ربع الأمراض الشائعة في العالم اليوم تعود الى تدهور الأوضاع البيئية، من الاسهال والملاريا والبلهارسيا الى الايدز وأشكال السرطان المستفحلة. ومن الأسباب التي تساهم في انتشارها تلوث الهواء والمياه وسوء ادارة الصرف الصحي وتعرية الغابات والتمدد المديني العشوائي وحتى تغير المناخ نتيجة الاحتباس الحراري. هنا عرض للعلاقة الوثيقة بين المرض والتغيرات البيئية استناداً الى أحدث تقارير برنامج الأممالمتحدة للبيئة ومنظمة الصحة العالمية ودراسات من أنحاء العالم. الأشخاص الذين يتطلب عملهم تمضية ساعات طويلة في الشوارع المكتظة بالسيارات، مثل شرطة السير وباعة الصحف، معرضون أكثر من سواهم للاصابة بالسرطان. فقد وجد باحثون في الطب البيئي في تايوان ان العنصر الكيميائي 8-OHdG موجود بنسب عالية في أجسام هؤلاء. وأكدت دراستهم، التي نشرت في آذار مارس الماضي، أن دمار الحمض النووي DNA بفعل هذا العنصر يؤدي الى سرطان الرئة وخلل في جينات الانسان. وأظهرت دراسة بريطانية عام 2002 زيادة بنسبة 40 في المئة في العيوب الخلقية الكروموسومية، مثل متلازمة داون التخلف الذهني المنغولي، في أوساط السكان الذين يعيشون ضمن مسافة ثلاثة كيلومترات من مواقع مطامر النفايات، اضافة الى زيادة 33 في المئة لخطر الاصابة بتشوهات غير كروموسومية عند الأطفال، مثل المشاكل القلبية الوعائية والمعديّة المعوية واضطرابات الجهاز العصبي المركزي. وباء الأيدز قتل ملايين الأشخاص وهم في سنواتهم الأكثر انتاجية، وأصيب به منذ بدء انتشاره أكثر من 75 مليون شخص، مما جعله رابع الأمراض الأشد فتكاً. ومرض السل، الذي يزيده الايدز خطورة، يقتطع من مداخيل المجتمعات الفقيرة "'ضريبة اقتصادية'" تعادل 12 بليون دولار سنوياً. وتفيد الاحصاءات أن اجمالي الناتج المحلي في أفريقيا كان أكثر الآن بنحو 100 بليون دولار سنوياً لو تم القضاء على مرض الملاريا منذ 30 سنة عندما بدأت اجراءات المكافحة الفعالة. ويموت سنوياً بسبب هذا المرض نحو 11 مليون طفل تحت سن الخامسة. يربط العلماء تزايد الأمراض، الجديدة والعائدة بعد اختفاء، بتغيرات في البيئة تجتاح الأرض. ويعزون نحو 25 في المئة من الأمراض التي يمكن تحاشيها في العالم اليوم الى سوء الأوضاع البيئية. ففقدان الغابات، وبناء الطرق والسدود، وتمدد المدن، وتعرية الموائل الطبيعية من أجل الزراعة، والتنقيب عن المعادن، وتلوث المياه الجوفية والساحلية، تعزز ظروفاً تنمو وتزدهر في ظلها كائنات ممرضة جديدة وقديمة. وفي تقرير أصدره برنامج الأممالمتحدة للبيئة في آذار 2005 حول الأمراض المُعدية الجديدة والعائدة بعد انحسار، عشرات الأمثلة على هذه الروابط. من ذلك أن فيروس نيبا Nipah كان حتى وقت قريب يوجد عادة في الوطاويط الآسيوية التي تتغذى على الفواكه، وظهوره منذ أواخر التسعينات كمرض قاتل للبشر يرتبط بحرائق الغابات في جزيرة سومطرة الاندونيسية، وبتعرية الغابات الطبيعية في ماليزيا من أجل غرس أشجار