إن الإعلام الحيوي الحر هو أمر أساسي للإصلاح الذي تنادي به العديد من الحكومات العربية حالياً. لكن، وإذ يحتفل العالم في 3 أيار مايو باليوم العالمي لحرية الصحافة، من الضروري أن نميز الفجوة بين ما يعلنه قادة الحكومات وأفعالهم في دعم حرية الإعلام. لقد حان الوقت للتغيير الحقيقي، وليس مجرد التغيير الشكلي وحسب. مما لا شك فيه أن أوضاع الصحافة تحسنت في معظم بلدان العالم العربي خلال السنوات ال15 الأخيرة. إذ ازداد عدد الحكومات التي سمحت بتأسيس مؤسسات إعلامة محلية خاصة أو مستقلة. كما أنه من الصعب على أجهزة الرقابة التأثير على الأخبار التي تصدر عن القنوات التلفزيونية الفضائية، والأخبار التي تنشر عبر شبكة الإنترنت. كذلك دفعت الضغوط المحلية والدولية بعض البلدان إلى التخفيف من القوانين القمعية للصحافة والسماح بمزيد من حرية التعبير لأصوات المعارضة. لكن حينما يتعلق الأمر بالتغطية الصحافية للقضايا المحلية الأكثر أهمية، يظل الصحافيون مقيدين بشدة من حكوماتهم. ولم ينشأ عن الضجة الأخيرة حول الديموقراطية والإصلاح السياسي أي تحسن ملموس للصحافيين الذين يحاولون تغطية القضايا الحساسة. فلننظر إلى الأمثلة التالية من الشهر الماضي وحده. في نيسان إبريل أصدرت محكمة مغربية حكماً يحظر على المحرر الصحافي المغربي علي المرابط مزاولة مهنة الصحافة لمدة عشر سنوات، بسبب مقال كتبه يخالف فيه الموقف الحكومي من النزاع في الصحراء الغربية. وبعد بضعة أيام من ذلك، صدر حكم قضائي بالسجن لمدة سنة واحدة، بحق ثلاثة صحافيين مصريين من الصحيفة اليومية"المصري اليوم"، بسبب تغطيتهم الصحافية لتحقيق قضائي في قضية فساد مزعوم تضمنت بين أطرافها وزيراً مصرياً. وصدر هذان الحكمان بعيد الإفراج عن المحرر الصحافي اليمني عبد الكريم الخيواني الذي أمضى حكماً بالسجن لمدة سبعة شهور بتهمة التحريض،"وإهانة"الرئيس، ونشر أخبار كاذبة. ويعاني الصحافيون في كل أنحاء المنطقة من ضغوط حكومية أقل وطأة، ولكنها شديدة الفاعلية، بما في ذلك الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية لمراقبة الصحافة الشجاعة وردعها. لقد أعلنت الحكومات العربية دعمها للإصلاح الإعلامي. لكن يبدو أن هذه الوعود أطلقت للاستهلاك العام بصفة أساسية. فخلال العام الماضي، تعهدت الحكومات في مصر والمغرب والأردن واليمن تعديل القوانين لإنهاء الممارسة المؤذية المتمثلة بسجن الصحافيين بسبب عملهم. لكن لم يجر بعد إقرار هذه التعديلات. وما زال الصحافيون يواجهون خطر الملاحقة الجنائية بسبب ما يكتبونه. كما يبدو أن بعض قتراحات تعديل القوانين ما هي إلا ستار يوهم المراقبين بإجراء تعديلات، في حين لا يحدث عمليا أي تعديل. فعلى سبيل المثال، يحظر التعديل المقترح لقانون الصحافة في الإردن أحكام السجن على الصحافيين. لكن هناك فقرات في القانون الجنائي والقوانين الأخرى تسمح للسلطات باحتجاز الصحافيين وملاحقتهم قضائياً وسجنهم بسبب عملهم. وعندما لا يجري استخدام القانون ضد المعارضين، تمارس الدولة أساليب أخرى لا تقل شناعة لردع الصحافيين، مثل الفصل من العمل وتوجيه التهديدات من وراء الكواليس. وفي النهاية، فإن تعاظم حرية الصحافة يسير يداً بيد مع الإصلاح السياسي وتعزيز سيادة القانون. وإذا كانت الحكومات جادة في أن تبرهن ادعاءاتها حول دعم الديموقراطية والإعلام المستقل، فعليها اتخاذ خطوات حقيقية. الخطوة الأولى على المسار الصحيح هي إلغاء قوانين الصحافة أو تعديلها تعديلاً جذرياً، إذ تتضمن قواعد بالية تحظر تناول قضايا بعينها، وتضع عراقيل بيروقراطية تعيق التغطية الصحافية المستقلة. ويتعين على الحكومات حظر إصدار أحكام بسجن الصحافيين بسبب عملهم، وسد الثغرات القانونية التي تسمح بسجن الصحافيين بموجب قوانين جنائية منفصلة. ثانياً، يتعين على الحكومات اتخاذ إجراءات فعالة لكف إيدي الأجهزة الأمنية عن وسائل الإعلام. فقليلة هي الأعمال التي ألحقت أذى بالتغطية الصحافية المحلية، يضاهي الأذى الذي نتج عن تدخل الأجهزة الأمنية بعمل الصحافة. وتملك الأجهزة الأمنية تأثيراً هائلاً على الإعلام المحلي، بوساطة السيطرة على الصحافيين أو ترويعهم من خلال وسائل متنوعة من الضغوط التي تمارس من وراء الكواليس، بما في ذلك الاتصال بالصحافيين هاتفياً وتهديدهم، ودعوتهم"لشرب فنجان قهوة"في مكاتب الأجهزة الأمنية. ثالثاً، يتعين على الحكومات أن تسمح بنشوء المزيد من المؤسسات الإعلامية المستقلة، من خلال الانفتاح في ممارسات منح التراخيص، ومرافق التوزيع، والإعلان. فالحكومات في كافة أنحاء المنطقة، تسيطر على أمواج البث، بينما تقتصر المؤسسات الإعلامية المستقلة على الترفيه، وتتجنب البرامج الإخبارية والسياسية المهمة. ما هذه الخطوات المقترحة سوى خطوات قليلة، ولكن كبيرة، ينبغي القيام بها. فالصحافة الحرة هي أمر حيوي للمجتمع الحر المنفتح، عندما تعمل على إخضاع الحكومات للمحاسبة، وعندما تتيح للناس اتخاذ قرارات وخيارات مستندة إلى معرفة كافية. وإذا تم تمكين الصحافة من أداء عملها كما ينبغي، فيمكنها أن تكون حافزاً للإصلاح الذي تقول العديد من حكومات المنطقة الآن أنها تدعمه. تتطلب الصحافة الحرة إرادة من جانب الصحافيين لأن يكونوا مستقلين وأن يجابهوا المخاطر في القرارات التي يتخذونها، كما تتطلب التزاماً من الحكومات لتحمل الأخبار والآراء التي لا تسرها. وتوضح حالات علي المرابط، وعبد الكريم الخيواني، وصحيفة"المصري اليوم"، وجود إرادة قوية لدى الصحافيين. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت الحكومات ملتزمة تحمل الآراء المعارضة. * منسق برامج متقدم في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحافيين في نيويورك