وزير الموارد البشرية خلال ملتقى الميزانية 2026: منظومة الموارد البشرية حققت 70% من مستهدفاتها ومشاركة المرأة ترتفع إلى 34.5%    قمم الخليج.. تكامل المصالح وتوافق الرؤى    المجلس التنسيقي السعودي - البحريني.. رؤية مشتركة وتوافق تاريخي    أجندة أمن ونمو.. ولي العهد يقود مشاركة المملكة في قمة الخليج    أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة ورئيس وأعضاء جمعية الرحمة الطبية    "الوعلان القابضة" تستعرض خدماتها المتنوعة في قطاعي الطيران والسيارات    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة ويدشّن وحدة المشاركة التطوعية    أمانة جازان تواصل حملات تحسين المشهد الحضري في وسط البلد والشامية    زراعة عسير: ضبط 760 كجم من الأسماك والدواجن غير الصالحة للاستهلاك الآدمي    ولي العهد يغادر إلى البحرين لترؤس وفد السعودية في الدورة ال46 للمجلس الأعلى ومجلس التنسيق السعودي البحريني    ضميرية عسيرية حول المملكة وباكستان    الطلاق الصامت.. انفصال بلا أوراق يُربك الأسرة    لو لا تنتهي القصائد .. هكذا تُطوى آخر ليالي نوفمبر مع نجم شاعر المليون عبدالرحمن المالكي    إطلاق مشروع «نتطوع معًا» لتعزيز ثقافة التطوع والابتكار بجازان    أمير الرياض يشهد توقيع اتفاقيات بين "الموارد البشرية" وعدد من الجهات    القراءة التي لا تتحول إلى إنتاج موقف أو نص تبقى ناقصة نعمل على أن تصبح «أقرأ» منصة عربية مرجعية للقراء الشباب    المملكة تقفز بنسبة المناطق البحرية المحمية إلى 61.1 %    الهلال يطلب إعفاء بونو من كأس أفريقيا.. ونونيز يريد الرحيل    اندثار المواهب والحلول لإعادة اكتشافها وصقلها    توطين تقنيات التصنيع الذكي    خطوة روسية – أمريكية نحو حل سلمي للأزمة الأوكرانية    أكد أن مزاعم «الدعم السريع» وهدنته مناورة سياسة.. الجيش السوداني يصد هجوماً على «بابنوسة»    الحوثي يعدم المدنيين بتهم «مزيفة»    ألقى بابنته من الشرفة لرفضها فسخ خطبتها    «الجوازات»: الهوية الرقمية لا تستخدم في عبور منفذ سلوى    المملكة الثالث عالمياً في نماذج الذكاء الاصطناعي    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    مجرد (شو) !!    قبل عرضها على سبيستون    أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا    في مستهل مشواره بكأس العرب.. الأخضر يعبر عمان بثنائية البريكان والشهري    جودة النظام الصحي تسبق مهارة الطبيب    شبه القراءة بالأكل    الجيش الألماني يعلن تعرّض شحنة ذخيرة للسرقة    ضبط 21134 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    نور الرياض    منازل نجران.. تراث أصيل    في جزيرة شورى وزيرا الرياضة والإعلام والإعلاميون.. أمرهم شورى!    ألونسو: أهمية مبابي أكبر من أهدافه    توجيه تهمة القتل للمشتبه بإطلاقه النار على فردين من الحرس الوطني بواشنطن    3 ملايين مخطوطة تتصدر حديث ثلوثية الحميد    الأسهم السعودية تغلق على تراجع طفيف    البطاطا تقود ارتفاع المنتجات الزراعية خلال أكتوبر    42% نمو بالإنتاج الزراعي بالباحة    عنف إسرائيلي متصاعد وسط تمدد البؤر الاستيطانية    الأخضر يستهل مشواره بالتغلب على عُمان بثنائية في كأس العرب 2025    انطلاق فعاليات القمة الخامسة لرعاية العيون بمشاركة نخبة من الكادر الطبي    السفراء الجدد يؤدون القسم أمام ولي العهد    حين أوقدت منارتي نهض الصمت فنهضت به    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي القوة البحرية بجازان    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    "الشؤون الإسلامية" تنفذ أكثر من 47 ألف جولة رقابية في المدينة المنورة    