عاشت ايران ايام عطلة رأس السنة الايرانية واعياد نوروز التي بدأت يوم 21/3 واستمرت حتى يوم 2/4. وقد احتجبت الصحافة الايرانية جميعها تقريباً عن الصدور خلال هذه الفترة. فعليه لم يعرف الشعب الايراني بمعظمه ما جرى في المفاوضات الاخيرة بين الايرانيين والاوروبيين بشأن الملف النووي الايراني. اذ جرت المفاوضات بين الوفد الايراني ووفد الدول الاوروبية الثلاث بريطانيا و المانيا و فرنسا يوم 23/3 في باريس واستغرقت يوماً كاملاً لكنها انتهت من دون نتيجة. وقال سيروس ناصري عضو الوفد الايراني المفاوض بعد انتهاء المباحثات ان ايران"تؤكد على حقها السابق القاضي بتخصيب اليورانيوم"وستبدأ دورة اخرى من المفاوضات خلال بضعة اسابيع مقبلة غير أن ايران"لا تريد استمرار المفاوضات الى الابد". ووصف وزير خارجية فرنسا جان باتيست ماتيه، الاجواء المحيطة بالمفاوضات بالايجابية والبناءة. وتبين فيما بعد، وعلى لسان مسؤولين ايرانيين آخرين، ان ايران عرضت على الاوروبيين مشروع اقتراح لفتح الطريق المسدود الذي وصلت اليه المفاوضات الايرانية - الاوروبية غير ان هؤلاء المسؤولين لم يكشفوا عن طبيعة هذا المشروع حتى الان. وقالت وكالة"رويترز"ان الدول الاوروبية الثلاث تدرس امكان السماح لايران بالحفاظ على تكنولوجيتها النووية وذلك رغبة منها في ايجاد تسوية مع ايران. وتحدثت عن خلافات بين الجانبين المتفاوضين حول طلب ايران الحفاظ على 500 جهاز للطرد المركزي اذ يعتقد الخبراء ان هذه الكمية لا تكفي لتخصيب اليورانيوم اللازم لانتاج اسلحة نووية"ناهيك عن المراقبة القائمة على المنشآت النووية الايرانية. واشارت مصادر ايرانية محسوبة على المحافظين ان ايران تقدمت بطلب لتشغيل 500 - 2000 جهاز للطرد المركزي وهذا يختلف مع ما نقل عن ديبلوماسيين اوروبيين. وابدت هذه المصادر امتعاضها مما وصفته بالتنازلات التي يقدمها الوفد الايراني المفاوض مع الاوروبيين والمحسوب على البرغماتيين والاصلاحيين. وتطرق الاعلام الايراني الى تباين في مواقف الدول الاوروبية الثلاث تجاه الاقتراح الايراني، اذ يعتقد الايرانيون ان الموقف البريطاني يماثل الموقف الاميركي في معارضته للسماح بأي نشاط ايراني لتخصيب اليورانيوم وان فرنسا توافق على الاقتراح الايراني فيما يقع الموقف الالماني وسطياً بين الاثنين. وقد نفى مساعد المتحدث باسم الخارجية الامريكية آدم اريلي ما ذكر عن وجود خلافات بين الدول الاوروبية بشأن الملف النووي الايراني مؤكداً"ان البلدان الاوروبية - التي تتفاوض مع طهران - وواشنطن تعتقد جميعاً بأن الوقف الكامل للتخصيب ووقف جهود ايران على صعيد انتاج الوقود النووي يمكنهما وحدهما توفير الثقة التي ننتظرها حتى نتمكن من القول بأن ايران تخلت عن برنامجها للسلاح النووي". وتأكيدا لعزم ايران لاستئناف التخصيب النووي والضغط على الاوروبيين في المفاوضات المقبلة، زار الرئيس الايراني محمد خاتمي يوم الاربعاء 30/3 المنشآت النووية الايرانية في مدينتي اصفهان ونطنز حيث تفقد قاعتين رئيستين واقعتين تحت الارض لتدشين اجهزة الطرد المركزي في مجمع نطنز الخاص بتخصيب اليورانيوم. وصرح خاتمي اليوم نفسه ان ايران تنوي اعادة تخصيب اليورانيوم في المستقبل القريب. وقد رافق الرئيس وفد من المراسلين الايرانيين والاجانب في خطوة تعتبر الاولى من نوعها. اذ اعلن د. سعيدي مساعد الشؤون الدولية والتخطيط في الوكالة الايرانية للطاقة الذرية الى المراسلين:"ان ايران تنوي تدشين 50 الف جهاز