها آلافاً من اعضائها للمطالبة بالإصلاح السياسي والاحتجاج على استبعاد الجماعة من العملية السياسية. واعتبر مسؤول مصري أن تصرف الإخوان"تجاوز للخطوط الحمر"، إذ أنها المرة الأولى التي يتظاهر فيها اعضاء الجماعة من دون ابلاغ مسبق للسلطات بموعد التظاهرات ومكانها، وبدا حرص الإخوان على تكتم الأمر ومفاجأة الحكومة واضحاً إذ لم تبلغ الجماعة وسائل الإعلام بأمر التظاهرات إلا صباحاً وبعدما كان المشاركون وصلوا بالفعل الى الأماكن التي حددت لهم، ما عكس قدرة تنظيمية عالية لدى الإخوان. وأصدرت الجماعة بياناً أمس قالت فيه إن التظاهرات جاءت"بهدف التأكيد على المطالبة بالإسراع من وتيرة الاصلاح السياسي أملاً في الخروج من المأزق السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه شعب مصر"، واشار الى أن"ميدان رمسيس في القاهرة وميادين المحافظات الأخرى تحولت الى ثكنات عسكرية وترسانات أمنية تضم عشرات الألوف من ضباط وجنود الامن المدججين بالسلاح والهراوات، فضلا عن العربات المدرعة". وذكر البيان أن الأجهزة الأمنية"حاولت في بعض المحافظات تفريق هذه الوقفات باستعمال القنابل المسيلة للدموع، اضافة الى الهراوات، الا ان الوقفات تمت"واستمرت حوالي ساعتين، موضحاً أن الشرطة"ألقت القبض على المئات". وفي لهجة حادة قال البيان"نؤكد على استمرار الاخوان في مطالباتهم بالاصلاح، وان الوسائل القمعية لا تزيد الاوضاع في مصر الا احتقاناً". وحدد البيان عدد المشاركين في التظاهرات بنحو 70 ألفاً توزعوا على 18 محافظة. ولوحظ أن قادة بارزين في الجماعة بينهم نواب في البرلمان توزعوا على المحافظات المختلفة وقادوا التظاهرات بأنفسهم، لكن بدا أن أمر تظاهرة العاصمة كان تسرب إلى أجهزة الأمن إذ فوجئ المواطنون في الصباح بأعداد كبيرة من قوات الأمن المركزي تحيط بميدان رمسيس الشهير وتمنع المرور أو الدخول إلى مسجد الفتح الكبير، حيث حدد قادة الجماعة ذلك المسجد مكاناً للتظاهر. لكن آلافاً من الاخوان كانوا وصلوا بالفعل الى داخل ساحة المسجد وبعد صلاة الظهر تظاهروا داخله، وفي ساحته الخارجية في حين وقف آلاف من جنود الشرطة حول سوره. وكالعادة ارتبكت حال المرور في غالبية المدن وأغلقت القاهرة وتكدست السيارات في الشوارع، وتحدثت مصادر الاخوان عن اعتقالات شملت عشرات ممن شاركوا في التظاهرات أو حتى حاولوا الوصول إليها، وقالت مصادر الجماعة ان الغرض من تلك التظاهرات كان"المطالبة بالاصلاح الشامل والكامل"، وأشارت الى أن محافظة الشرقية شهدت اعتقال ما يزيد على 100 من أعضاء الجماعة أثناء توجههم إلى ميدان التحرير في مدينة الزقازيق والتي شهدت تظاهرة قوامها 10 آلاف شخص في حين خضعت محافظة الدقهلية لحصار أمني مكثف منذ فجر أمس وتم تحويل مدينة المنصورة عاصمة المحافظة إلى"ثكنة عسكرية"ومُنعت التظاهرة، وتجمع الإخوان مرة اخرى في أحد مساجد المدينة ونفذوا التظاهرة. واعترفت مصادر الاخوان بأنها المرة الأولى التي لا يتم اخطار أو التنسيق مع أجهزة الأمن