النخيل. فالوطاويط، الباحثة عن الفواكه، أجبرت على الاقتراب أكثر والاحتكاك بحيوانات أليفة، مما وفر للفيروس فرصة للانتشار الى البشر عن طريق الأشخاص الذين يتولون العناية بهذه الحيوانات. أمراض جديدة وعائدة في الماضي، كانت الأمراض المعدية تنتشر الى مسافات بعيدة بفعل الحروب والفتوحات، وخصوصاً حملات الاستكشاف والاستعمار الأوروبيين في أميركا وأفريقيا وآسيا. أما الآن، فان تغير نمط الأمراض المعدية هو نتيجة تغيرات بيئية، فضلاً عن تكثف حركة السفر والهجرة والتجارة العالمية بالمواد الزراعية والغذائية وغيرها. أطلق مركز الأبحاث الطبية في نيروبي بالتعاون مع مركز الطب الاستوائي في جامعة اكسفورد البريطانية تحذيراً دولياً في آذار مارس 2005 من طفيلية الملاريا الأخطر "'بلاسموديوم فالسيباروم'" التي تقتل سنوياً ما يصل الى مليون شخص غالبيتهم من الأطفال، وتصيب نحو 500 مليون شخص سنوياً وهذا يزيد نحو 50 في المئة على أرقام منظمة الصحة العالمية التي تقدر اصابات الملاريا بنحو 300 مليون سنوياً، 90 في المئة منها في أفريقيا حيث يظهر نحو مليون اصابة يومياً. ولا يوجد لقاح ضد الملاريا، ولا يمكن السيطرة على الوباء الا بتأمين مياه شفة صالحة وخدمات صحية منتظمة وكافية وادوية حديثة تقضي على البعوض الناقل للمرض. ويُعرف الملاريا بأنه "'المرض المنسي'" و''مرض الفقراء''، ويقدر ان الخسائر السنوية التي يوقعها في افريقيا تصل الى 12 بليون دولار. ويصفه اقتصاديو الأممالمتحدة بأنه "'المسؤول عن الفقر في القارة السمراء، حيث تنفق دولها ما يصل الى 40 في المئة من موازناتها الصحية على المكافحة والعلاج'". التوسع في عمليات التعدين والصناعات التنقيبية قد يزيد حدوث أمراض مثل الملاريا. ويؤدي اقتلاع الأشجار وشق الطرق الى تشويه النظم الغابيّة والنهرية، مما يعزز موائل البعوض الناقل لهذا المرض. كما أن توغل العمال الى أماكن كان يتعذر بلوغها من قبل يزيد عدد الأشخاص المعرضين للخطر. وقد أظهرت دراسة في مواقع التنقيب عن الأحجار الكريمة في سري لانكا انها أصبحت مرتعاً للملاريا. فالحفر الضحلة التي خلفها عمال المناجم أصبحت بؤراً مثالية لتكاثر البعوض. وأظهرت دراسات أجريت في البرازيل أن التلوث الزئبقي قد يفاقم الوضع. فالزئبق، الذي يستعمل في التنقيب المحدود عن الذهب يزيد من امكانية تعرض المنقِّب للاصابة بالملاريا من خلال اضعاف نظم مناعته. واضافة الى ذلك، قدرت منظمة الصحة العالمية أخيراً أن نحو 6 في المئة من اصابات الملاريا في بعض أنحاء العالم خلال السنوات ال25 الماضية كانت نتيجة تغير المناخ. "'لايم'" مرض بكتيري في أميركا الشمالية واوروبا وآسيا، من أعراضه أوجاع في الرأس وطفح جلدي ووهن وآلام في العضلات والمفاصل، وفي بعض الحالات يسبب مشاكل قلبية وعقلية. وهو ينتقل عن طريق لسعات حشرات القُراد التي تمتص الدم وتعيش على الأيائل. أما البكتيريا التي تسبب المرض فتوجد غالباً في الفئران. وقد أجريت