كل رواية تصدر للكاتب البرازيلي باولو كويليو تكون دوماً بمثابة حدث في حركة النشر العالمي، لكنه حدث منظم تشرف عليه مؤسسة خاصة، ترجمة وإعلاماً وتسويقاً. فالكاتب الذي تخطت مبيعات كتبه 60 مليون نسخة في 150 بلداً ومن خلال 60 لغة عالمية أصبح"ظاهرة"فريدة في عالم النشر، ونجماً أدبياً تتنافس الدور العالمية على نشر كتبه. وإن لم يرق أدب كويليو الى مرتبة رواد الرواية الأميركية اللاتينية من أمثال ماركيز وكورثازار وفارغاس يوسا وسواهم فهو استطاع أن يكتسب طابعاً شعبياً كان حافزاً على رواج هذا الأدب عالمياً وغزوه اللغات المعاصرة. هكذا تتسابق منذ شهر دور نشر عالمية على ترجمة رواية كويليو الجديدة وعنوانها"الزهير"وقد صدرت قبل أيام في البرازيل باللغة الأم ثم بالألمانية والايطالية والروسية والفرنسية والاسبانية، على أن تصدر خلال اسبوعين بالعربية ترجمة رنا صيفي، شركة المطبوعات، بيروت وخلال شهر بالانكليزية والهندية والكورية وسواها... إنها بادرة لافتة جداً أن تصدر رواية في لغتها الأصلية وترجماتها الكثيرة في فترة واحدة متوجهة الى عدد هائل من القراء في العالم أجمع. إلا أن إيران وحدها أقدمت على منع الرواية بعدما ترجمت الى الفارسية بسرعة من غير أن تعلن أسباب المنع، وقد تكمن في تطرّق الرواية الى بعض تقاليد التراث الآسيوي القديم، ومنها التقليد"الميثرائي"الفارسي. باولو كويليو الذي يزور القاهرة لأيام بدءاً من غد الجمعة، بدعوة من"مجموعة الجنوب للثقافة والتنمية"يسعى في روايته الجديدة الى كتابة سيرته الذاتية ولكن روائياً أو تخييلياً، جاعلاً من الراوي - البطل شخصاً يشبهه في نواحٍ عدة. فالراوي هو كاتب شهير عانى ظروفاً صعبة وعمل في الصحافة لكنه سرعان ما أصبح روائياً شعبياً، تباع كتبه بالآلاف. ويستعيد كويليو خلال هذه السيرة، روايته الأولى التي صنعت"مجده"العالمي وعنوانها"الخيميائي"، محاولاً أن يماهي بين الراوي والكاتب. إلا أن قضية هذا الراوي لن تقتصر على سيرته، فاختفاء زوجته التي تدعى"أستير"في ظروف غامضة سيقضّ حياته، ويصبح هاجسه الوحيد، خصوصاً أن الزوجة هي صحافية و"مراسلة حرب"وكانت عادت لتوّها من العراق هرباً من الاجتياح الأميركي الوشيك. وعندما تختفي الزوجة يمضي الراوي في استرجاع أجزاء من ماضيهما السابق ومن حياتهما التي عرفت بعض الاضطراب كأي حياة زوجية، كما يقول. يُعتقل الراوي في باريس حيث يقيم مع زوجته، لكنه سرعان ما يخرج من السجن مكتشفاً من جديد معنى الحرية. إلا أن هاجس زوجته سيدفعه الى البحث عنها على رغم شكّه بها وظنه أنها تخونه مع رجل يعرف اسمه الاول وهو ميخائيل. هكذا ينطلق من باريس في مغامرة رهيبة تقوده الى كازاخستان بحثاً عن زوجته وهناك سيلقاها وقد بدّلت حياتها تماماً... إلا أن الراوي سيتحول خلال الرحلة التي يتعرّف فيها الى معالم حضارة أخرى، إنساناً متأملاً تعتمل في رأسه الأفكار والمبادئ والرؤى... وكعادته يمعن كويليو في تدوين انطباعاته وتأملاته ببساطة وعذوبة هما من ميزات أدبه الروائي، الخالي من البناء المركّب والمعقد، والقائم على فعل السرد الذي يؤديه راو هو أشبه بالحكواتي الشعبي والحكيم في آن واحد. عنوان الرواية"الزهير"قد يكون مثيراً مثل جو الرواية، خصوصاً انه آسيوي الأصل وربما عربي. وبغية ازالة أي التباس قد يكتنف العنوان كتب كويليو في مستهل الرواية يقول:"بحسب الكاتب الارجنتيني خورخي لويس بورخيس، تعني كلمة"الزهير"ما هو ظاهر وحاضر، ذاك الذي لا يمر مرور الكرام. انه شخص أو شيء، ما إن يحصل اتصال بينه وبين الانسان، حتى يستحوذ على فكره تدريجاً حتى ليتملكه في النهاية. وهذه الحال تُعدّ إما جنوناً أو قداسة". أما عربياً فكلمة"الزهير"هي صيغة مشتقة من إسم الفاعل لفعل"زهر"ويعني سطع وتلألأ وأشرق، ومنه كان اسم كوكب الزهرة الشديد اللمعان والسحر. ترى هل تكون رواية"الزهير"في قوة"الخيميائي"الرواية البديعة التي كتبها كويليو تحت تأثير"ألف ليلة وليلة"، أم ستكون مثل أعماله الأخرى، حكاية متخيلة تهدف الى تسلية القارئ ودغدغة أحلامه؟