مركز الفلك الدولي يوثق بقع شمسية أكبر من الأرض بعشر مرات    «التخصصي» ينقذ طرف مريض بالجراحة «ثلاثية الأبعاد»    البكتيريا المقاومة للعلاج (2)    الكتابة توثق عقد الزواج عند عجز الولي عن النطق    القيادة تعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية ببلاده    الداخلية: تخريج 99 ضابطاً من دورات متقدمة وتأسيسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق مردم بك والياس صنبر في "الكينونة العربية" . ماذا يعني ان يكون المرء "عربياً" ... الآن ؟
نشر في الحياة يوم 12 - 05 - 2005

بعد كتاب سمير قصير،"تأملات في الشقاء العربي"، الذي صدر السنة الفائتة، قبل بضعة أشهر من اغتياله، في سلسلة"سندباد"لدى دار"أكت سود"، تطل هذه السلسلة بكتابٍ جديد يحمل عنوان"أن تكون عربياً"ويتألف من سلسلة مقابلات أجراها رئيس تحرير مجلة"بوليتيس"الفرنسية كريستوف كانتشيف مع صديقَيْ قصير، الكاتبين العربيين الناشطين في فرنسا فاروق مردم بك والياس صنبر، تتناول أبرز الأحداث التي عصفت بعالمنا العربي منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى اليوم.
وقد يظن البعض أن خلف هذا العنوان ثمة محاولة لتثبيت جوهر عربي محدد. ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً. فالمقصود هو تحديد طبيعة الحضور العربي في العالم بتجاربه الفردية والجماعية واستخلاص عدد من الملامح المشتركة والمميِّزة التي تتكوّن منها العروبة. فكما سنلاحظ طوال الكتاب، ثمة أشكال عدة للكينونة العربية لأن سُبُل عيش هذه الهوية تتحوّل وتتجدد وفقاً للمكان وللحقبة المعبورة. ومع أن هذا الكتاب هو كتاب تاريخ قبل أي شيء، يتجنّب المفكرّان فيه البحث بمجهر التزمت عن آثار أصول ما، وإن ركّزا في شكل خاص على منطقة من عالمنا العربي ظهر فيها الشعور بالانتماء إلى شعب واحد بشكل نشيط: المشرق بما فيه مصر.
وتبدأ هذه المقابلات مع الحقبة الكبيرة الأخيرة من الأمبرطورية العثمانية نهاية القرن الثامن عشر ثم تعبر تاريخنا المعاصر والحديث حتى الفترة الراهنة. وبدلاً من سرد أحداث هذه الفترة التاريخية وفقاً لتسلسلها الزمني، يُقارب مردم بك وصنبر موضوعات محددة سلفاً من كانتشيف، مثل حركة الإصلاحات الكبيرة في الأمبراطورية العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر، ولادة الشعور القومي العربي، هجمة الصهيونية وولادة دولة إسرائيل عام 1948، عبدالناصر والتيار الناصري، نتائج حرب 1967، المقاومة الفلسطينية، التباسات اتفاق أوسلو، معاني 11 أيلول سبتمبر ونتائجه، الأصولية والاستبداد، فرنسا والانحراف الطائفي. لكن ذلك لم يمنع الكاتبين من التوقف عند عدد من الأحداث، بطريقة مفصّلة أحياناً، بهدف توضيح رأيهما في شكل دقيق.
ظاهرة الركود
وبالفعل، أهم ما في هذا الكتاب هو من دون شك رأي كل من هذين الكاتبين اللذين لا يترددان في مهاجمة أفكار طاغية أو توافقية مصدرها التيارات القومية العربية أو التاريخانية الإسرائيلية الرسمية أو كتّاب ينتسبون إلى ليبرالية حازمة أو شخصيات فكرية متقوقعة داخل طائفيتها، وفي فضح أسباب الركود الذي يتخبط فيه عالمنا العربي ونقد التحليلات التي تنتحل صفة الموضوعية والأكاذيب التي ترتكز على الإهمال المتعمّد والإدانات المريحة نظراً إلى طابعها الجازم. وترتكز عملية التوضيح الشاملة للأحداث التاريخية الرئيسة التي يضطلع بها كل من مردم بك وصنبر على قناعات ناتجة من مقاربة علمية للأحداث وفحص دقيق للمعطيات التاريخية ومسافة نقدية من الحتميات dژterminismes، الأمر الذي يمنح تحليلاتهما أهمية بالغة. وإذ لا يسعنا هنا مقاربة كل الأفكار الجديدة التي يقدمها لنا هذان الكاتبان، نتوقف عند عدد منها.