دراسة في منطقة داتشس شمال مدينة نيويورك، ربطت ارتفاع الاصابات بمرض لايم هناك بتغيرات في موائل الغابات، اضافة الى عوامل اجتماعية. فتجزئة الغابات أدت الى تناقص مفترسات القوارض، مثل الذئاب والطيور الجارحة، فازدادت أعداد الفئران البيضاء القوائم الناقلة للمرض. وفي وقت لاحق، أدت أعمال التحريج "'الترقيعي'" الى تزايد أعداد الأيائل، مما زاد أعداد حشرات القراد الناقلة للمرض. ثم ان انتشار ضواحي المدن وتوسعها في الأرياف، وازدياد استعمال الأراضي الحرجية لأغراض ترفيهية مثل التخييم والمشي في الطبيعة، جعل الناس على احتكاك بعدد أكبر من القراد المصاب. ومن الأسباب التي تساهم في انتشار الأمراض المعدية تلوث المياه وسوء ادارة الصرف الصحي. الاسهال المُعدي هو العامل الأكبر في العبء المرضي المرتبط بسوء ادارة المياه، الذي يؤدي أيضاً الى الاصابة بالبلهارسيا شيستوسوما والتراخوما والأمراض الدوديّة. وهذه تسبب 88 في المئة من اصابات الاسهال في العالم و3.1 في المئة من الوفيات 1.7 مليون و3.7 في المئة من سنوات الاعاقة 54.2 مليون سنة. البلهارسيا مرض طفيلي يسبب اعتلالاً مزمناً. ويشكل خطراً رئيسياً على الصحة في أرياف مصر ووسط الصين وبلدان نامية أخرى. حلزون المياه العذبة من نوع Biomghalaria glabrata يعمل كخزان للمرض. والتغيرات التي تحدث في جريان المياه وكيميائها نتيجة اقامة السدود، مثل سد أسوان في مصر ومشاريع الري على نهر السنغال، ترتبط بتزايد أعداد هذا الحلزون وبالتالي اصابات البلهارسيا. ويترافق الصيد الجائر في بحيرة ملاوي مع مشكلة مماثلة، فقد أدى الى هبوط أعداد الأسماك الآكلة للحلزون الناقل للمرض مما زاد أعداده. وكما هي حال الملاريا، ينتقل الالتهاب الدماغي الياباني وحمى الضنك النزفية الى البشر عن طريق البعوض الذي يتكاثر في المياه الراكدة. وتتفاقم المشكلة مع تعاظم كميات النفايات، نتيجة تنامي الاستهلاك وسوء خدمات جمعها ومعالجتها واعادة تدويرها والتخلص منها، فضلاً عن رميها عشوائياً مما يساعد في تكاثر الحشرات والقوارض. وتوفر أكياس البلاستيك والعلب الفارغة واطارات السيارات المهملة، عند امتلائها بمياه الأمطار، فرصاً مثالية لتكاثر الحشرات الناقلة للأمراض. كما أن التمدد المديني العشوائي والافتقار الى مشاريع مناسبة لادارة المياه المبتذلة في كثير من مدن البلدان النامية عاملان أساسيان في انتشارها. وترتبط حالات من السلّ والطاعون الدمّلي وداء هانتافيروس الرئوي بالأحياء العشوائية في المدن. وقد تعاظم انتشار الحمى الصفراء وداء غابة كياسانور في الهند وداء ايبولا مع ازالة الغابات. ولوحظت علاقة وثيقة بين تحويل الأراضي البكر لأغراض زراعية وتفشي أمراض مثل التيفوس والالتهاب الدماغي الخيلي الغربي والفنزويلي. الكيماويات والمضادات الحيوية انتيبيوتيك في مخلفات المواشي تساعد في ازدهار سلالات من الجراثيم أكثر مقاومة للأدوية، مما يسفر عن انتشار أمراض أصعب علاجاً مثل