من التحولات الكثيرة التي شهدها ويشهدها لبنان بفعل التطورات الدراماتيكية التي تطرأ على مسرحه في شكل قياسي السرعة ان"حزب الله"المقاوم اخذ ينغمس في اللعبة السياسية اللبنانية الداخلية اكثر من السابق. وهي لعبة تفوق أي حلبة سياسية في أي مكان في العالم، مكراً ومناورة وتسويات وتراجعات وتنازلات وتحالفات ومحاصصة ومواربة... إذا لم نقل اكثر. فما تسمى"الطريقة اللبنانية"هي التي يتم وصفها بتهذيب"قاعدة لا يفنى الذئب ولا يموت الغنم". وهي طريقة كان الحزب بمنأى عنها نسبياً، نظراً الى الدور المقاوم الذي يلعبه والذي يضعه في مرتبة اخلاقية ارفع بكثير من الألاعيب التي تحويها لعبة المناصب وتقاسم النفوذ. وقد اختبر الحزب هذه اللعبة، في وقت ما زال همه الرئيسي وشغله الشاغل وعقل قيادته الذكية يتركز على تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، حينما خاض الانتخابات النيابية منذ اوائل التسعينات، والانتخابات البلدية. وكان في ذلك يكتفي من اشتراكه في اللعبة بأحد مستوياتها: التمثيل الشعبي والإدارة المحلية والإنمائية. وأتاح له هذا القدر من الانغماس في العمل السياسي الداخلي التمرس على قواعد اللعبة هذه، بالتزامن مع هاجس حماية دور المقاومة من خلال المؤسسات في ظل ثنائية تحالف الدولة والمقاومة. لكن هذا الدور في اللعبة الداخلية اخذ منحى اكثر جدية في الآونة الأخيرة لسببين: - السرعة في الانسحاب السوري والتي لم يكن الحزب يتوقعها منذ البداية. فعلى رغم ان قيادة"حزب الله"لم تكن مرتاحة الى قرار دمشق التمديد للرئيس اميل لحود، فإنها كانت تعتبر ان قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 غير قابل للتطبيق، وأنه مجرد اداة للضغط على سورية لأسباب اخرى منها العراق وفلسطين والدور السوري فيهما، تماماً مثل التوقعات السورية السابقة التي ثبت خطؤها. وعلى رغم ان"حزب الله"شعر بكبر الزلزال الذي سببه اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبالخسارة الفادحة، له و للبنان، فإنه فوجئ بتداعيات هذا الزلزال على الصعيد الداخلي انقلاباً تدريجياً بموازين القوى، مثله مثل دمشق. فجأة، وجد الحزب نفسه، مع اضطرار سنده وحليفه الإقليمي الى الانكفاء، يمارس دور الوكيل الأساسي عنه، في اللعبة الداخلية، فحمل عن الأصيل بعضاً من تراكمات ورواسب ومخلفات المرحلة السابقة التي ادت بالوجود السوري الى ما ادت إليه تلك التي سمّاها الرئيس بشار الأسد"الأخطاء". هكذا عارض الحزب إقالة قادة الأجهزة الأمنية، ثم حاول ايجاد المخارج لبقاء بعضهم لاحقاً. وهكذا اضطر الحزب الى اقتراح تأجيل الانتخابات بالنيابة عن غيره، على رغم ان تقرير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان الى مجلس الأمن تضمن موقفاً هو محصلة دولية - اقليمية يدعو الى تسريعها... وبدا ان الوكيل يتصرف بأدوات التفكير والمناورة ذاتها التي كان يعتمدها الأصيل... ان دور الحزب لا يمكن ان يقف عند حدود الوكيل عن الحليف السوري، بل ان انكفاء ادارة الحليف الإقليمي للوضع اللبناني يوجب عليه مع تزايد المخاطر عليه بفعل استهداف القرار 1559 لسلاحه، ان يرمي بثقله الطبيعي في لعبة السلطة وتركيبتها، فانغمس في تفاصيل تشكيل حكومة الرئيس المستقيل عمر كرامي، تسمية للوزراء وللحقائب. وخذله حلفاؤه في تسمية النائب عبدالرحيم مراد لرئاسة الحكومة مقابل وقوف الأكثرية مع نجيب ميقاتي، مروراً باضطراره لتسمية من يمثله في الحكومة، ثم يمنحها الثقة للمرة الأولى، في وقت كان يتعفف عن لعبة السلطة هذه في السابق. هذا فضلاً عن اشتراكه في التسمية في التعيينات الإدارية المطروحة على الحكومة، للمرة الأولى ايضاً، مع ما يعنيه ذلك من ارضاء لهذا وإغضاب لذاك. لكن الحزب يواجه في هذه الحال مشكلة ازدواجية الدور. فدور الوكيل سيلتبس مع دور الحزب الطبيعي في التوازنات الداخلية، أي مع دوره"الأصيل"في التوازنات الداخلية التي يفترض ان تنتج صيغة جديدة للعلاقة المميزة مع سورية، سيكون من الصعب على الحزب ان يضع خطاً فاصلاً بين الدورين.