على الخروج في التظاهرات، وبررت ذلك الاجراء بأنه في حال الإخطار فإن الجماعة تفاجأ بالقاء القبض على العديد من قيادات الصف الأول أو الصف الثاني فيها. وقالت:"لم يتم التنسيق مع أي من القوى السياسية في مصر أو الأحزاب التي يكن لها كل تقدير واحترام"، مشيرة إلى أن من بين أهداف الاخوان في المرحلة المقبلة المطالبة بإنهاء حال الطوارئ والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين في السجون، وتحقيق اصلاح سياسي حقيقي، مؤكدة أن"الجماعة حريصة كل الحرص على الحفاظ على الأمن والنظام من منطلق أن مصر ملك للمصريين وهي ليست ملك آخرين. وأشارت المصادر الى أن مرشد الجماعة محمد مهدي عاكف وبقية قادتها أكدوا مراراً أن"الإخوان سيواصلون نشاطهم الاحتجاجي في شكل طبيعي مهما بالغت السلطات في اجراءاتها ضدهم"، وردد الإخوان في التظاهرات هتافات حادة منها"الاصلاح.. الاصلاح.. ليل الظلم عدى وراح"، و"الاصلاح مش من علينا.. الاصلاح من عهدي نبينا".."الاصلاح من بره خيانة.. والاصلاح من جوه أمانة"،"يا حرية فينك فينك.. الطوارئ بينا وبينك"،"إن في مصر قضاة لا يخشون إلا الله". ورفعوا لافتات حملت عبارات مثل"الحرية لا تتجزأ ونطالب بالاصلاح السياسي الشامل والحرية سبيل للاصلاح". وانضم إلى تظاهرة القاهرة عدد من قادة الجماعة على رأسهم الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والدكتور عصام العريان والنائب الدكتور محمد مرسي عضو مجلس الشعب. وهتف أبو الفتوح وخلفه الآلاف ممن شاركوا في التظاهرة"الحرية للشعب المصري"، و"الحكم للشعب المصري"، و"التقديس للشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع"، و"لا لفساد.. ولا لنهب البنوك.. ولا للاستبداد.. ونعم للحرية"، و"لا للانتخابات المزورة، نعم للانتخابات الحرة"، و"لا للعنف والإرهاب، نعم لمن يمثل الشعب تمثيلاً صحيحاًَ"، و"نعم لتوحيد كل القوى السياسية، ولا لانفراد أي شخص بالحكم"، و"نعم لحكم مصر ديموقراطياً، ولا للرعاية الأجنبية". وقال النائب مرسي ل"الحياة"إن التظاهرة"تعبر عن رغبة جامحة للمجتمع المصري تطالب بالإصلاح الحقيقي حيث رأينا كيف يجري تفريغ مبادرة الرئيس حسني مبارك من مضمونها، والخطوة التي كانت من جانب الرئيس في مجملها صحيحة فوجئنا بها تتفرغ من مضمونها". وأضاف:"نريد تعديلاً واضحاً يحقق الهدف من إعادة صياغة المادة 76 وأن تجري انتخابات رئيس الجمهورية بين أكثر من مرشح وإنهاء حال الطوارئ وإطلاق الحريات العامة". ووصف موقع"الإخوان المسلمين"على شبكة الانترنت ما جرى أمس بأنه"انتفاضة لتحقيق الاصلاح"، وقالت الجماعة إن اجهزة الامن في محافظة الاسكندرية الساحلية اغلقت الكورنيش امام آلاف المتظاهرين وألقت القبض على أكثر من ثلاثمئة منهم، كما سدت كل الطرق المؤدية الى الكورنيش في منطقة جليم وسابا باشا وأمام نوادي النقابات المهنية، وقال النائب الدكتور حمدي حسين بعد التظاهرة"اضطررنا الى صرف المواطنين حرصاً على أرواحهم وحتى لا نعرضهم للخطر".