التهاب الكبد وبعض الأمراض الاسهالية. وتلوث المياه الساحلية بمياه الصرف غير المعالجة عامل أساسي في تفشي الكوليرا في أنحاء العالم. سموم الهواء الملوث النتائج الخطيرة لتلوث هواء المدن تجلت منذ منتصف القرن العشرين، عندما شهدت مدن أوروبية وأميركية حالات قاتلة، مثل ضباب لندن الدخاني الشهير عام 1952 الذي سبب أكثر من 4000 وفاة خلال أيام وأدخل عشرات الألوف الى المستشفيات. وقد ساهمت قوانين "'الهواء النظيف'" وإجراءات أخرى اتخذت لاحقاً في خفض تلوث الهواء في كثير من المناطق. لكن دراسات وبائية حديثة حددت آثاراً صحية خطرة لتلوث الهواء الناتج عن الاحتراق، حتى بتركيزات منخفضة، في مدن اوروبا الغربية وأميركا الشمالية. ويتعرض سكان المدن الكبرى السريعة التوسع في آسيا وافريقيا وأميركا الجنوبية لمستويات من التلوث الهوائي تضاهي أو تفوق تلك التي شهدتها بلدان صناعية في "'عز'" تلوثها. السبب الرئيسي إحراق الوقود الأحفوري في وسائل النقل ومحطات الطاقة وأنشطة بشرية أخرى. فعملية الاحتراق تنتج مزيجاً معقداً من الملوثات، بينها السخام والرصاص واوكسيدات النيتروجين والكبريت وغاز الاوزون. ويتسبب التلوث الهوائي في نحو 5 في المئة من سرطان القصبة الهوائية والرئة، و2 في المئة من الوفيات الناتجة عن أمراض قلبية، و1 في المئة من الوفيات الناتجة عن أمراض رئوية. وهذا يشكل عالمياً نحو 800 ألف وفاة و7.9 ملايين سنة اعاقة. معظم الملوثات الهوائية تنجم عن مصادر خارجية، لكن تأثر الناس يأتي بشكل رئيسي أيضاً من مستوى التلوث في أماكن يقضون فيها معظم وقتهم، أي داخل المنزل. الطبخ والتدفئة باستعمال الوقود الصلب، كالحطب والفحم والروث والمخلفات الزراعية، يشكلان أكبر مصدر لتلوث الهواء الداخلي. وهذه الأنواع من الوقود ما زال يعتمدها نصف العالم في الطبخ، بما في ذلك أكثر من 75 في المئة من سكان الهندوالصين والبلدان المجاورة، ونحو 75 في المئة من سكان أميركا الجنوبية وافريقيا. وسوء التهوئة شائع في كثير من البلدان النامية، ما يزيد التعرض للملوثات المنزلية ولا سيما بالنسبة الى النساء والأطفال الصغار الذين يقضون معظم الوقت في الداخل. وقد أظهرت دراسات أن الدخان الداخلي المنبعث من الوقود الصلب يسبب نحو 35.7 في المئة من أمراض الرئة، و1.5 في المئة من سرطان القصبة الهوائية والرئة، و2.7 في المئة من سنوات الاعاقة. وللتلوث الهوائي الداخلي علاقة بأمراض السل والماء الازرق والربو وأنواع الحساسية. ويوجد الرصاص في الهواء والغبار والتربة والمياه نظراً لتعدد استعمالاته. وهو يدخل الجسم أساساً بالابتلاع والاستنشاق، وازداد التعرض له نتيجة التطور الصناعي وخصوصاً استعمال البنزين المرصص. وقد تخلى نحو 60 بلداً عن استعمال هذا البنزين، ونحو 85 في المئة من البنزين الذي يباع حالياً في انحاء العالم يخلو من الرصاص. ولكن هناك مصادر أخرى للتلوث الرصاصي يصعب التحكم بها، مثل بعض أواني المطبخ الفخارية ومواسير