أثار اختيار المفوض الأوروبي السابق باسكال لامي فرنسي لتولي منصب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية ارتياحاً مؤكداً في الأوساط الرسمية الفرنسية وقلقاً واضحاً في الأوساط الفرنسية المناهضة للعولمة. يعود الارتياح الفرنسي بالطبع الى أهمية الموقع الذي سيعلن رسمياً عن تولي لامي له في 26 أيار مايو الجاري خصوصاً بالنظر لقلة عدد الفرنسيين الذين يشغلون مناصب رفيعة في المنظمات الدولية. ويعتزم لامي استغلال منصبه الجديد لاعتماد تغييرات على صعيد المنظمة، وفقاً للتصريحات التي أطلقها في المدة الأخيرة وتتلخص بضرورة تعزيز صلاحيات المدير العام والتخفيف من تبعيته على صعيد ما ينبغي اتخاذه من مبادرات، حيال الدول الأعضاء، بهدف تسريع وتيرة انجاز هذه المبادرات. لكن هذا النفس التجديدي لا يلقى أي مدى ايجابي لدى الأوساط الفرنسية المناهضة للعولمة التي ذهب بعضها الى حد وصف نبأ تعيين لامي على رأس منظمة التجارة العالمية بالنبأ السيئ. وتتخوف هذه الأوساط مما تصفه بالنزعة الليبرالية لدى لامي الاشتراكي، وتعتبر ان الولاياتالمتحدة قايضت مواقفها على تعيينه بموافقة الاتحاد الأوروبي على تعيين الأميركي بول وولفوفيتز، من المحافظين الجدد، على رأس البنك الدولي. وتحمّل الأوساط المناهضة للعولمة لامي المسؤولية عن سياسة التقشف الاقتصادي التي اضطرت فرنسا لاعتمادها في سنة 1983، وتعتبر انه مهندس ما تسميه بعملية"التخريب الاجتماعي"التي أقدم عليها لدى توليه ادارة مصرف"لوكريديه ليونيه"الفرنسي، وعمل حينها على تخصيصه. وبمعزل عن هذه الانتقادات، فإن كل ما في سيرة لامي 57 عاماً يجعله جديراً بتولي رئاسة المنظمة الدولية ويدعو للتوقع بأنه سيعمل على تعزيز وزن ودور أوروبا في اطارها. فلامي من خريجي أهم الجامعات الفرنسية، وتوزعت سنوات دراسته الجامعية على كلية الدراسات العليا التجارية"اتش أي سي"، وكلية العلوم السياسية، والمعهد الوطني للادارة، ويمثل الأخيرين الممر الالزامي لأي من أعضاء النخبة السياسية والادارية الفرنسية. ويعد لامي الذي شغل منصب مدير مكتب الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية جاك ديلور، من الشخصيات التي لعبت دوراً مهماً على صعيد بناء أوروبا الموحدة وتعزيز مؤسساتها، وأحد صانعي معاهدة"ماستريخت"للوحدة الأوروبية. وهو من الشخصيات التي تعرف جيداً منظمة التجارة الدولية وأسلوب عملها، منذ توليه منصب المفوض الأوروبي للتجارة حيث كان مكلفاً بالتفاوض مع المنظمة الدولية باسم الاتحاد الأوروبي، من عام 2000 حتى 2004. ومنذ مغادرته للمفوضية، في ختام عهد رئيس المفوضية رومانو برودي كرس لامي وقته للنشاط الأكاديمي، في معهد الدراسات السياسية في باريس، كما خلف ديلور على رأس جمعية"نوتر أوروب"، وهي بمثابة مجموعة تضم مفكرين معنيين بشؤون أوروبا.