يعتبر انتخاب جلال طالباني، زعيم"الاتحاد الوطني الكردستاني"، رئيساً للعراق خطوة تاريخية في تاريخ العراق الحديث، تكمل خطوة انتخاب الجمعية الوطنية البرلمان ورئاستها. وتنبع أهمية انتخاب طالباني رئيساً للعراق من اعتبارين: انه أول رئيس لهذا البلد ينتخب بحرية من ممثلي الشعب العراقي منذ أكثر من نصف قرن، والثاني كون الرئيس المنتخب كردياً. فالعراق لم يعرف في تاريخه الحديث، بالتحديد منذ أكثر من 50 سنة، انتخابات حرة يختار خلالها المواطنون ممثليهم ونظام حكمهم بحرية. إذ عرفت فترة حكم نظام"البعث"الممتدة لأكثر من 40 سنة، ممارسات لم يسمع خلالها إلا صوت الحزب الحاكم، وبلغت هذه الممارسات ذروتها مع تسلم صدام حسين السلطة عام 1979 واحكام قبضته على كل مفاصل الدولة... وتغييب الصوت المعارض، بل ارادة الشعب للتعبير عن نفسه باختيار ممثليه ونظام حكمه. وأهمية انتخاب طالباني رئيساً تأتي كونه يشكل رسمياً انتهاء حقبة"البعث"والاقصاء، وارساء حقبة جديدة عنوانها حرية الشعب في اختيار ممثليه ونظام حكمه. فقد انتخب طالباني رئيساً لجمهورية العراق، مع نائبيه عادل عبد المهدي وغازي الياور، من جانب الجمعية الوطنية التي فاز أعضاؤها في انتخابات تاريخية في 30 كانون الثاني يناير الماضي. والاعتبار الثاني لأهمية انتخاب طالباني رئيساً يأتي من كونه كردياً، وهذا لا يقل أهمية عن الاعتبار الأول الانتخاب بل هو مكمل له. فانتخاب كردي لرئاسة العراق يكرس مبدأ المساواة والعدالة بين جميع المواطنين، من دون تمييز على أي أساس فئوي، عرقي أو ديني أو طائفي. وتؤكد هذه الخطوة ان مناصب الدولة الرئيسية ليست حكراً على فئة دون اخرى، ولو كانت هذه الفئة تعتبر"أقلية". وأما المفاوضات التي جرت خارج الجمعية الوطنية لانتخاب رئاسة الجمعية والمجلس الرئاسي، فإنها لا تضير العملية السياسية طالما بقيت المفاوضات في نطاق"الاستشارات"فيما تم حسم الترشيحات داخل الجمعية. واذا كان بعضهم يعتبر ان انتخاب الرئاسات المجلس الرئاسي ورئاسة الجمعية تم على اساس المحاصصة القومية والطائفية، إلا أنه من الواضح ان هذه الانتخابات تمت بتوافق ممثلي الشعب العراقي الذين اختارهم في كانون الثاني، بعد مفاوضات طويلة وتنازلات من كل الاطراف. ومن المثير معرفة مشاعر صدام ومعاونيه الذين شاهدوا انتخاب الرئيس العراقي الجديد عبر التلفزيون من السجن، خصوصاً حين عرض طالباني الخطوط العريضة والمبادئ التي سيلتزم بها: "... ايجاد عراق جديد خال من الاضطهاد الطائفي والقومي والتسلط والطغيان، وانشاء حكم ديموقراطي يوفر الحريات وحقوق الانسان وحق المواطنة المتساوية للجميع... ويسعى الى اجتثاث أفكار العفالقة الفاشيست ومفاهيمهم العنصرية الطائفية". كان انتخاب"مام جلال"رئيساً للعراق يوماً تاريخياً يكمله اليوم انتخاب ابراهيم الجعفري رئيساً للحكومة. وتعتبر هذه الخطوات معالم بارزة على طريق ارساء الديموقراطية في بلد تربت أجيال فيه على نظام الحزب الواحد ولم يعرف الحرية ولا التعددية.