المياه والطلاءات المنزلية. والتسمم الرصاصي يصبح خطراً رئيسياً عندما يلهو الأطفال خارجاً ويبتلعون تراباً ملوثاً بالرصاص. بعد اتخاذ اجراءات رقابية، انخفضت مستويات الرصاص باطراد في بلدان صناعية، ولكن ما زال 5 في المئة من الاطفال على الأقل يعانون من ارتفاع مستويات الرصاص في الدم، والمعدلات أعلى لدى الاطفال الفقراء. وفي كثير من البلدان النامية، حيث ما زال البنزين المرصص شائعاً، يشكل الرصاص تهديداً لأكثر من نصف الأطفال، اذ ترتفع مستوياته في دمائهم بفعل تزايد حركة السير. ويعيش 97 في المئة من الأطفال المتأثرين في مناطق نامية. أما التعرض للرصاص في المصانع والمشاغل، مثل مصاهر المعادن وورش تدوير البطاريات، فيشكل عبئاً اضافياً كبيراً في بعض المناطق. الرصاص يؤثر عملياً على جميع أجهزة الجسم. وغالبية حالات التسمم الرصاصي تحدث على مستويات منخفضة مزمنة، ويمكن أن تؤدي الى انخفاض حاصل الذكاء وارتفاع ضغط الدم واختلالات النمو والسلوك، اضافة الى أعراض معديّة معوية وفقر في الدم وتلف عصبي وضعف كلوي. ويعتقد أن الرصاص يسبب سنوياً نحو 234.000 وفاة و12.9 مليون سنة اعاقة. فقراء في كل شيء غالباً ما تتداخل المشاكل الصحية والبيئية في الأحياء الفقيرة الخالية من الخدمات. فسوء الصرف الصحي يؤدي الى تلوث مياه الشفة والمياه الجوفية. والبراز يجد طريقه الى الاراضي المكشوفة وحفر التصريف، وعموماً الى الاحتكاك بالناس. والذباب يتكاثر في الفضلات البشرية والنفايات ويلوث الغذاء. وتلقى النفايات الصلبة والسائلة في مجاري التصريف، فتنشأ تجمعات مياه آسنة يتكاثر فيها البعوض. التلوث الجرثومي للغذاء يجعل الغسل والطبخ أمرين حاسمين، لكن الماء النظيف مفقود غالباً ومواقد الطبخ تعرض النساء والأطفال لملوثات خطرة. وبعض أنواع البعوض تنشر أمراضاً، مثل الملاريا، لكن إشعال اللفافات الدخانية ورش المبيدات لمكافحة البعوض يزيدان من تلوث الهواء والأخطار الكيميائية. ويفاقم الاكتظاظ وسوء أماكن السكن معظم هذه المشاكل. يعرف العلماء أن عدداً من المواد الكيميائية يمكن أن تسبب أوراماً في حيوانات المختبر، ويبدو أنها تحدث سرطاناً لدى الذين يتعرضون لجرعات عالية منها. وهم يعرفون أيضاً ان بعض الملوثات الشائعة، ومنها بعض المواد البلاستيكية وأنواع الوقود والعقاقير والمبيدات، يمكن ان تعطل الوظيفة الهورمونية الطبيعية في الجسم، من خلال محاكاة الاستروجين مثلاً، وأن بعض الأمراض السرطانية، وخصوصاً سرطان الثدي والجهاز التناسلي، تتأثر بالهورمونات. المبيد "'د.د.