ففي ما يتعلق بطبيعة النسيج الاجتماعي المعقد للأمبرطورية العثمانية والذي يتكوّن من دول وقوميات وطوائف ولغات مختلفة، وكيفية تماسك هذا النسيج وإدارته، يهاجم الكاتبان طرحين متداولين إلى حد اليوم: الطرح الأول الذي يقدم الحكم العثماني كخلاصة"للطغيان الشرقي"، والطرح الآخر الذي يتميّز بنظرة مثالية للمجتمع العثماني انطلاقاً من نظام الملل الحكيم الذي كان يؤمن تعايشاً متناغماً بين مختلف الطوائف الدينية والقومية. والحقيقة هي أن العلاقة بين مركز السلطة والأقاليم كانت ترتكز على فكرة بسيطة وجوهرية: التبعية. فطالما كانت الأقاليم خاضعة للنظام الإمبريالي احترمت السلطة المركزية العثمانية التنظيمات الداخلية للطوائف الدينية والقومية. وأي محاولة للابتعاد عن هذا النظام كانت تؤدي إلى تعليق الاستقلالية النسبية لهذه الطوائف ومعاقبتها. وسيبقى العرب أوفياء للسلطة العثمانية إلى حين محاولة حركة"تركيا الفتاة"فرض اللغة التركية على المقاطعات العربية عند بداية القرن العشرين. الأمر الذي أدّى إلى قطيعة سريعة وإلى بروز القومية العربية بمعناها الحديث.
وفي ما يتعلق بالقومية العربية، يتفق صنبر ومردم بك على أن الشعور بتكوين أمة أو قوم غير جديد عند العرب. وهذه الأمة هي كصرح مكوَّن من عناصر هوية متعددة لا تتنافى في ما بينها. وينطبق هذا الأمر على أمم العالم. فالهوية الأحادية الانتماء غير موجودة. لكن بروز القوميات الحديثة تحت شعار"الدولة الأم"سيتطلب الانصهار في قالب دولي جديد، واحد وغير قابل للتجزيء، والتخلص من الانتماءات السابقة. وهذا يعني الانحلال للانبثاق من جديد على أساس مرجع واحد هو الدولة المركزية. إنه نظام"الدولة الأم"الذي فرض قواعده داخل الفضاءات التي ظهرت فيها أوروبا ولكن أيضاً كنموذج وحيد وعالمي. لكن صفة"قومي"سيستخدمها دعاة"الدولة الأم"وأولئك الذين لا ينتمون إلى هذا النموذج، كالعرب مثلاً الذين يعتبرون أنفسهم كأمة ذات هوية متماسكة. وعلى عكس الأوروبيين الذين تطلب الانتماء القومي منهم التخلص من الانتماءات السابقة واختيار انتماء واحد للدولة الأم، ارتكزت هوية العرب، كسائر الشعوب التي كانت تعيش في مجتمعات تسبق مجيء الدولة، على المحافظة على الانتماءات الأخرى وتراكمها في شكل متناغم. إنها هوية مكوّنة من دوائر متحدة المركز، لا تتنافى في ما بينها وتنطلق من الدائرة الأصغر إلى الدائرة الأوسع، أي من مكان الولادة إلى الأمة مروراً بالانتماء العائلي والطائفي والمحلي والإقليمي والديني واللغوي... ولأن دعاة"الدولة الأم"حجبوا حالة مجتمعاتهم قبل بروز القوميات الدولية في القرن التاسع عشر ورفضوا واقع الهويات المتحدة المركز والمتكاملة في ما بينها، رفضوا بالتالي مبدأ الهوية القومية لدى العرب ونظروا إليهم كمجرد مذاهب دينية. وهذا ما يشرح طريقة تقطيع المنطقة العربية إلى دول سجينة لحدود استعمارية لا تحترم الخطوط السابقة المبنية على القسمة وحسن الجوار، الأمر الذي سيُنشّط التوق إلى الوحدة بين العرب. وأفضل مثل على هذه النظرة الجائرة هو وعد بلفور الذي قلّص الشعب الفلسطيني إلى مجرد"طوائف غير يهودية".