للطرد المركزي في هاتين القاعتين حيث توفر هذه الاجهزة الوقود لمفاعل نووي واحد فقط وان الوكالة الدولية على علم بجميع مراحل تصنيعها". ومن المقرر ان يبحث الوفد الاوروبي في اجتماعه القادم مع الوفد الايراني في جنيف الاقتراح الايراني المذكور آنفاً. وتعلم ايران جيداً ان اقصاء اي مرحلة من المراحل الخمس الخاصة بانتاج الوقود النووي ستبطل مفعول المراحل السابقة كافة وسيؤدي ذلك الى اضاعة جميع المساعي المبذولة خلال السنين. وفيما تحاول ايران ان تضع الكرة في ملعب الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لاتمنع قوانينها الدول الموقعة على معاهدة منع انتشار الطاقة النووية من الاحتفاظ بأجهزة تخصيب اليورانيوم لأهداف سلمية تؤكد الدول الاوروبية على قلق يساورها و يساور المجتمع الدولي حول اهداف ايران النووية وتستند في ذلك على اخفاء ايران لمنشآتها النووية ومنها منشأة نطنز لمدة عشرين عاماً. غير ان استمرار المفاوضات الى امد غير محدد ليس لصالح ايران. فهي التي قبلت بايقاف عملية تخصيب اليورانيوم في اكتوبر الماضي حتى انتهاء المفاوضات مع الاوروبيين غير ان اطالة امد المفاوضات اقلقها كثيراً حيث اعلنت أنها ستستأنف التخصيب اذا استغرقت المفاوضات وقتاً اكثر من اللازم. وبالطبع لم يفعل الايرانيون ذلك لأنهم يعرفون مدى الضغوط التي يمكن ان تمارس ضدهم في حال اعادة التخصيب ولا يريدون ان يمنحوا الاميركيين الحجج ليضيقوا الخناق عليهم اكثر فأكثر. وليس خافياً على المراقبين ان الاوروبيين بسياساتهم المتلوية والمهددة والمشجعة احياناً تسعى للماطلة وكسب الوقت حتى اجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في 17 من حزيران المقبل. واسباب القلق الايراني من اطالة امد المفاوضات مع اوروبا عديدة اهمها: ان ايران تشعر بأن عدداً كبيراً من خبرائها الذين يعملون في منشآتها هم فعلاً عاطلين عن العمل وان اجهزتهم التي انفقوا عليها المليارات من الدولارات تصبح عاطلة دون استفادة. كما انهم قلقون تجاه مسار الاحداث في الداخل وما يمكن ان يجري خلال الانتخابات الرئاسية حيث هناك معارضة ايرانية في الداخل والخارج تطالب باصلاحات اساسية بل وبتعديل الدستور وحذف المؤسسات الانتصابية والى ذلك من قضايا يمكن ان تؤدي خلال الانتخابات الى احداث لا يمكن التكهن بها حالياً. والانتخابات هذه هي محط انظار ليس الايرانيين فحسب بل الاميركيين والاوروبيين ايضاً حيث يخوضون صراعاً مع ايران من خلال المفاوضات النووية الصعبة. فمن المؤكد ان هذا الصراع لم يتطور الى صراع اشد كإحالة الملف النووي الايراني الى مجلس الامن الدولي او القيام بهجوم اميركي او اسرائيلي محتمل ضد ايران الا بعد ان تنكشف نتائج الانتخابات الرئاسية. او بالاحرى الجميع ينتظر كيف تتم الانتخابات الرئاسية"فهل يسمح النظام باجرائها في اجواء حرة وديموقراطية او انها ستكون مماثلة لانتخابات الدورة السابعة للبرلمان حيث تم اقصاء العديد من المرشحين المستقلين والاصلاحيين. ويعتقد المراقبون انه وفي حال اقامة انتخابات غير ديموقراطية ومسيرة من قبل مجلس صيانة الدستور - المكلف بتزكية المرشحين للانتخابات الرئاسية و المشرف عليها - ستكون الحجة جاهزة بيد الاميركيين الذين يتمتعون بمسايرة الاوروبيين في هذا الامر حيث سيلجأون الى معاقبة ايران من خلال احالة الملف النووي الى مجلس الامن و تمهيد الارضية للقيام بهجمات عسكرية او شيء من هذا القبيل. * كاتب ايراني، طهران.