ت'" حظر استعماله عام 1972 على أثر نتائج اختبارات أجريت على الحيوانات. ولكن في حالة الاسبستوس الاميانت، فان المعلومات المستقاة من اختبارات اجريت على الحيوانات أبقيت طي الكتمان مدة 15 سنة، الى أن ظهرت اصابة آلاف العمال الاميركيين بسرطان الرئة وسجلت بيانات طبية أقنعت الباحثين بوجود علاقة بين مرضهم والاسبستوس. نحو خُمس المواد الكيميائية الموجودة في الطبيعة يمكن ان تسبب سرطاناً لدى البشر بجرعات منخفضة. والتعرض الكيميائي هو عامل بيئي واحد ينضم الى استعدادات جينية لدى شخص ما ليسبب مرضاً سرطانياً. ومن العوامل الأخرى الغذاء والتدخين وتناول الكحول والاشعاع والفيروسات وحروق الشمس. ولا بد من الاشارة هنا الى الارتفاع الحاد في اصابات سرطان الجلد نتيجة ترقق طبقة الاوزون التي تحمي الأرض وكائناتها من الأشعة فوق البنفسجية الحارقة، نتيجة تكثف مركبات الكلوروفلوروكربون الصناعية في الأجواء. تغيرات بيئية واجتماعية النمو والتوزع السكانيان والانماط الاستهلاكية قوى محركة لتغيرات اجتماعية وبيئية. وتظهر الأبحاث أن كثيراً من هذه التغيرات على علاقة بأنماط أمراض معدية. فالهجرة البشرية، سواء كانت نتيجة فقر أو نزاع أو تغير في الموائل بسبب المناخ، يمكن أن تنشر أمراضاً جديدة أو عائدة. كذلك، فان انماط النقل الحديث توصل الأمراض الى أماكن بعيدة وتعرض سكانها لأنواع غريبة عنهم من ناقلات الأمراض. البعوض Aedes albopictus مثلاً، الذي يستطيع التكاثر في مياه راكدة في الاطارات المستعملة، انتشر من آسيا الى العالم من خلال شحن اطارات مستعملة. وانتقال مرض الالتهاب الرئوي الحاد سارس عام 2003 من شرق آسيا الى تورونتو في كندا كان سببه رجل مصاب مسافر في طائرة تجارية. كما ان مرض العوز المناعي المكتسب الايدز انتشر في افريقيا الجنوبية والوسطى عن طريق سائقي شاحنات يقطعون مسافات بعيدة، وعالمياً عن طريق مسافرين جواً وبحراً. وأسفر التمدد المديني السريع والعشوائي عن انتشار أحياء ومساكن غير ملائمة ونقص في نظم ادارة المياه والصرف الصحي والنفايات. فعندما تعيش أعداد مكتظة من الناس في أماكن تعج فيها القوارض والبعوض والحشرات الأخرى، تشيع أمراض وبائية تنشرها تلك الحيوانات الناقلة. وقد شكل التمدد المديني القوة المحركة الرئيسية لعودة حمى الضنك dengue fever، وانتشارها عالمياً في العقود الأخيرة. فقبل عام 1970، لم تشهد الا تسعة بلدان انتشاراً لحمى الضنك النزفية، لكنها متوطنة حالياً في أكثر من 100 بلد، ويشكل جنوب شرق آسيا وغرب الهادئ الاقليمين الأكثر تأثراً. في خمسينات القرن الماضي، كانت منظمة الصحة العالمية تبلَّغ بحدوث ما معدله 908 اصابات بحمى الضنك النزفية في المتوسط كل سنة. وارتفع هذا الرقم الى 514.139 اصابة خلال الفترة 1989-1990 وفي العام 2001 أبلغ عن أكثر من 609.000 اصابة في القارة الأميركية وحدها. وفي المناطق الساحلية يؤدي الضغط السكاني وتدفق مجاري الصرف الى تدهور الشواطئ وانتشار أمراض تنقلها المياه مثل الكوليرا. وهذا زاد أيضاً من السموم الناجمة عن تكاثر الطحالب المعروفة بالمد الأحمر. عموماً، من المؤكد أن البيئة السليمة تبقي حاملات الأمراض تحت السيطرة، في حين أن البيئة المتضررة والمعدلة والمتدهورة تخلّ بالتوازن الطبيعي فتساعد على انتشار الأمراض ينشر في وقت واحد مع مجلة"البيئة والتنمية"عدد أيار /مايو 2005