أما القضية الفلسطينية، فيرجع الكاتبان إلى ظروف ولادة دولة إسرائيل وإلى العقيدة الصهيونية ومشروعها ليس الاحتلال أو الاستعمار الكلاسيكيين بل"استبدال"أرض عربية بأرض يهودية، مما يعني أيضاً طرد سكان هذه الأرض الأصليين. وهذا ما يشرح الوسائل المستخدمة من القادة الصهيونيين وزوال كلمة"فلسطين"عن الخريطة عام 1948. ويتوقف صنبر عند خطأ التيار القومي العربي آنذاك في نكران وجود فلسطين بذاتها واعتبار الفلسطينيين، شعباً وأرضاً،"كسورية الجنوبية"، ونتائجها المأسوية. ويتوقف أيضاً عند خطأ الفلسطينيين الفادح آنذاك، ولكن المفهوم في تلك الظروف، في طريقة دفاعهم عن قضيتهم، باعتمادهم منطق العدو حين طالبوا بحقوقهم كطوائف وتحدّثوا باسم المسلمين والمسيحيين في فلسطين، متناسين أن الهوية الفلسطينية العريقة في القدم تجمع في بوتقة واحدة المسلمين والمسيحيين واليهود.
وفي ما يتعلق بعبدالناصر الذي تمتع بهيبة كبيرة بعد حرب السويس عام 1956 وجسّد في نظر الجميع التيار القومي العربي، يُبيّن مردم بك حدود نظامه، بخاصة على المستوى الديموقراطي، من دون إهمال إنجازاته التي يمكن وصفها بلا مبالغة كثورة حقيقية على المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية بلغت نتائجها كل العالم العربي. ومن هذه الإنجازات، عملية علمنة المجتمع التي أصبحت ميزة ثابتة للتيار القومي العربي. وفي شأن التدخل الأميركي في العراق الذي أدى إلى"هزة تاريخية"في العالم العربي، يُحلل مردم بك وصنبر نتائجه الخطيرة على مستوى الهوية العراقية التي أصبحت نسيجاً ممزّقاً تتنافس طوائفه المختلفة اشلاءه، ويبيّنان كيف أن هذا الانحراف الطائفي كان هدف الحكومة الأميركية التي جهدت في إعادة تأسيس الحكم في هذا البلد وفقاً لنموذج طائفي، كما تشهد عليه الانتخابات الأخيرة التي جاءت بعيدة كل البعد من التقدّم الديموقراطي المُعلن.
وعلى رغم بعض الأنظمة العربية المهترئة والأصوليات الدموية والرجعية، يرى الكاتبان أن الأمور في حالة تطوّر إيجابي. فإمعان الإسلاميين في الإرهاب الأعمى أفقدهم معظم رصيدهم داخل المجتمع العربي الذي أصبح ينظر إليهم كمنحرفين ومجرمين وليس كمناضلين سياسيين. والأنظمة العربية لم تعد حرّة في تصرّفاتها وطغيانها وفسادها كما في السابق. فمع أنها لا تزال تملك قدرة كبيرة على الإضرار، لكن تصلب المجتمع الدولي في هذا الخصوص والتدخّل في شؤون أي دولة"منحرفة"الذي أصبح اليوم حقاً دولياً، يدفعان هذه الأنظمة إلى اعتماد وسائل وتدابير لم يكن ممكناً تخيّلها في الماضي. وذلك في الوقت الذي بدأ المعارضون لهذه الأنظمة يبتكرون أشكالاً فريدة من التنظيم ويستفيدون بذكاء من وسائل الاتصال الحديثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.